وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

التحديات التي تواجه التعليم عن بعد للأطفال ذوي اضطراب التوحد في ظل جائحة فيروس كورونا “

التحديات التي تواجه التعليم عن بعد للأطفال ذوي اضطراب التوحد في ظل جائحة فيروس كورونا “

بقلم أ.د/ محمد كمال ابوالفتوح
أستاذ الصحة النفسية
كلية التربية – جامعة بنها
أدى ظهور فيروس كورونا المستجد COVID-19 إلى تعرض كافة فئات المجتمعات لتغيرات غير مسبوقة في طبيعة حياتهم، طالت هذه التغيرات أيضًا مراكز ومدارس الأشخاص ذوي الإعاقة باختلاف أنواعهم وفئاتهم ومنهم فئة ذوي اضطراب التوحد، وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضت لها الأسر نتيجة التحول إلى التعليم الإلكتروني، إلا أن الضغوط التي عاشتها ومازالت تعيشها أسر هؤلاء الأطفال كانت ومازالت الأصعب والأشد قسوة، فالمدرسة بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب التوحد ليست فقط للخدمات الأكاديمية والتي يمكن تعويضها في المنزل ومن خلال التعامل مع المنصات الإلكترونية التعليمية التي وفرتها معظم دول العالم بما فيها مصر للتلاميذ في كافة المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى الجامعة، فذوو اضطراب التوحد بحاجة إلى تدخلات علاجية مختلفة، منها علاج للنطق واللغة وعلاج وظيفي وعلاج سلوكي وتربية خاصة وعلاجات أخرى عديدة مساندة، كل تلك الاحتياجات – والتي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لذوي اضطراب التوحد – شكلت عواصف قوية من التحديات التي تواجهها هذه الأســـر، ومن أول وأهم التحديات التي واجهها أولياء أمور ذوي اضطراب التوحد هو تغيير الروتين، فالأطفال ذوو اضطراب التوحد يعانون صعوبة لتقبل تغيير الروتين، حيث كان التغيير مفاجئًا لهم حينما توقف الذهاب إلى المدرسة أو إلى المركز المقدم للرعاية، ولم يكن ذلك التغيير مبرراً بالنسبة لهم خاصة أنه لم يكن بمقدور ذويهم التوضيح لهم أو إفادتهم بموعد العودة للمدرسة، لم يمكن التحدي فقط هو عدم الذهاب إلى المدرسة، بل شمل أيضًا عدم السماح لهم بالخروج من المنزل والسير على الأقدام في كثير من الأوقات، كما واجه أولياء أمور هؤلاء الأطفال تحديًا آخر وهو كيفية التعامل مع ما يعانيه معظمهم من ضعف وقصور في مهارات الأداء التنفيذي والمتمثلة في الاتزان الانفعالي، المرونة، تحمل الإجهاد، المثابرة الموجهة نحو الهدف، التخطيط، تحديد الأوليات، الذاكرة العاملة، بدء المهام وإدارة الوقت، … الخ. وبالإضافة إلى ما سبق، تعد المشكلات السلوكية لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد من أكثر القضايا والتحديات الضاغطة التي واجهت أولياء الأمور خلال فترة غيابهم عن المدرسة ومكوثهم في المنزل، وبناء على ذلك، عاش أولياء أمور الأطفال ذوي اضطراب التوحد ثلاثة تحديات رئيسة على الأقل فرضتها عليهم جائحة فيروس كورونا المستجد – وبدون استعداد مسبق – فكيف يمكن للأسر في المنزل التعامل مع هذه التحديات؟ وكيف يمكن للتعليم عن بعد أن يتعامل مع هذه المجالات التي يحتاجها الأطفال ذوي اضطراب التوحد والتي لا يمكن تقديمها بمعزل عن المدرسة أو المركز المتخصص. من المؤكد أن ذوي اضطراب التوحد وأسرهم في ظل التعليم عن بعد بإيجابياته وسلبياته يعانون من ضغوط هائلة ووجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهتها بمفردهم، ولا شك أن هذه الضغوط قد تعاظمت لديهم في ظل القناعة التامة بأن كل طفل ذي اضطراب التوحد بحاجة ماسة للتدخل الفردي المخصص له في ضوء طبيعته وقدراته، وهذا يقودنا للتأكيد على أن المعلومات التي سوف تقدمها المدرسة أو بصورة أحرى المتخصصون بها عن بعد لهؤلاء الأطفال أو لأسرهم لا يمكن تلقيها وتطبيقها بسهولة، فإذا كان هذا مصير التعليم عن بعد، فما مصير العلاج عن بعد Teletherapy في ظل تفرد كل طفل بحاجاته العلاجية التي تخصه. ومع تصاعد حدة انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19 ومع غموض الرؤية حول إمكانية توفر اللقاح المناسب له، يبدو أن التعليم عن بعد سيظل هو الواقع لفترة زمنية قد تطول نوعاً ما، وعليه فهناك مجموعة من الاستراتيجيات التي ينبغي على أولياء الأمور إتباعها في المنزل مع أبنائهم ذوي اضطراب التوحد. حيث تتميز هذه الاستراتيجيات المقترحة بأنها تلبي الاحتياجات الفردية لهؤلاء الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تقوم على مجموعة من المواد والتجهيزات السهلة والبسيطة والتي تستطيع كافة الأسر توفيرها بسهولة، وينبغي في البداية أن يقوم الوالدين بإتباع استراتيجية واحدة أو أثنيتن من هذه الاستراتيجيات، ومن ثم يمكن إضافة استراتيجيات أخرى مع كل تقدم يحققه الطفل ذي اضطراب التوحد وفق قدراته الفردية، من المهم جداً عدم إرهاق الطفل وألًا نكون مصدرًا للتوتر له باستخدام استراتيجيات عديدة في آن واحد. من المؤكد أن الأطفال ذوي اضطراب التوحد سوف يكون لديهم مستويات متفاوتة من الفهم حول فيروس كورونا من حيث طبيعته وكيفية انتشاره وكيفية الوقاية من الإصابة به، وهنا ينبغي على الوالدين وصف هذا الفيروس باستخدام لغة سهلة وبسيطة وبمصطلحات محددة، من المهم أيضًأ تجنب الصياغات المجردة، فمثلاً نقول لهم “هذا الفيروس عبارة عن جراثيم تعيش في الهواء، هي جراثيم صغيرة جدا، ولكنها قد تدخل إلى جسمك بسرعة من فمك أو أنفك، سوف تصبح بسببها مريضاً، وسوف تعيش بمفردك في الغرفة” وكذلك من الممكن أن نستخدم العبارة التالية “اغسل يدك جيدا لكي يموت فيروس كورونا” أو “انتبه من ملامسة الأسطح في الشارع، عليها جراثيم قد تصيبك وتمرض بسببها”، من المهم أيضًا استخدام القصص الاجتماعية المصورة في هذه المرحلة، فكثير من الأطفال ذوي اضطراب التوحد يواجهون صعوبة في فهم اللغة الاستيعابية، وبالتالي ستكون القصة الاجتماعية هنا مفيدة للغاية، ويجب هنا مراعاة مكونات القصة الاجتماعية التي سوف نستخدمها في شرح فيروس كورونا لهؤلاء الأطفال، من حيث احتوائها على مقدمة ومتن ونهاية، ويجب أن تعكس في محتواها كاملاً ما يتعلق بفيروس كورونا. ويجب أن تتضمن القصة المستخدمة جُملاً وصفية وأخرى تصويرية. ومن المتوقع أيضًا أن نلاحظ على الطفل ذي اضطراب التوحد نوبات زائدة من الغضب وصعوبة واضحة في التعبير عن المشاعر، بالإضافة إلى ذلك، يُمكن ملاحظة مظاهر الخوف والإحباط والقلق ورفض المشاركة في الأنشطة العائلية أو الانسحاب التام منها، وهنا ينبغي على الوالدين الانتباه إلى أن كثير من هذه السلوكيات -التي من المحتمل ظهورها على طفلهم ذي اضطراب التوحد- ما هي إلا تعبيرًا عن ضعف قدرته على التواصل التعبيري اللفظي، وينبغي هنا على الوالدين اللجوء لمعلم الطفل في المدرسة وسؤاله عن الاستراتيجيات التي يتبعها المعلم في الفصل مع الطفل. وعلى العموم، على الوالدين استخدام الصور في مواقف تعاملهم مع هذا الطفل أثناء بقائه في المنزل لتيسير عملية التواصل معه، فيمكن للوالدين الاستعانة بالعديد من الصور (الطعام، الألعاب، الحلويات، الملابس، …الخ) وتدريبه على طلب الأشياء من خلالها، كما أنه من الهام للغاية تخصيص جدول يومي للطفل بأزمنة محددة وهو ما يمكن تسميتة بــ “هيكلة اليوم”، فلا يجوز ترك الطفل هكذا بدون تنظيم دقيق لكافة مواعيده، النوم والطعام واللعب …الخ، ذلك لأن تغيير الروتين اليومي للطفل ذي اضطراب التوحد يسبب له الارتباك وضعف القدرة على التنبؤ بالمطلوب منه، وحبذا أن يكون هذا الجدول اليومي مصورًأ لجميع المواقف التي سوف يتبعها الطفل أو المهام التي سيقوم بها أثناء تواجده في المنزل، هذا الأمر من شأنه أن يحد كثيرًا من السلوكيات المضطربة التي قد يظهرها الطفل ذي اضطراب التوحد أثناء فترة بقائة في المنزل، فالأطفال ذوو اضطراب التوحد يميلون عادة إلى الروتين اليومي المنتظم. وليس مطلوب من الوالدين أن يكون الجدول ذو تصميم عالي أو مثالي، وليس من المهم أن يكون مصمماً بشكل متميز أو فاخر، المهم أن يكون للطفل جدول مصور له طوال فترة الحجر المنزلي، هذا الجدول من الممكن تثبيته على الحائط في غرفة الطفل، أو على طاولة يعتاد الطفل الجلوس عليها. وإذا كان الطفل ذي اضطراب التوحد يشارك في التعليم عن بعد، فيجب على الوالدين تخصيص مكان في المنزل خاص جدا لذلك، حيث أن وجود بيئة منزلية مهيأة للتعلم عن بعد من شأنها أن تعزز من فرص الاستفادة للطفل، وهنا ينبغي على الوالدين أن يضعوا في اعتبارهم الترتيب البيئي، فمثلًا يمكن تجهيز ركن هادئ في المنزل وتسميته “المدرسة” يحوي مكتب للطفل ومقعد وجهاز كمبيوتر وخالي من مشتتات الانتباه، كذلك من المهم أيضًا أن نضع في هذا المكان حقيبة الطفل التي اعتاد الذهاب بها إلى المدرسة وبها كافة أدواته المدرسية، كما أنه من المهم للغاية تدريب الطفل على تأدية واجباته المدرسية في هذا المكان فقط ولا ينبغي تغييره مطلقاً، فكما ذكرنا سابقًا، الروتين اليومي للطفل ذي اضطراب التوحد أمر مهم للغاية، هذا الأمر يمكن تعميمه على كافة مناحي الحياة بالنسبة للطفل ذي اضطراب التوحد، مكان مخصص للتعليم عن بعد، آخر للعب مجهز بألعاب حسية متنوعة، آخر لتناول الطعام، … الخ. ويعتبر التعزيز من أهم الإجراءات التي ينبغي أن يتسلح به كل ولي أمر لديه طفل ذي اضطراب التوحد، فهو الإجراء الذي يؤدي فيه حدوث السلوك إلى تلقي توابع ايجابية أو إلى إزالة توابع سلبية على أن يترتب على هذه التوابع زيادة احتمال حدوث ذلك السلوك في المستقبل في المواقف المماثلة، ولا يقتصر تأثير التعزيز على زيادة احتمالات تكرار السلوك في المستقبل فقط، بل له أثر إيجابي من الناحية النفسية أيضاً، وهنا على الوالدين تحديد قائمة المعززات التي يرغبها الطفل بصورة دقيقة، وعليهم استخدامها في المواقف التي يظهر فيها الطفل سلوكًا مزعجاً، وكذلك في المواقف التي تريد من خلالها تعزيز دافعيته للقيام بشيء ما، فمن المحتمل أن نلاحظ رفض من قبل الطفل للقيام بواجبه المنزلي أو بالجلوس أمام جهاز الكمبيوتر لتلقي حصة تعليمية عن بعد، هنا يأتي دور المعزز لزيادة دافعية الطفل، ولاستخدام المعزز بصورة صحيحة في المنزل على الوالدين تدريب الطفل على القيام بالمهمة المطلوبة منه في زمن محدد وتحديد المعزز الذي سوف يحصل عليه، مثلاً يمكن استخدام المنبه وتدريب الطفل على القيام بالواجب المنزلي وسوف يتاح له اللعب باللعبة التي يفضلها مع دق جرس المنبه، كما يمكن تقديم المعزز له بعد كل حصة للتعليم عن بعد.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp