وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: سهم الله

عمر الشريف يكتب: سهم الله

كان في صباه يملك ذاكرة حديدية، يحفظ أسماء زملائه في الصف الدراسي رباعية، وتواريخ ميلاد إخوته، وأرقام هواتف كل العائلة محشوّةً في عقله دون تداخل، وكل أسماء الوزراء في الحكومة.

في الصف الخامس الابتدائي أحب زميلة له، كان صباح الأطفال في ذاك الزمن ينقضي في المدرسة، وبقية النهار في الدروس ومجالس حفظ القرآن،
قالت له مرة: أنها بلغت حفظ أربع أجزاء، وكان هو يومها لم يحفظ سوا جزء عم وعلى مشارف إنهاء جزء تبارك، وكان وِرده من الحفظ صفحتان من القرآن كل يوم، ذهب للمسجد عصر ذاك اليوم وقال لشيخه: أُريد مضاعفة حفظي إلى أربع صفحات؛ وفي أقل من شهر حفظ عدة أجزاء، ثم التقى والبنت وأخذا يسمعان لبعضهما. كانت ذاكرته دقيقة جداً، حاسمة قوية الحجة والاستعانة بالقرآن.

اليوم يجد نفسه كثيراً ما يستخدم مفردات من قبيل “أوائل – أواسط – أواخر… عام كذا أو فصل كذا – حدث كذا أو شاهدت كذا…” ذهبت الدفة والعناية بتحديد الميقات، ذهبت رغماً عنه، ليس النسيان إنه شيء أقرب ما يكون لـ”التوهان” النسيان مغفور، غير أن “التوهان” قاسي ومؤلم!

ويعرف أن مرحلة ثالثة ستأتي لا محالة، تذهب فيها الأوائل والأواسط والأواخر، ويحل محلها “في زمنٍ ما – ذات حياةٍ – كان ياما كان..” لا على سبيل التشويق الأدبي، بل هو انقطاع الصلة بالزمن، أو انقطاع الثقة بالزمن.

حين تنقطع الصلة أو الثقة بالزمن، يكون قد اختلط علينا الواقعي بالرمزي، الذي يهجس بالذي يلمس، فنقول مثلاً: في زمنٍ ما رأينا صديقنا فلان يبكي، فيرد البعض: أبداً لم يطرف له جفن، فنقول: ولكننا رأيناه!
أو نقول: ذات حياةٍ ذابت شاهدنا فلان يسير في الطريق بمسبحةٍ حول رقبته، فيقولون: لم يخرج من بيته من زمن، فنقول: ولكننا رأيناه..!

يوم أن ينزل علينا سهمُ الله، ونتورط في الخلط، فالتمسوا لنا الاعذار.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp