وائل خالد
أدرجت الخارجية الأميركية مساء 14 كانون الثاني (يناير) 2021، حركة
“حسم” الإخوانية، وتنظيم “أنصار بيت المقدس” (ولاية سيناء)، رسمياً
على قوائم التنظيمات الإرهابية، وفقاً للقسم 219 من قانون الهجرة والجنسية.
وتوحي حقيقة القرار الأخيرة للخارجية الأميركية ظاهرياً بمحاصرة الإرهاب ودعم
مساعي الدولة المصرية في مواجهة الجماعات المتطرفة.
لكن وفقاً لقراءة واقع متغيرات السياسية الدولية الآنية، فإن قرار الخارجية الأميركية لا
علاقة له تماماً بمكافحة الإرهاب أو مواجهة الجماعات التكفيرية المسلحة، إذ إنه قرار
سياسي يخدم مصالح الإدارة الأميركية في المقام الأول في ظل المتغيرات السياسية
التي تشهدها المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، إذ يجري توظيفه ورقة ضغط يتم
التلويح بها لفرض عقوبات على تركيا، من أجل فض شراكتها مع إيران التي يتم عزلها
ومحاصرتها تمهيداً لإخضاعها لشروط الجانب الأميركي في ما يخص تقليص برنامجها النووي.
منح القرار الأميركي جماعة “الإخوان المسلمين”، بشكل غير مباشر، سلطة البقاء،
والتمدد الفكري والتنظيمي في المنطقة العربية وفي العمق الأوروبي، إذ إنه فصل
فكرياً وتنظيمياً وعملياً بين جماعة الإخوان وجناحها المسلح، المتمثل في حركة “حسم”،
وحركة “لواء الثورة”، مبرّئاً إياها من المنهجية التكفيرية المسلحة، وكأنها رمز للإسلام
الوسطي المعتدل.
جاء قرار الخارجية الأميركية مدفوعاً بالحفاظ على المصالح الإخوانية ومشروعها
التوسعي في الشرق الأوسط، (وليس العكس كما يظن البعض)، كون الجماعة حليفاً
وشريكاً استراتيجياً ينفذ توجهات الأجندة الأميركية وإدارتها، ومن ثم قدم للجماعة
والقائمين عليها خدمة جليلة تمثلت في غسل سمعتها، والهروب من وصمة الإرهاب
والتكفير وجرائم العمل المسلح التي لحقت بها على مدار السنوات الماضية.
ثمة أسئلة مهمة حول قرار الخارجية الأميركية في ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، لماذا
تأخر قرارها تصنيف جماعة “أنصار بيت المقدس” على قوائم الإرهاب 10 سنوات كاملة؟
إذ تأسست عام 2011، ثم بايعت تنظيم “داعش” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014،
لتتحول إلى تنظيم “ولاية سيناء”، ونفذت المئات من العمليات المسلحة ضد قوات
الجيش والشرطة والمدنيين، سواء في الداخل السيناوي أم في العمق القاهري، ولماذا
اختارت هذا التوقيت من دون إيجاد سبب واضح في ظل نجاح الأمن المصري في تفكيك
البينة التنظيمية لتلك الجماعة وخلاياها، وتجفيف تمويلاتها ووقف دعمها لوجستياً،
والقضاء عليها بنسبة لا تقل عن 95% تقريباً داخل القطري المصري؟
وإذا كانت الإدارة الأميركية ترغب فعلياً في محاصرة الإرهاب والجماعات التكفيرية
المسلحة، فلماذا لم تضع جماعة الإخوان المصرية (الأم) ومؤسساتها على قوائم
الإرهاب؟ ولماذا لم تدرج قيادات مكتب الإرشاد، أو قيادات مكتب الإخوان في لندن
(التنظيم الدولي)، أو قيادات مكتب الإخوان الهاربين في تركيا على قوائمها لمكافحة
التطرف؟ برغم إدانتهم قضائياً من الدولة المصرية، فضلاً عن وضعها على قائمة الكيانات
الإرهابية التي أصدرتها دول الرباعي العربي في تشرين الثاني 2017.
ولماذا تتيح الولايات المتحدة للمؤسسات الإخوانية الحضور على أراضيها مثل “إسنا”،
و”ماس”، و”كير”، ولم تقم بمصادرة ممتلكاتها وأموالها في العمق الأميركي؟ ولماذا قام
الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن بالتنسيق مع جماعة الإخوان ورموزها خلال
الانتخابات الأميركية الأخيرة؟
لم يكن تعمّد الإدارة الأميركية عرقلة مشروع عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس
الشيوخ السيناتور تيد كروز، لتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، منذ عام 2015،
وحتى هذه اللحظة، بعيداً عن تخاذل الولايات المتحدة في مكافحة التطرف الإسلاموي.
في مقابلة مع موقع “واشنطن فري بيكون” عام 2018، كشف ستيفان جوركا،
المستشار السابق لترامب، أن معركة تصنيف جماعة الإخوان، كانت حامية للغاية داخل
أروقة صنع القرار الأميركي، لكنها تراجعت وسط الضغوط السياسية لمن وصفهم
بـ”أنصار الجماعة” داخل الوكالات الحكومية والكونغرس والإعلام الأميركي.
