تعد أسطورة دراكولا من أكثر الأساطير على مر التاريخ التي أستطاعت ألقاء الرعبَ في قلوب البشر ، حيث تمثل دراكولا في صورة مصاص دماءٍ أسطوري يظل نائما في تابوته متجمدا فاقد للحياة ثم يعود فجأة لنشاطه و يبدأ في أمتصاص دماء ضحايا التي تمده بالحياة ، و يرجع الفضل لله الأول للمؤلف (برام ستوكر- Bram Stoker)، في ظهور هذه الأسطورة بكتابة روايته (دراكولا)، و قد استوحى الكاتب هذه الشخصية السيئة من إنسانٍ حقيقي متعطشٍ لإراقة الدماء، وهو فلاد الثالث أمير و الاشيا،و قد آثار استمرار شعبية هذه الأسطورة فضول العلماء والباحثين في مجال “مصاصي الدماء”. وكتب باحث الميثولوجيا هانس مويغار في مقال حول هذا الموضوع: “مصاص الدماء هو إسقاط ناجح للمخاوف البدائية لدينا، ومخلوق لاهوتي بعمق فلسفي ونفسي هائل”.حيث وضح أن مسألة تأثير مصاص الدماء على الإنسان متعلقة بتعامله مع الموت.حيث يعد “الموت هو أعظم رعب بالنسبة للعديد من الناس”. لذلك حاول معظم الناس القضاء على الموت باعتباره نهاية لهم وإعادة تفسيره إلى طقوس تُنبؤُ بالحياة بعد الموت، فالكل يخشى الموت و يرغب في معاودة الحياة مرة آخري و فسر لي ذلك المحلل النفساني البريطاني إرنست دجونس: “إن السبب الجذري لهذا الإسقاط هو بلا شك أمل الموتى في أن لا ينساهم الأحياء”. ربما لهذا لاقت هذه الأسطورة رواجها عبر التاريخ.
في عصرنا الحديث نجد العلماء تحاول بكل الوسائل و الطرق العلمية و التكنولوجية محاربة الموت و مسبباته بل و أمتد هذا الهلع في عصرنا الحديث لهوس البعض بالخوف من الموت و الرغبة في الأستمرار في الحياة فذهبوا إلى تجميد أنفسهم و حيوانتهم الآليفه أملا في أن يستطيع البشر مستقبلا القضاء على الموت، و لكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أنه رغم كل التقدم و التطور الذي وصل له العالم الا أنه أبدا لم يستطيع هزيمة الموت و أكبر مثال في عصرنا الحالي هو فيروس كورونا الذي يشبه إلى حد بعيد أسطورة دراكولا فهو الوحش الخامل المختفي في الأتربة و الزوايا الذي عاد للحياة ليحصد آرواح البشر بلا هوادة ليثبت لهم أنه برغم كل ما حققوه و ماوصل له العلم من تطور و تقدم و تسليح و جيوش لن يستطيع كل ذلك مواجهة فيروس كورونا الذي لا يرى بالمجهر ألا برحمه الله.
شرع الجميع يتضرع إلى الله لطلب العلاج و النجاة من الهلاك و الموت و توالت تصريحات رؤساء أكبر الدول و أكثرها تطورا كل يوم في الأعلان بعجزها بكل ما تملك من قوة في مواجهة شئ لا يرى الا تحت المجهر، و من هذه التصريحات، كتب أحمد عبد الباسط الرجوب في “رأي اليوم” اللندنية: “استيقظ العالم على هشاشة دول كبرى، كان يعول عليها في حماية العالم، إن هو تعرض إلى غزو فضائي، فإذا بها تسقط عند أول أمتحان، كما صرح رئيس وزراء إيطاليا جوسيبي كونتي بعد تزايد حالات الوفاة لديه ، لقد إنتهت جميع الحُلول على وجه الأرض، الحل متروك للسماء، لقد فقدنا السيطرة، الوباء قتلنا نفسيًا بدنيًا وعقليًا، لم نعُد نعي ماذا سنفعل، لقد إنتهت جميع الحُلول على وجه الأرض، الحل متروك للسماء، ليعلم فيروس كورونا أهم درس للبشرية و هو دعونا لا نبالغ في المستوى الذي وصلت إليه حضارتنا! إنه لغطرسة كبيرة أن نرى أنفسنا عظماء! هذا مجرّد فيروس صغير يذكّرنا بذلك!
جرت سنة الله في الخلق، باقتران ظهور الأمراض القاتلة والنقم المهلكة، بزيادة الذنوب والمعاصي والانحراف عن دينه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “… لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا… ” رواه ابن ماجه والحاكم، للذا يجب علينا جميعا تذكر أنّه مهما أُوتي الأنسان من قوةٍ يبقى ضعيفاً وعاجزاً أمام أبسط الشهوات، والمغريات التي في الحياة الدنيا، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)،[٦]، فالضعف في هذه الآية الكريمة ضعفٌ عامٌ وشاملٌ لجميع جوانب الضعف البشري؛ النفسيّ، والبدنيّ، والعقليّ، والتركيبيّ، والعاطفيّ، فالإنسان ضعيف النفس بطبعه وفطرته، فهناك بعض الأجزاء من جسمه لا يستطيع دخولها، ويقف ضعيفاً تجاهها.مهما كان إدراك الإنسان للظروف والعوامل والمؤثرات التي تُحيط به؛ فهو لا يعلم ماذا سيحدث بعد شهرٍ أو بعد يومٍ أو بعد ساعةٍ، وأعظم الأطباء في الكون لا يستطيع أن يضمن له استمرار حياته. الإمكانات التي يمتلكها الإنسان لفهم الواقع الذي يعيش فيه بجزئياته ومشكلاته وخباياه. الحكمة من خلق الإنسان خلق الله -تعالى- الإنسان لعبادته، وإقامة أمره، والالتزام بأحكامه، وتحكيم شرعه في الأرض، فمن ابتعد عن الطريق وحاد عنه، فإنّه يكون مستحقّاً لعقاب الله تعالى، ومن امتثل لأوامر الله وطاعته فإنّه يكون مستحقاً لنعيم الله المقيم الذي وعد به عباده المؤمنين، فلا تدع ما حولك يغرك و يعطيك القوة فمصيرك حتما للموت و يستطيع فيروس لا يرى بالمجهر النيل منك و لن يرافقك في رحلة الموت مال و لا ولد و لا نفوذ و لا ملك فلن تصطحب سوي عملك الصالح فأكثر منه و لا تدع الدنيا تغرك و تذكر أنه هناك ألف دراكولا و دراكولا يسعى للنيل منك و امتصاص حياتك لتصير في نهاية جثة هامدة لاحول لها و لا قوة.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…