وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

النساء «المُعلقات» بين عسف المجتمع وعجز القانون

تقرير / آمنة الدبش

تدفع النساء المُعلقات ثمناً باهظاً للذكورية والقوانين الرجعية، في إعلاء شأنهن وانصافهن على عتبات القهر الاجتماعي والصراع الفكري والقانوني الذي تجلى في تهميش قضاياهن ومعاناتهن وتحجيم إرادتهن في المحاكم وسلب حقوقهن وحرياتهن.

فالسياسة التشريعية التي يتبعها القانون الفلسطيني غير منصفة للنساء المعلقات، ومازال هذا الإجراء القانوني والقضائي عاجزاً عن تمكينها من نيل حقها ويتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي يدعو لتمكين المرأة.

وأشارت إحصائية المجلس الاعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة لعام 2018 إلى أن ارتفاعاً ملحوظاً في قضايا التفريق، بلغ عددها1280 حالة موزعين وفق التالي، 109 حالات تفريق لعدم الإنفاق، 211 تفريقا للهجر والتعليق، 811 تفريقا للنزاع والشقاق، 129 تفريقا للغيبة والضرر، و20 تفريقا لأسباب أخرى، وتتصدر أكثر الدعاوى شيوعاً في المحاكم الشرعية التفريق للنزاع والشقاق، كونها الدعوى الوحيدة التي تشمل في طياتها وجود عنف جسدي ونزاعات وخلافات وعنف لفظي واعتداء.

في دهاليز المحاكم

تتخبط (شيماء.ح) 35 عاماً في دهاليز المحاكم، ولم تتوقع أن تصدمها الحياة، هي وأبنتها بواقع مأساوي أليم مع زوجها، الذي اكتشفت خيانته المستمرة ونزواته.

تحملت لسنوات لكن ما وجدته هو الإهانة والتقليل من شأنها فكان مصيرها الشارع، لم تنته معاناتها بعودتها إلى غزة هي وابنتها مكسورة الخاطر، بل عاشت فصولاً أخرى من المعاناة، في أروقة المحاكم لرفعها قضية تفريق للغياب والضرر، هذا ما قالته شيماء.
وأضافت: خمس سنوات وهي تتنقل من محكمة إلى أخرى، ومن تأجيل لآخر وسط مماطلات بحجج مختلفة لنيل حقوقها وحريتها، الأمر الذي جعلها تطالب بتطبيق قانون الخلع أو تعديل القوانين الموجودة التي ترى أنها غير منصفة للنساء.

وأشارت السيدة (ف.م) 34 عاماً إلى أن زوجها سرق منها أحلام عمرها، قائلة «كم هي قاسية تلك اليد التي تصفع دون حساب زوجة أرادت من وراء زواجها السترة والرضى، منذ سنوات طويلة وأنا أتحمل الإهانات والضرب والإذلال النفسي أمام أولادي، وإدمان زوجي للمخدرات مما جعل حياتنا الزوجية جحيماً لا يطاق، وهو ما دفعني لطلب الطلاق، الذي رفض زوجي تطليقي وابقائي معلقة على مدار أربع سنوات عند أهلي بدون معيل غير والدي الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب.

وأوضحت أنها قامت برفع دعوى تفريق «هجر وتعليق»، فبعد معاناة دامت سنوات في المحاكم استمرت ثلاث سنوات حصلت على الطلاق بدفع النفقة لأولاده، لكنه يماطل ويمتنع عن الدفع، مفضلاً الحبس عن دفع النفقة، بذلك أنهت حديثها قائلة «شعور المرأة المعلقة هو شعور السجينة، يقيّد حريتها قانون لا يحميها، عليها انتظار مواعيد جلسات المحكمة».

