أسامة حراكي يكتب: الأصدقاء الإفتراضيون
الذين غادروا حكاياتنا قبل إختراع الإنترنت انقطعت أخبارهم عنا نهائياً لأن يومها لم يكن العالم قرية صغيرة، ولم تكن أحرف الكيبورد بمثابة مفاتيح الدخول إلى منازلهم الإلكترونية، لهذا أضعناهم في الزمن الاخر، حيث كانت تفاصيل الحياة مختلفة تماماً.
واليوم البعض منا جرب أن يعيش حياته خارج الأجهزة الإلكترونية، وانغمس في تفاصيل حكاياته خارج أسوار الهواتف، وكتب مشاعره بعيداً عن الجدران الثلجية للتكنولوجيا، واكتشف أن الحياة خارج الأجهزة أجمل بكثير، ولكن لم يستطع الابتعاد عنها وعاد إلى صفوف مملكة التكنولوجيا.
الصداقة الحقيقية تدوم طويلاً لأنها مبنية على عشرة يتقاصمها شخصان وتجمعهما ذكريات، سواء أكان على مقاعد الدراسة أو في العمل أو الجيرة، وتتبلور بينهما قواسم مشتركة في الميول والأفكار والاهتمامات، وهذا ما يضفي على علاقة الصداقة قيمتها الحقيقية، التي تجعل من الصعب التخلي عنها.
الصداقة كلمة تحمل الكثير من المعاني، لكنها في جوهرها علاقة إنسانية تنتج عن تفاعل روحي وتقارب عقلاني ومشاعر محبة واحترام حقيقية متبادلة.
الإنسان في كل مكان وزمان بحاجة إلى صديق بحكم طبيعته التي تجعله يأنس بصحبة الآخر، وهذا على الرغم من التحولات التي قد يطرأ على مفهوم الصداقة والصديق، فنظرية “الجماعات الأولية” في علم الاجتماع، والتي يقصد بها الأفراد الذين تربطهم علاقات القرابة والجيرة والعمل والصداقة، تفترض أن تكون العلاقة الاجتماعية بينهم متوطده وعميقة وقوية، ومن هنا فإن وجودهم مهم للغاية لحياة اجتماعية سعيدة، ولهذا يتمنى البعض لو تستمر علاقات الصداقة والصديق التقليدي، لما لها من انعكاس إيجابي على الترابط المجتمعي.
لقد أصبحنا بحكم التكنولوجبا أمام مفهوم جديد للصداقة، يختلف عن ذلك الذي ألفناه طيلة حياتنا قبل عصر الانترنت، هو مفهوم الصداقة العابرة للمحيطات والقارات، مفهوم الصديق “الالكتروني” الذي لم نراه إلا عبر صورة، قد تكون حقيقية أو مزيفة، فالانتشار السريع للإنترنت ودخوله كل مجالات الحياة، غير من أنماط العلاقات الاجتماعية بشكل عام، ومن أنماط الصداقة بشكل خاص، تحت تأثيره الذي وسع دائرة الأصدقاء، فبات لكل منا مجموعته على الفيسبوك أو تويتر أو غيرها من وسائل التواصل.
البعض يرى أن على المدى البعيد ستتفوق صداقات الإنترنت على الصداقات التقليدية، وأننا في طريقنا إلى الاستغناء عن أصدقاء من “لحم ودم” على الرغم من أهميتهم، وبرغم أنه لن يعوضنا عن غيابهم أصدقاء “الكترونيين” فأصدقاء الإنترنت لم يدخلوا بيوتنا من أبوابها ولا نوافذها، دخلوها من أجهزتنا الالكترونية، فكلما تم اختراع وسيلة تواصل اجتماعي، إزداد عدد الأصدقاء على شاشات أجهزتنا، فأصدقاء فيس بوك وتويتر والواتساب وانستغرام… أصدقاء كل هذه الاختراعات لا يمسحون دموعنا، لا يحملون لنا باقات الورد في أفراحنا، لا يُحيطون عند المرض أسرتنا، ولا نتناول أدويتنا بأيديهم….
أصدقاء النت شاركونا دهشة الاختراعات ومتابعة الثورات، ودافعوا عنا إلكترونياً، وأحبونا إلكترونياً، وناقشونا إلكترونياً، وعبروا عن مشاعرهم تجاهنا بلايكات وكومنتات وتغريدات وبرودكاست، هم قريبون منا جداً ورائعون جداً، لكنهم لم ولن يعوضونا عن أصدقاء غادروا بيوتنا من أبوابها منذ زمن، رفاق لم تغطي وجوههم الأقنعة كما غطتها غبار الزمان.
إن الفجوة الإجتماعية التي حدثت بين الناس، والتباعد الناجم عن الانشغال بأمور الحياة، جعلا كثير منهم يلجؤون إلى الصديق الالكتروني، الذي يصعب الجزم بحقيقة هويته ودوافعه، وربما يصل الحال عند البعض إلى حد التعود على هؤلاء المعارف الالكترونيين، ليعيشوا معهم في عالم غير واقعي، منفصل عن المحيط الاجتماعي والنفسي الذي يرتبطون به.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…