وائل خالد
ساعات قليلة وتهل علينا الذكرى 69 لعيد الشرطة، تلك المناسبة التى تجسد أمجاد
وبطولات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فى أن يقوموا بالدفاع عن أمن الوطن
الداخلى وسلامة المواطنين.. على مر التاريخ، أثبت رجال الشرطة، أنهم على العهد فى
التصدى لكل من يحاول المساس باستقرار الوطن.
وضعت «العيون الساهرة» أمن وسلامة المواطنين، نُصب أعينهم، يقفون ليلا ونهارا، دون
أن يغمد لهم جفنا، حاملين أسلحتهم عاقدين العزم، عاقدين العزم على التضحية والفداء
من أجل أن ينعم المواطنين بالأمان الدائم.
قدم رجال الشرطة، بطولات خُلدت فى أذهان وعقول المواطنين، على مر العصور،
وسطر شهدائهم أسمائهم بأحرف من نور، فى سجل المجد، تاركين العزة والشرف
، لأسرهم وذويهم يفخرون بما قدمه ابنائهم من تضحيات من اجل رفعت الوطن، وأمن
وسلامة المواطنين
تاريخ مشرف
بدأت بطولات رجال الشرطة فى الخمسينيات، عندما كان الاحتلال الإنجليزى متوغلا
داخل الدولة المصرية، وكانت حالة من الغضب تسيطر على جموع المصريين، من
استمرار التواجد البريطانى على أرض المحروسة.. وكانت قوات الشرطة، هى حائط
الصد، ضد العدوان والتواجد الغير شرعى من جانب قيادات وجنود الاحتلال.
لم يرضخ رجال الشرطة فى ذلك الوقت، للاحتلال الإنجليزى، وقرروا أن يتصدوا إليه بكل
ما لديهم من قوة وعزيمة، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة والأموال المتدفقة، التى
كانت يمتلكها الاحتلال فى تلك الفترة.. توترت العلاقات بين مصر وبريطانيا، وقام الفدائيين
بأعمال ضد معسكرات الاحتلال، ونجحت فى إلحاق خسائر كبيرة بهم، إلى جانب ترك
العمالة المصرية، العمل لدى فى المعسكرات الإنجليزية بطول خط القناة، وهو ما تسبب
لهم فى حالة من الارتباك الشديد.
اتحدت الدولة المصرية بكافة أطيافها، وعقدوا العزم على التصدى للاحتلال البغيض،
فتوقف موردوا الخضراوات والفاكهة، عن إمداد المسكرات الإنجليزية.. إلى جانب تقدم
الشباب والعمال، لتسجيل أسمائهم للمشاركة فى الكفاح والنضال الوطنى.
صمود فى وجه العدوان
لم يجد الاحتلال البريطانى، وسيلة سوى محاولة تفكيك «البوليس المصري» كما كان
يطلق عليه فى تلك الفترة، وطلبت قيادات الاحتلال فى الخامس والعشرين من يناير عام
1952، بأن يسلم رجال البوليس أسلحتهم، ووجهوا لهم إنذارا شديد اللهجة، فى محاولة
للوصول للفدائيين، وأن يخلو منطقة القناة بالكامل.
لم يرضخ رجال الشرطة، لتهديدات العدو البريطانى، ورفضوا الإنذار الذى وجهه القائد
البريطانى لهم، وأبلغوه بأن فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية، يرفض كافة التهديدات،
وطالب القوات بالصمود وعدم الاستسلام.. وهو ما جعل القائد البريطانى، يستشط
غضبا، وأمر قوات ودباباته بمحاصرة قسم شرطة الإسماعيلة.
شهداء ومصابين
وبرغم ذلك ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز
(لي انفيلد) اقوي المدافع واحدث الاسلحة البريطانية حتي نفدت ذخيرتهم وسقط منهم
في المعركة 50 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12
جريحا واسر البريطانيون من بقي منهم علي قيد الحياة من الضباط والجنود وعلي
رأسهم قائدهم اللواء احمد رائف ولم يفرج عنهم الا في فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال اكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف
العبد ضابط الاتصال: لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا
فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا.
وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال اكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال
الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم امامهم تكريما لهم وتقديرا
لشجاعتهم.
وانتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط،
وخرجت المظاهرات العارمة في القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة في
مظاهراتهم في صباح السبت 26 من يناير 1952.
وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير الغاضبة، حتي غصت
الشوارع بالجماهير الذين راحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز وكانت معركة
الاسماعيلية، الشرارة التي غيرت التاريخ.
تضحيات الشرطة
بطولات رجال الشرطة، أصبحت تاريخا يجب ان يرويه المصريين لأبنائهم وأحفادهم، لكى
يترسخ فى عقيدتهم التضحيات التى قام بها رجال الشرطة الأوفياء، من أجل تحقيق
الأمن والأمان للوطن والمواطنين.
بداية أول شرارة وبداية الأعمال الفدائية، حينما أعلن مصطفى النحاس رئيس وزراء
المملكة المصرية، فى ذلك الوقت فور الاعلان بإلغاء معاهدة عام 1936، وبدأ أول احتكاك
بين رجال المقاومة والبوليس، فى منطقة التل الكبير، المواجهة لجامع الملك بالبر
الثاني، وثكنات بلوكات الأمن بقسم البستان المحافظة القديمة يوم 17 نوفمبر عام1951،
وأطلقوا عليهم وابل من النيران، وأصيب العديد منهم بإصابات بالغة، فاضطروا بالرد عليهم
بالمثل.
وكانت الأسلحة التى كانت بحوزة رجال البوليس المصرى، بها خزنة تسع خمس طلقات،
ولا تستطيع ضرب النار إلا بطلقات فردية، بالإضافة إلى الفارق الكبير فى التسليح
والتدريب على أساليب التكتيك والقتال، واثبتوا بطولة وشجاعة وصمود ضد هذا الاعتداء،
تحت قيادة ضباطنا الشباب.. مما أجبر الإنجليز بتعزيز قواتهم العسكرية، وأقاموا بتطويق
الحي الإفرنجي بالكامل، حتى منطقة الممر ومنطقة عرايشية مصر والمثلث وشارع
الثلاثين، حتى كوبري سالاو.
دبابات الإنجليز
وأحكمت قبضتهم على المدينة بالكامل، وانتشار رجال المظلات الإنجليز، الذين يطلقون
عليهم “الشياطين الحمر” فى كل شوارع المدينة، لبث الرعب بين المدنيين، وفرض
حذر التجول فى شوارع المدينة، وفى شارع سيناء خلف نيابة بندر الإسماعيلية «الشهر
العقاري» حاليا.. بينما أخذت القوات الانجليزية، تجوب بالعربات المصفحة والدبابات
الإنجليزية شوارع مدينة الإسماعيلية، لمراقبة حذر التجول.
شاهدت قوات المظلات، في شارع سيناء الشاب فايز صادق البالغ من العمر 22 عاما،
نجل الأمباشى صادق الذي كان متواجد في الخدمة محاصر بقسم البستان.. وأطلق
جنود المظلات الإنجليز النار عليه، بلا رحمه وسقط شهيدا، مدرجا فى دمائه لفرض حذر
التجول فى الشوارع، وأخذت تحلق الطائرات الحربية الإنجليزية، على ارتفاعات منخفضة
لإرهابهم وبسط نفوذها وسيطرتها الكاملة على المدينة.
وفى صباح يوم الجمعة، الموافق 25 يناير الساعة السادسة صباحا عام 1952، كان
نوبتجى فى ذلك اليوم ضابط عظيم بالنيابة عن مأمور القسم الملازم أول عبد الحميد
سالم من بلدة سمنود غربية، ومن معه في الخدمة، في هذا اليوم شعروا بتحركات
عسكرية غريبة، وأرتال من الجنود الإنجليز بالآلاف، مدججين بأحدث الأسلحة والدبابات
والعربات المصفحة تطوق مبنى قسم البستان.
تهديدات بريطانية
وقام جندي الإشارة، بالاتصال بالضباط لإخطارهم بالأمر، فى استراحة الضباط، وبعضهم
كان يقيم فى فندق بالاس بجوار محطة القطار، وأخبرهم أحد المخبرين السريين وجنود
الحراسة بالمنطقة، الذين يقومون بحراستهم ليلا، بتحركات وأصوات غير عادية فى
شوارع المدينة، وعلى الفور ارتدى الضباط الشبان ملابسهم العسكرية، والتوجه فورا
لمتابعة الموقف، وتوزيع أنفسهم، ليتولى قيادة الجنود النقيب مصطفى رفعت والنقيب
عبد المسيح مرقص، وتوزيع النقيب مصطفى عشوب والملازم أول فؤاد الدالي الى
ثكنات الجنود بمبنى المستوصف مكتب الصحة حاليا واللواء محمد متولي والنقيب صلاح
ذوالفقار، والنقيب صلاح دسوقى الذين آتو من القاهرة، لتنظيم المقاومة الشعبية.
وعلموا من النقيب مصطفى رفعت، الذى يعطي لهم التعليمات لحظة بلحظة، بأن المقدم
شريف العبد ضابط الاتصال، تم استدعائه لمقابلة البريجادير أكسهام، قائد القوات
البريطانية بمبنى هيئة قناة السويس المجاور للمحافظة، وسلمه إنذار بإخلاء مبنى
المحافظة من الجنود والضباط والأسلحة وترحيلهم إلى محطة قطار الإسماعيلية، وهناك
قطار مجهز لهم وترحيلهم الى القاهرة، وتم إخطار اللواء أحمد رائف قائد بلوكات الأمن،
وأخطر به وكيل المحافظة على بك حلمي ورفض على بك حلمي الإنذار.
وقام بالاتصال بوزير الداخلية، فؤاد سراج الدين باشا، الساعة السادسة صباحا و15
دقيقة، كما هو مدون فى دفاتر الإشارة بالقسم، وجاءت لهم إشارة بالدفاع والصمود بكل
قوة حتى أخر طلقة وأرسلت إشارة من خلال ضابط الاتصال شريف العبد الى الإنجليز برد
وزير الداخلية وانتهت مدة الإنذار.
ملحمة وطنية
وشهدت مدينة الإسماعيلية، أعظم ملحمة تاريخية فى نضالها ضد الاحتلال الانجليزي،
التى شهدت أحداثا أقل ما توصف بأنها كانت ترقص على أنغام البارود، من البركان الثائر
من رجال البوليس والفدائيين، لتحرير تراب الوطن من الإنجليز أمام جيش بريطانيا
العظمى، التى لا تغرب عنها الشمس المسلحة، بأحدث الأسلحة وقوات مدربة، على
أرقى مستوى تدريب فى القتال والمناورات التكتيكية، مما جعل المعركة بينهم
محسومة، قبل أن تبدأ ولكن رجال البوليس، أثبتوا العزيمة والشجاعة والكفاح، بأيمانهم
القوى بالله ووطنهم بأسلحة نظامية.
واثبتوا أنهم أمام قوات محتلة، يدافعون عن الشرف والكرامة بشجاعة متواصلة، برغم
الدمار والحرائق والخراب، فى كل مكان التى أحاطتهم من كل جانب وعشرات من
الشهداء والجرحى، ولم تتحرك فى قلب البريجادير أكسهام الرحمة أو الشفقة، بالسماح
لعربات الإسعاف لنقلهم الى المستشفى، أو تقديم المساعدات الطبية، ضاربا بعرض
الحائط جميع القوانين الإنسانية والأعراف الدولية باحترامها.
وأخذت مدفعية الميدان والدبابات والعربات المصفحة، تقتحم وتدمر أسوار قسم البستان،
وتمطرهم بوابل من الرصاص والقنابل على مبنى قسم البستان وثكنات بلوكات الأمن بلا
هوادة.. وتلطخت دماء الشهداء والجرحى، فى طرقات وجدران قسم البستان فى كل
مكان، وتوقف القتال فجاءه ليجدد البريجادير أكسهام تهديداته لهم، إذا لم يستجيبوا لندائه
بالتسليم سيدمر المبنى بمن فيه.
عرين الأبطال
حكاية الضابط مصطفى رفعت فى معركة الاسماعيلية
وسمع أكسهام صوت النقيب مصطفى رفعت، يزلزل ارجاء قسم البستان، وهو يرد علية
بكل شجاعة وحماسة الأبطال «لن تستسلموا منا إلا جثثنا هامدة».. وجن جنون
أكسهام لهذا الرد، من النقيب مصطفى رفعت وهو يحمل السلاح بين جنوده من الأبطال
خلف السواتر الرملية، وأيديهم على الزناد بأسلحتهم، التى كانت تستغرق وقت أثناء
التعمير والضرب بتعليماته، لقلة الذخيرة التى على وشك الانتهاء.
وفى الساعة العاشرة صباحا، جاء جندي الإشارة، يستدعى النقيب مصطفى رفعت،
ليبلغه بأن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين على التليفون، يريد التحدث معه، ولحظات عاد
النقيب مصطفى بينهم، ليبلغهم رسالة الوزير، لرفع روحهم المعنوية وتقديره لشجاعتهم،
وأن يستمروا فى القتال حتى آخر طلقة.
تحية للشجعان
وتوقف القتال وخرج جميع من تبقي منهم علي قيد الحياة والمصابين، بعد نفاذ الذخيرة،
فى طابور من مبنى قسم البستان، رافعين رؤوسهم من الشجاعة والشهامة، فى خطوة
عسكرية منتظمة.. وأصطف المئات من الجنود الإنجليز، وعلى رأسهم البريجادير أكسهام،
بتأدية التحية العسكرية لهم بطريقة مشرفة لهم، باستعراض عسكري وعزف البروجي
لهم «سلام سلاح».. بعدها قال للقادة من الضباط الشباب «لقد قاتل رجال البوليس
المصري بشرف، واستسلموا بشرف، ولذا فإن من وجبنا احترامهم جميعا ضباطا
وجنودًا».
وتم أسر من بقى منهم على قيد الحياة، من الضباط والجنود، وتم نقلهم بعربات نقل
الجنود الإنجليزية، إلى معتقل الأسر بمنطقة نائية، فى صحراء الإسماعيلية، داخل الخيام
وأفرج عنهم جميعا، فى شهر فبراير، وتم استخراج كرنيهات جديدة لهم، بدلا من التى
فقدت أثناء المعركة، وموقع عليها حكمدار قسم البستان بالإسماعيلية على حلمي،
ولازلت بعض الأبناء والأحفاد، يحتفظوا بها للذكرى.
المزيد من الموضوعات
استقبل الرئيس السيسي، اليوم، رئيس جمهورية إندونيسيا “برابوو سوبيانتو”، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى مصر
القاهرة للإستثمار تدعو مستثمري صناعة الجلود المصريين والأجانب بالتقدم على حجز 43 مصنع كامل التجهيزات بالروبيكي…
نائب رئيس الوزراء وزير الصحة مصر أول دولة تحقق أهداف مكافحة فيروس «بي» في إقليم شرق المتوسط…