هذه التصريحات كشفت فشل إدارة الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته، دونالد ترامب،
ومستشاريه أمثال جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض، ووزير
الخارجية مايك بومبيو، في وضع إجراء يعمل على تصنيف الإخوان على قائمة الجماعات الإرهابية.
في كانون الثاني (يناير) 2018، صنفت الخارجية الأميركية حركة “حسم” باعتبارها
جماعة إرهابية، ومنذ ذلك التاريخ لم تتخذ الإدارة الأميركية أي قرارات من شأنها محاصرة
الحركة ونشاطها، أو ضد الدول الراعية للحركة والقائمين عليها، ما يعني أن توقيت تعزير
قرار التصنيف لم يكن عشوائياً لكونه يستهدف فرض عقوبات على تركيا، بتهمة تمويل
جماعة “أنصار بيت المقدس” (ولاية سيناء)، ودعمها لوجستياً بناءً على أدلة دولية، الى
جانب تحول أنقرة، بؤرة آمنة للقيادات الفاعلة لحركة “حسم”، أمثال يحيى موسى وعلاء
السماحي بعد وضعهما على قائمة الإرهاب، برغم تجاهل القرار الأميركي عدداً كبيراً من
العناصر المسؤولة عن العنف داخل مصر.
قرار الإدارة الأميركية الأخير لا يمكن فصله عن تصريحات وزير الخارجية الأميركي حول
علاقة إيران بتنظيم “القاعدة”، وأنها أصبحت “أفغانستان جديدة”، ومقراَ لأيمن الظواهري
ورجاله، فضلاً عن العقوبات التي اتخذتها ضد 16 مؤسسة إيرانية خلال الأيام الماضية.
اعتبر القرار الأميركي حركة “حسم” مجرد فصيل تنظيمي متمرد ومنشق على الكيان
الإخواني، خارجاً عن النص وضوابطه، ومستحقاً للعقاب، متناسياً توافق التوجهات
الفكرية والسياسية والترابط التنظيمي بين الجماعة والحركة منذ تأسيسها عام 2016.
لا يمكن اعتبار حركة “حسم”، نقطة تحول في تاريخ جماعة الإخوان، سواء على
المستوى المنهجي الفكري، أم على المستوى التنظيمي الحركي، لكونها تجسيداً
حقيقياً وفاعلاً لأفكار حسن البنا وسيد قطب وأدبياتهما، وامتداداً للتنظيم السري المسلح
الذي تأسس في أربعينات القرن الماضي.
فثمة عوامل ساهمت في بلورة حركة “حسم”، فكرياً وتنظيمياً، أولها، اعتماد الحركة
على دراسات شرعية طرحتها الجماعة عقب سقوطها، وعبرت بوضوح عن الخط الفكري
للتنظيم الإخواني، في مقدمتها وثيقة “رد الاعتداء على الحركة الإسلامية” التي كتبها
سيد قطب، ودعت إلى ضرورة هدم الدولة المدنية لإقامة الدولة الإسلامية، وهي فكرة
تتفق تماماً مع نظرية “النكاية والإنهاك”، التي طرحها كتاب “إدارة التوحش”، الذي يعتبر
أهم المرجعيات الفكرية لتنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”.
يضاف إلى ذلك، وثيقة “فقه المقاومة الشعبية”، التي شرحت بوضوح طريقة تشكيل
الخلايا النوعية التي ليس بالضرورة أن تعمل مباشرة مع التنظيم، إلا أنها تدور في فلكه،
وتنفذ أوامره بما يشبه فكرة (الذئاب المنفردة)، الى جانب وثيقة “دليل السائر ومرشد
الحائر”، ووثيقة “كشف الشبهات”، وجميعها دراسات أصّلت للعمل المسلح، تحت ما
يسمى بـ”فقه دفع الصائل”، و”الفئة الممتنعة”.
تمثل عملية التأهيل والتدريب المحور الثاني في تشكيل حركة “حسم” وعناصرها، من
خلال (معسكرات الطلائع) التي فككتها الأجهزة الأمنية المصرية، في مناطق
صحراوية عدة، وجفّفت منابع تمويلها وتسليحها.
كانت (معسكرات الطلائع)، بمثابة النواة الحقيقية لتكوين ما يسمى بـ”الخلايا النوعية”،
والتحوّل في استراتيجية العمل التنظيمي المسلح داخل الإخوان، والانتقال من خانة
العشوائية والهواية، إلى خانة الاحترافية والتدريب على طرق استخدام السلاح، وفك
المتفجرات وتركيبها، واستخدام التقنيات ووسائل التواصل الحديثة في عمليات الرصد
والتتبع والمراقبة للأهداف المرادة.
تأسست (معسكرات الطلائع)، في إطار التطور الهيكلي والتعبوي للجناح المسلح داخل
الإخوان، من خلال أجنحة مسلحة تم توطينها في المناطق النائية والصحراوية، بهدف
تدريب أكبر عدد ممكن من شباب الجماعة، على فنون القتال والاغتيالات، تحت مسمى
“التربية الجهادية” أو “مشروع الجهاد المقدس”.
المزيد من الموضوعات
الجولة الأولى للمشاورات السياسية بين مصر وجنوب أفريقيا بالقاهرة…
مجلس الوزراء يوافق خلال إجتماعة اليوم برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي علي قرارات …
استقبل الرئيس السيسي اليوم وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي بجنوب أفريقيا “رونالد لامولا”