وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عصر المنصات.. عن نجم الشباك وجمهور كان دومًا “عايزها كده”؟!

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تصنع منصات العرض السينمائي والتليفزيوني على شبكة الإنترنت ثقافة مشاهدة مختلفة وجديدة في العالم، ففضلا عن ترسيخ فكرة الحضور الدائم للمحتوى؛ ليشاهده الجمهور وفق الزمان والمكان والوسيط الاتصالي المناسب ولو كان شاشة هاتف صغير، فإنها أيضًا تصنع تغييرًا جذريًا وتؤرخ لتحولات مهمة في مختلف مفردات صناعة السينما والتليفزيون، وما يتبعهما من أصول الفرجة واقتصاداتها، تلك التي عاشت مع الناس عقودًا، من خلال نمط الإنتاج المختلف ومنظومة تدفقات الموارد اشتراكًا آمنًا مضمونًا، بعيدًا عن تغير مزاجية الذهاب المباشر للجمهور نحو قاعات العرض، ولعل أحد أهم التغييرات هو امتلاك تلك المنصات حرية أكبر في مجال اختيار التيمات والنجوم ومعها ربما صك نهاية تلك العبارة التي عاشت مهيمنة أدمًا “أصل الجمهور عايز كده”.

في عصر المنصات لم يعد بوسع الجمهور أن يفرض بتلك الحدة ذوقًا أحاديًا واحدًا ونمطًا ترفيهيًا مهيمنًا، أو يمنح الصدارة المطلقة لنجم واحد يتحلق الكل حوله إرضاءً واسترضاءً بحكم أنه من يملك شفرة تدفق الجمهور نحو قاعات وكراسي السينما، وحيث إن هذا الجمهور الذي يدفع رسوم الخدمة، ومن خلال مكوثه في منزله سيشاهد غالبًا معظم ما يتم عرضه، وكل ما تأتي به وتحمله المنصة من إتاحات، ولن يكون الأمر شبيهًا بانتظار عطلة أو يوم إجازة للذهاب لرؤية عمل واحد في القاعات كل أسبوع أو كل شهر، هناك حاجة لاستهلاك يومي متسارع لا بد أن تتزامن معه وتيرة إنتاج أكبر وأسرع وأكثر تنوعًا.

سيزيد من ذلك ويكرسه احتجاب بشر الكون ما يقرب من عامين تحت تأثير وطأة جائحة كورونا، ثم ما يستجد من “مزيد من هيمنة الحياة على فضاء الإنترنت وهو ما سيجعل ذلك اعتيادًا فنمطًا فأسلوب حياة.

سيتابع الجمهور بالضرورة الكثير مما يعرض وينتظر مشاهدة كل إنتاج جديد ولو لم يعرف نجومه أو يحبذهم، فقد اشترك وأمامه الوقت والرغبة في المشاهدة، سيمنح ذلك عبر الوقت وتنافسية المنصات فرصة للكثيرين من صناع السينما والتليفزيون للبقاء متجاورين دون إزاحات، ولن يبهت أو يغيب كثيرون من المشهد في ظل تعدد وتنوع المنصات وتنافسها ودخول المنصات العالمية بقوة ساحة المحلي؛ لتقدم إنتاجًا باللغات الوطنية، بل وباللهجات والدوبلاج المحلى، سيقلل ذلك كثيرًا من أجر النجم “الكبير” فهو لن يستطيع التواجد مستقلًا عن تلك المنصات، فقد مضى زمن الجمهور الذي يرتاد القاعات من أجله وحده، كما قلت، وانكمشت تلك القاعات التي يرتادها الناس ذهابًا مقصودًا، ولم تعد معادلًا اقتصاديًا مناسبًا لكلفة الإنتاج.

سيصنع ذلك انقطاعًا كبيرًا عما عرفنا وعشنا وألفنا، حيث كان النجم الكوميدي يقدم سلسلة متوالية سنويًا من الأفلام الضاحكة، وحيث التسلية هدفًا ومبتغى، وكان الزمان قبل ما يزيد على خمسة وثلاثين عامًا، وحيث لافتة يعلوها اسم دار السينما وتحتها أفيش ملون للفيلم المعروض، يتصدر فيه النجم صورة واسمًا ويخفت كل ما هو إلى جواره، يتذكر امتلاء الصالة بالجمهور، وأنه وبمجرد أن ظهر النجم في المشهد الأول وهو يسير في الطريق ويتبعه كلب يبعده النجم ويجري منه، كان ذلك وحده كفيلًا بإغراق السينما بالضحكات الصافيات العاليات صخبًا ومعها تصفيق مدو، كان هذا هو التعريف الواقعي لسينما “نجم الشباك”، الذي ما إن يظهر اسمه على أفيش الفيلم أو إعلان دار السينما حتى يبادر الجمهور للوقوف في طابور يمتد طويلًا، حتى أنه كانت تنشأ على هامش تلك الطوابير سوق سوداء مصغرة تمنح التذاكر بأسعار أعلى كثيرًا من سعر بيع الشباك تطلبها الأسر والعائلات وأيضًا المخطوبون حديثًا – فقد كان ذلك ضمن طقوس اجتماعية مرعية -والتي يصعب أن يقف أفرادها منتظرين دورهم في ذلك الطابور الطويل الذي قد يصل به الأمر في المناسبات والعطلات أن يمتد زمنيًا حتى أن من يحصل على تذكرته يدخل وقد مضى كثير من زمن عرض الفيلم ذاته.

كان ذلك أوانًا بعيدًا تمكن فيه أولئك النجوم -كل وفق مكانته لدى شباك التذاكر – في أن يحدد سعرًا سوقيًا وتصنيفًا ومكانة، وكانت دور السينما كثيرة، وكان نجم الشباك يفرض قراره على الصناعة بأكملها، يختار من يرتاح للعمل معه من المخرجين والممثلين، فهو المحدد الرئيسي لنجاح الفيلم إيرادًا حتى لو اشتكى النقاد من الحالة الفنية جريًا على مقولة فليعمل كل في مجاله- من يمثل ومن ينتج ومن ينقد- ثم لتمضي الحياة.

فرض ذلك ذوقًا وتقليدًا في صناعة السينما استمر كثيرًا، وقلل من كفاءة وجودة المحتوى ووجه الصناعة نحو أفق واحد ترفيهي بحت، وكانت تسري على هامشه محاولات للخروج من هذا النمط، ونجح بعضها وفشل البعض الآخر، في زمن كانت فيه الأفلام الهندية زاعقة الدراما تملأ جدول سينما الدرجة الثانية والثالثة بحضورها المتكرر وأبطالها وخيالها المفارق دوما وجمهورها المستجيب والحاضر شغفًا.

ستستمر المنصات في بناء قوة حضورها وسيدعمها اشتراك الجمهور المتزايد مع الوقت، ومؤدية لتغيرات مهمة منها ما هو ذو طابع عولمي بمنح الفرص للجمهور؛ لمشاهدة إنتاج من دول ومجتمعات لم تكن يوما على خريطة المشاهدة في قاعات السينما، ولا ضمن رغبة وتفضيلات الجمهور، ورغم أن هذه المنصات ستحافظ كثيرًا على مساحة الترفيه كهدف أولي في مجال احتيار الموضوعات والمعالجات، لكنها حتمًا ستمنح الفرص لتنوع نسبي يطال معظم عناصر الصناعة، وستكون مؤرخة؛ لانتهاء زمن النجم الذي يطل من الشباك منفردًا ومتصدرًا ووحيدًا.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp