أسامة حراكي يكتب: الأدب وتناوله الإعلامي
يحتاج الأديب الذي يطرح إبداعه في نصوص متنوعة وأشكال مختلفة، إلى من يتناول انتاجه الأدبي بما يستحق من اهتمام واحترام كي يظهر للملأ، سواء أكان هذا الإنتاج مقروءاً أو مسموعاً أو مشاهداً ومهما كان جنسه، ولا يكتمل مدار التفاعل والانفعال الذي يُفترض أن يسري فيه من دون متلقٍ مهتم متابع، يندفع حين يصل الانتاج إليه للتعبير عما يراه بالإشادة أو النقد، لكن من حق الأديب صاحب النص أن يتطلع على رأي الجمهور وبأية وسيلة ممكنة.
قد يختلف الأمر حين يكون ذلك متصلاً بوظيفة إعلامية؛ حيث يصبح التناول الإعلامي أو التغطية الإعلامية حسب ما هو متداول عملاً وظيفياً، أو واجباً بشكل أو بآخر يُفترض أن يقوم به الموظف أو المراسل، لغاية أخرى سوى الثقافة ربما وهذا ليس عيباً في حد ذاته؛ لكن من الأفضل والأجدى أن يُواءم بين الممارسة الوظيفية والأهداف الثقافية العليا، وبأن يؤخذ بالحسبان حين اختيار المكلفين بهذا النوع من الأعمال الوظيفية، أن يكونوا من أصحاب الإمكانيات الثقافية، والهاجس الثقافي والطاقة المتحفزة دوماً للتواصل مع ما يلزم لمتابعة ما يعرض من إنتاج أو يُقدم من نشاط، وتقديمه إلى من لم يستطع المتابعة المباشرة، أو من لم يصل إليه الانتاج، وسيكون الأمر أكثر فائدة وإغناء لصاحب العمل الأدبي، وللمادة نفسها والمتابعين بشكل مباشر أو غير مباشر، والوسط الأدبي أيضاً، لو لم تقتصر المواكبة الأدبية المأمولة والمفترضة على العرض الوصفي المحايد، وهذا أضعف الإيمان بل أن تُستَتبع برأي صاحبها الموضوعي.
وغني عن القول أن العمل الإعلامي المتصل بأي نشاط أدبي وغير أدبي، لا بد أن يبدأ مع التحضير المسبق، بل هو جزء مهم من الإعداد والاستعداد والدعوة إليه بالطرق والوسائل المناسبة الممكنة، للوصول إلى أوسع نطاق ولا سيما الشريحة ذات الاهتمام بالموضوع، ولا ينتهي مع انتهاء فقرات برنامج النشاط، إنما يستمر صداه باستمرار تناوله الإعلامي وتداعيات ذلك لدى المهتمين.
وهناك علاقة حيوية بين أهمية العمل وجدارته، ومقدار التعاطي الإعلامي معه، وليت هذه العلاقة تبقى هي المؤثرة حقاً، وأن يسود الوسط الثقافي ما هو أرقى من الضغينة، فهناك للأسف عوامل ومؤثرات أخرى غير صحية، منها وهن الإعلام أو انحيازه، وعلاقات الأديب وإمكانياته غير الثقافية، وأوبئة الوسط الثقافي وجائحاته.
ومن الناس من يلوم الأديب على ضعف انتشار أدبه ونصوصه وأسلوبه وصوته وإيصاله، ويتهمه بالتقصير والانعزال وربما التعالي والتكبر والانفصال عن الواقع، فهل يتحمل الأديب حقاً أوزار ذلك؟! وهل هو تاجر عليه أن يهتم بالإعلان عن بضاعته لتسويقها بأسرع وقت وأعلى مردود، وفي الوقت ذاته يتهم أدباء بمقدرتهم على تسويق أنفسهم ونتاجاتهم سواء عن طريق المعارف الشخصية، أو الملكات والممتلكات غير الأدبية، فهل يجوز اتهامهم وربما إدانتهم بهذا؟
إن الإجابة على ذلك تفرض التمعن في المشهد الثقافي ولنا فيه تاريخ مشهود، حيث يمكن القول بلا خوف أو ظلم، إن بين من يطفون على السطح ويظهرون إنتاجهم في وسائل إعلام عديدة من لا يستحق هذا، ومنهم من نبت كتلك النباتات التي تدعم بهورمونات لا يخفى ضررها على من يتناول الثمرات الناتجة عنها، في الوقت الذي يبقى موهوبون كثيرين يبحثون عن نوافذ يطلون منها لفرد أشرعتهم في بحور الأدب أو الثقافة.
المزيد من الموضوعات
الخواطر الثلاثون …
أسامة حراكي يكتب: القراءة بين التأثر والتأثير
( 20 حكمة من #وسيط_اليوم ) …