معلقات بإرادتهن

نساء يفضلن البقاء مع أزواجهن رغم هجرهن والخلافات بينهم بسبب خوفهن من المجتمع وربما يضحيّن بسعادتهن من أجل رعاية أبنائهن، فيما نساء أخريات يوصفن بالمعلقات يمضين عدة سنوات من عمرهن بانتظار قرار المحاكم، ما انعكس سلباً على حياتهن الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وبعضهن يعانين من اضطرابات نفسية وسيكولوجية تدفع نحو التفكك الأسري والمجتمعي جراء الخلافات بين الزوجين، وفي بعض الأحيان يصل نفور أهلهن من بناتهن المعلقات.

وقالت المحامية سعاد المنشي من العيادة القانونية في الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، «لعبنا دوراً هاماً وفاعلاً بتفعيل منظومة العون القانوني (المشورة القانونية، المساعدة القضائية المجانية) في قضايا التفريق وصولاً للعدالة وإنصاف النساء المعلقات في قضاياهن بالمحاكم لنيل حقوقهن المهدورة».

وأشارت المنشي إلى أن عدد من النساء ليس لديهن معرفة بقانون الأحوال الشخصية، وحققنا من خلال العيادة القانونية نجاحات للوصول للفئات المهمشة من النساء المعلقات المغيبات عن حقهن بالحياة في المناطق النائية والعشائرية لتعريفهن بحقوقهن القانونية والشرعية، فأصبحن أكثر جرأة عما سبق.

مماطلات المحاكم

وأوضحت المحامية الشرعية سالي الزاملي أن تباطؤاً في قضايا النساء المعلقات (قضايا التفريق) بالمحاكم، يرجع لقلة عدد القضاة مقارنة بأعداد القضايا المرفوعة، مضيفة: «ينعكس هذا على المرأة، كون القانون لا يعدها معلقة إلا من تاريخ رفع القضية على زوجها، إلى جانب مماطلة المحاكم وعدم إصدار حكم لصالح المرأة لدفعها للتنازل عن حقها».

وطالبت الزاملي بالعمل على تطوير قانون الأحوال الشخصية بما يتناسب مع تطور المجتمع ويلبي احتياجاته، وتفعيل صندوق النفقة، وإعداد قانون للذمة المالية للمرأة، والتسريع في انجاز قضايا النساء المعلقات وحصولهن على مخصصات الشئون الاجتماعية والعمل على تمكينهن اقتصادياً من خلال توفير مشاريع خاصة لهن، ورفع سن حضانة المرأة المطلقة لأبنائها إلى 15 عاماً.

ومن جهته، أكد المستشار القانوني والمحكم الدكتور نبهان أبو جاموس أن السلطة القضائية تعاني من تداعيات الانقسام الفلسطيني الذي يعرقل عمل المجلس التشريعي، ويفقد النقابات دورها الطليعي في الدفاع عن حقوق المواطنين.

ونوه إلى أن القوانين الفلسطينية الشرعية تتسم بصعوبة «الإثبات» عبر فرض إجراءات وشروط تعقيدية على النساء المعلقات لكسب الدعوى، ومنها الاشتراط على الزوجة في دعوى التفريق للنزاع والشقاق تقديم بيانات حول قيام الزوج بسوء معاملتها وضربها عبر تقديم تقرير طبي صادر من مشفى رسمي، ما يصعب إثباته.

«العمر مش بـعزقة»

وأطلقت مراكز البرامج النسائية والمؤسسات النسوية والاتحادات والجمعيات عدة حملات بأماكن متفرقة في قطاع غزة تحت عنوان «لا تتركوها معلقة، العمر مش بعزقة» لدعم النساء المعلقات ومناهضة إجراءات المحاكم، والضغط لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وتسليط الضوء على معاناة المرأة في المجتمع الفلسطيني ونقل قضاياهن للمجتمع والمسؤولين والرأي العام، لوضع حلول وإصلاح للقوانين بما يخدم النساء والمجتمع.

قضية النساء المعلقات من القضايا المحورية التي يجب تصدرها في الإعلام حتى لا تبقى رهينة قوانين وتشريعات بحاجة لتعديل، وتجاذبات سياسية في ظل الانقسام الداخلي الذي ألقى بظلاله علي أوضاع المحاكم الفلسطينية وانعكس على المرأة الفلسطينية

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp