بقلم /محمد مطاوع لو فتحت أي أطلس كانت توزعه وزارة المعارف قبل عام 1942، ستجد أن الحدود الغربية لمصر لم تكن خطًا مستقيمًا يهبط من الشمال إلى الجنوب كما هو الحال حاليًا، بل كان هناك مثلث ضخم داخل ما يعرف حاليًا بليبيا يتبع مصر. وكان اسم ليبيا في أطلس وزارة المعارف وفي الصحف المصرية هو “لوبيا”! فماذا حدث؟ ولماذا تغيرت الحدود على هذا النحو؟ أعطى الانجليز هذه الأراضي المصرية لليبيا لأن الموجود على عرش مصر أيامها كان مجرد صبي ضعيف الشخصية، هو فاروق. الأمر الثاني هو أن هذا الأمر كان عقابًا لفاروق على موقفه المداهن لإيطاليا الفاشية وألمانيا النازية (على طريقة “عدو عدوي فهو صديقي” الساذجة، غير عارف بما سوف يفعله الألمان والطليان بمصر لو دخلوها، وهو شر أفدح بكثير من الاحتلال الإنجليزي). الأمر الثالث، وهو غريب، هو أن الإنجليز أعطوا واحة جغبوب الغنية بالبترول لليبيا الفقيرة. عمومًا، فقد سبق أن وعدوا اليهود بأرض لا يمتلكونها- هي فلسطين- لتكون وطنًا قوميًا لهم. هذا الكرم من جيب الغير ليس غريبًا على الانجليز! عندما يقول الرئيس السيسي إن سرت والجفرة خط أحمر، فهو لا يبالغ، فهذه المناطق كانت بالفعل خطوطًا أمامية لمصر، وليست خطوطًا بعيدة جدًا عنها كما تبدو اليوم على الخريطة. وهناك ما يسمى بالحدود الطبيعية والحدود الصناعية: فالحدود الطبيعية هي العوائق التي تمنع الآخرين من دخول البلاد، كبحار وصحار وجبال وأنهار وغيرها، أما الحدود الصناعية فهي مجرد خط وهمي يرسمه أحدهم- كما فعل تشرشل مع إمارة شرق الأردن- على خريطة، ثم يقول للناس إنها حدود دولة! ثم ما الذي تفعله تركيا في ليبيا؟ تصور لو أن لتركيا مشكلة في بلد مجاور، ثم وجدت قوات مصرية تدعم حكومة صورية مناوئة لها في ذلك البلد، فكيف تصف هذا الوجود المصري؟ ثم أليس غريبًا أن القوات التركية موجودة دائمًا في الجانب المعادي لمصر، سواءً كان ذلك في قطر- حليفة تنظيم الاخوان- أو ما يسمى حكومة الوفاق الليبية التي لا تستطيع أن تفرض سيطرتها على ضواحي المدينة التي تتخذها مقرًا لها؟! الجدير بالملاحظة أن وتيرة الأحداث تتسارع في ليبيا بما يجعل تدخل الجيش المصري حتميًا هناك، وهو الجيش المنخرط في حرب أخرى هي الحرب ضد الإرهاب في سيناء. وعلى ذلك، فهناك جهة ما تريد أن تضمن الإمساك بالجيش من ذراعيه: واحد في سيناء والثاني في ليبيا تمهيدًا لتوجيه ضربة قاضية له أو لنظام الحكم أو لقلب مصر Egypt proper. ويتزامن كل ذلك مع ضغط إثيوبيا على مصر في مسألة المياه- التي تحتل أولوية أعلى من ليبيا على سلم اهتمامات الرأي العام في مصر نظرًا لخطورة مسألة المياه. هذا الوضع الخطر يحيلنا إلى ما قاله البروفسور ميرشايمر عن غزو أفغانستان بعد هجمات سبتمبر 2001. كتب ميرشايمر- الذي يوصف بأستاذ الواقعية الباردة- مقالًا أكاديميًا لقي صدى واسعًا في دوائر البنتاجون والمخابرات الأمريكية عن عدم جدوى تدخل الجيش الأمريكي ضد عصابات مسلحة في أفغانستان، قائلًا بأن الجيوش النظامية ليست معدة لحروب غير نظامية، لأنها- ببساطة- ثقيلة في معداتها، بطيئة في حركتها، وغير مدربة على التعامل مع أهداف سريعة الحركة كعناصر مسلحة تضرب هنا وهناك ممارسة الكر والفر. فرغم انتصار الجيش الأمريكي في معظم معاركه في ڤيتنام، فقد خسر الحرب. ورغم أن الجيش السوڤيتي انتصر في 97% على الأقل من معاركه في أفغانستان، فقد خسر الحرب هناك. وخسارة الحرب في هذا السياق هي عدم تحقيق الهدف الاستراتيچي الذي تدخل الجيش بسببه في البلد المستهدف. من أجل حل هذه المشكلة، كان لدى ميرشايمر حل يقضي بتدخل قوات الشرطة وقوات خاصة، على أن تكون هناك حماية جوية. وهو بالضبط ما فعله مبارك في حربه ضد الإرهاب في الصعيد في التسعينيات: نحى الجيش جانبًا، واستخدم قوات خاصة وقوات الشرطة وغطاءً جويًا لتطهير جنوب مصر من الجماعات الإرهابية. بذلك لم يورط مبارك الجيش في حرب هو ليس مستعدًا لها، وأدخل عناصر يمكنها التحرك بسرعة وسط المدنيين، وضرب عصابات الإرهاب في مقتل. إلى ذلك، فهناك قوى دولية تقف مع مصر شكليًا، كالولايات المتحدة، وقوى أخرى تقف معها فعلًا، لكنها مكبلة، ولا تستطيع التدخل أكثر من ذلك في المنطقة، مثل روسيا، فروسيا تفضل التركيز على سوريا ولا تستطيع تشتيت انتباهها بما يجري في ليبيا حاليًا. أما الولايات المتحدة فهي مع تركيا في ليبيا منعًا لامتداد النفوذ الروسي أكثر من ذلك في المنطقة، وبالتالي فهي تعطي الجانب المصري من طرف اللسان حلاوة، لكنها مع الجانب التركي قلبًا وقالبًا! واتضح ذلك على مدى الأشهر المنصرمة، فبدلًا من إعادة القوات الأمريكية في ألمانيا إلى الولايات المتحدة، أخذت هذه القوات مواقعها في إسبانيا وإيطاليا، ناهيك عن تعزيز القواعد الأمريكية هناك بأسلحة غير تقليدية، وكل ذلك حدث في فترة وجيزة، وهو ما يشي بأن هناك شيئًا يدور خلف الستار، مع ترك آخرين يأخذون الخطوات الافتتاحية له! فالخطوط في ليبيا طويلة، ومكشوفة، والصحراء قاسية لا ترحم. وهناك جيش تعذر الإمساك به على أيدي بعض العصابات المسلحة في سيناء، ويريد البعض الإحاطة به في جهة أخرى، تمهيدًا لضربه في مقتل، أو- على الأقل- لإدخاله في حرب استنزاف طويلة من أجل حكومة لو تركتها تركيا لحال سبيلها فلن تصمد يومًا واحدًا! وقد أحسنت الدبلوماسية المصرية بالتوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا يقضي بعدم ملء البحيرة الموجودة أمام السد الإثيوبي إلا بموافقة الأطراف الثلاثة ذات المصلحة في نهر النيل (مصر والسودان وإثيوبيا).. فهذا الاتفاق يفك الضغط قليلًا عن مصر. والمتوقع أن تزيد الهجمات الإرهابية في سيناء على نحو كبير مع تدخل الجيش المصري في ليبيا في الفترة القادمة.. وهو ما يستدعي تفرغ الأخير لليبيا مع الأخذ بما قاله ميرشايمر، ونفذه مبارك قبله: نشر قوات شرطة والضرب بقوات خاصة مع غطاء جوي. الجيش المصري هو a very strong asset.. ولا يجب التفريط فيه أبدًا، لأن البديل خطير، وخطير جدًا!
المزيد من الموضوعات
اجتمع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، مع السيد محمد صلاح الدين وزير الدولة للإنتاج الحربي
أجرى الرئيس السيسي، اليوم، زيارة تفقدية إلى مقر أكاديمية الشرطة، حيث كان فى استقبال سيادته اللواء محمود توفيق وزير الداخلية
رئيس هيئة قناة السويس يعلن عن “وصول الوحدات البحرية الخاصة بأسطول شركة آنتي بوليوشن إيجيبت”…