في القاعدة الأمريكية العسكرية تلاحظ سلوك الكلاب البوليسية: فهي حيوانات غالية يتجاوز سعر الواحد منها ربع مليون دولار، وعصبية بسبب تدريبها على شم المخدرات والمتفجرات، وبالتالي فحياتها قصيرة، ويجري استبدالها كل مدة. تقوم هذه الكلاب بشم السيارات والباصات القادمة إلى القاعدة العسكرية، وذلك فيما يمسك جنود آخرون أجهزة ذات مرايا للكشف عن أسفل المركبات. لكن كيف يتم تشغيل مثل هذه الكلاب العصبية؟ صرح ذات مرة مدربي هذه الكلاب، اتضح أنها تعتقد أنها “تلعب”! فلو أنها اعتقدت أنها تعمل فستتوقف فورًا وتنبح وترفض التكملة، لأن المسألة بالنسبة لها ستكون أمرًا مفروضًا عليها، يحمل طابع الرتابة والإملال والتسلط. لكن هذه الكلاب تعمل طوال الوقت وهي تعتقد أنها تلعب! إذن فنحن أمام نظرة تقول: إذا أردت أن تجعل شخصًا يحب عملًا، فأقنعه أنه يلعب، ولذلك ستجده يقوم به بشغف الأطفال في لعبهم، فالطفل عندما يلعب لا “يكروت” أو يعمل بشكل فوضوي، بل يعطي اللعب حقه، لأنه يشعر أنه يمارس شيئًا يحبه، لا شيئًا مفروضًا عليه. ولو نظرت إلى أي فيلم في هوليود- من تلك الأفلام التي تكلف 60 مليون دولار في المتوسط وتقوم على الإبهار والخدع البصرية- ستجد أن الفنيين- حرفيًا- “يلعبون”، فهناك جو مرح في الاستديو، ومدد من الطعام والشراب لا ينقطع عن المكان، لأن ما يقومون به معقد، ويستدعي أقصى درجات التركيز، وبالتالي فلا بد أن “يلعبوا” جيدًا! النتيجة تراها في إيرادات هذه الأفلام: إذ حطمت أفلام كثيرة الأرقام القياسية بسبب المجهود الذي بُذل فيها. نجد في بعض المدارس، فالمعلمة تقف أمام التلاميذ الصغار وترفع صوتها عليهم حتى ينتبهوا، وتشرح لهم أهمية فهمهم للحساب أو اللغة الإنجليزية أو غيرها من المواد الدراسية، وبالتالي فقد ضمنت الشعور بالرهبة مقدمًا، وعجزًا عن التواصل في كثير من الأحيان، وإحساسًا من البداية بأن هناك أمرًا غير مريح سوف يجري. لو أن المسألة عبارة عن “لعب” ومحاولة انخراط في مغامرة جديدة، فسيختلف الأمر كليًا. واللعب هنا ليس فرديًا، بل هو جماعي، فالجميع يلعبون، ويشاركون، ويتواصلون، وبالتالي يتم زرع فكرة “التواصل الجماعي” بدلًا من الانزواء الفردي من سنة مبكرة في الغرب. إلى ذلك، فهناك مسألة هامة يحتويها اللعب، هي المكافأة. فلا يمكن أن يشارك المرء الطبيعي في لعبة يعلم مقدمًا أنه خاسر فيها، ولا أن يشارك في اللعب مع شخص يشعر بكراهيته، أو- على الأقل- بانعدام الألفة معه. ولذلك ستجد أن رأي الطلاب في معلميهم (في المدرسة) وأساتذتهم (في الجامعة) مهم لاستمرار هؤلاء في وظائفهم. وستجد أن أساتذة اللغات الأجنبية والمواد الصعبة يتعمدون وضع درجات إضافية لطلابهم حتى يحب هؤلاء المواد التي يدرسونها، فطالما أثبت الطالب أنه منضبط ويريد المشاركة في الفصل، فلماذا لا يحصل على درجات أعلى؟ بهذا يضمنون أنه سيحب المادة لأنه حصل فيها على درجة جيدة، أو تقدير عالٍ، أما لو حصل على درجة منخفضة، فهذا كفيل بصده وعدم تكملته في هذا المجال. مرة قال العالم النفسي سيجموند فرويد إنه يكره العمل ويفضل الكسل. وفرويد ألف كتبًا وأجرى أبحاثًا كثيرة، ومع ذلك فقد كان يرى نفسه كسولًا. أعتقد أنه لم يكن يستطيع أن يفعل ما فعل إلا باعتقاده أنه كان يمارس هواية أو حتى يلعب!
المزيد من الموضوعات
الجولة الأولى للمشاورات السياسية بين مصر وجنوب أفريقيا بالقاهرة…
مجلس الوزراء يوافق خلال إجتماعة اليوم برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي علي قرارات …
استقبل الرئيس السيسي اليوم وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي بجنوب أفريقيا “رونالد لامولا”