رد على من يدعون زورا أنه كان فتحا و ليس إحتلالا
بقلم اللواء /سيد نوار
في البداية ردا على من يدعون زورا أن شهادة إبن إياس مجروحة من العثمانيين السابقين و الحاليين ممن يقولون أنها كانت فتحا و خلافة على مقولة ( إللي يتجوز أمي أقول له يا عمي ) و هم في الحقيقة من أصول تركية عاشت في مصر حتى اليوم و لم يقرأوا سوى ما كتبه العثمانيون.
و من هنا وجب أن أبدأ في البداية بالحديث عن من هو إبن كثير في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور ثم نسرد الأحداث كما رواها من قراءتنا للكتاب.
هو محمد بن إياس الحنفي صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور و الذي عاصر الأحداث و كتبها كما رآها رأي العين و الذي تعد شهادته من أهم ما كتب في هذا الشأن لمعاصرته لتلك الأحداث الخطيرة و تبعاتها.
لقد هب العثمانيون الجدد من أصصول تركية في مصر و الإخوان المسلمون بالقول زورا أن إبن إياس كان من فلول الإخوان تماما كما إدعوا على المصريين الشرفاء الذين قاوموهم حبا في الدوله المصرية و حمايتها من الفوضى في مصيبة 25 يناير بالفلول.
و لا يعني إدعاؤهم الباطل إلا أن نمحو من كتب التاريخ أن كل ما كتبه شهود العيان لكل جريمة وقعت في حق الوطن أنه كان متضررا من تلك الجريمة و بالتالي فشهادته مجروحة. ولا يعني هذا, حسب تفكيرهم الباطل إلا أن نمحو ما كتبه يوحنا المقيوسي عن الاحتلال البيزنطي لمصر, و ما كتبه إبن الأثير عن إجتياح المغول للمشرق الإسلامي, و ما كتبه النويري السكندري عن غزو الفرنجة للإسكندرية في منتصف القرن الرابع عشر, و ما سجله الجبرتي عن الحملة الفرنسية, و عبد الرحمن الراغعي عن الاحتلال البريطاني. و ماذا لو سألناهم تنحية آراء العثمانيون المعاصرون لحروب الدولة العثمانية مع روسيا في بعض المعارك من إسطنبول باعتبار أن شهادتهم مجروحة؟
بجهلهم إدعوا على إبن إياس كان من فلول المماليك, و لم يكن إبن إياس مملوكيا بل كان ممن يطلق عليهم ( إبن الناس ) و إبن الناس هو من كان أبوه و جده من أسلاف المماليك الذين جلبوا صغارا و عاشوا و تمصروا وولد هو حرا ولم يمسه الرق, و صار منهم المظف الرسمي و العالم و الفقيه و المؤرخ و الجندي و التاجر و الحرفي ولا يمكن إعتبار معظمهم إن لم يكن كلهم من طبقة المماليك.
بجهلهم لو قرأوا كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور لعلموا أنه لم يجامل عظيما و لم ينافق سلطانا لينال الحظوة بل كان شديد القسوة و الغلظة على السلطان قنصوة الغوري في سياساته و أعماله, و لم يكن ممن يتحرشون بأصحاب المناصب لينال الحظوة, كما عاصر عدة سلاطين, قايتباى و إبنه, جنبلاط و طومان باي الأول, و الغوري و طومان باي الثاني, و لو قرأوا الكتاب لن يجدوا فيه أي إشارة أنه سعى لنيل رضاهم, لغرض أو منفعة بل كان يسب المحتل سليم الأول و صنيعته خاير بك ( الموصوف تاريخيا بخاين بك )
كان إبن إياس من أبرز أهل عصره في كتابة التاريخ, كان كل إهتمامه على أحوال العامة ينظر للأمور من زاويتهم و ينقل رؤيتهم للأحداث و الوقائع.
لقد كان عصر إبن إياس, عصر المؤرخين الكبار مقل إبن تغريد بردي, إبن حجر العسقلاني, السيوطي الذي تتلمذ إبن إياس على يديه, إبن أجا الحلبي و الجوهري الصيرفي ثم إبن إياس نفسه. ولا عجب أن يدعي العثمانيون الجدد جهلا و زورا على أحد أهم المؤرخين القامات أن شهادته مجروحة, ليرضي مرضا في نفسه منهم من يتملق العثمانيين الجدد من الإخوان و معظمهم عشقا للشهرة الكاذبة , تباروا في كتابة الكتبو و الإعلام و لم يتركوا القنوات التليفزيونية, بل راحوا يفتون في مالهم فيه و ما ليس لهم فيه.
و الآن أعرض أهم ما ورد في الكتاب, بدءا من إجتياز العثمانيون حدود غزة مع مصر, حتى إعدام طومان باي شنقا على باب زويلة إاتواما بتسلسل الأحداث كما وردت في الكتاب.
وصلت أنباء إلى القاهرة في يوم 12 من ذي الحجة عام 922 هجرية عن إختراق العثمانيون لحدود مصر مع غزة و وصولهم للعريش فبدأ طومان باي بحفر الخنادق حول القاهرة و إقامة التحصينات و نصب المدافع و نقل السوق ليتمكن الجنود من شراء المؤن و أعلن النعبئة العامة بين العوام و المماليك الذين تقاعسوا عن المرابطة حول التحصينات و تمسكوابنتظار الجيش العثماني ليصل إليهم. وصل العثمانيون إلى بلبيس و الشرقية الني هاجر أهلها إلى القاهرة مما إضطر طومان باي إلى حرق مخازن الغلال المحيطة ببلبيس حتى لا تقع في أيدي العثمانيين. و في هذه الأثناء كان العربان يغيرون على العثمانيين و يخطفون بعض جنودهم و يقطعون رؤوسهم و يرسلونها للقاهرة لتعلق على أبوابها لرفع الروح المعنوية بين الأهالي. وفي محاولة عثمانية لاغتيال طومان باي أدخلوا عليه في خيمته شخص ملثم و مسلح فقبض عليه الجند ليكتشفوا أنها إمرأة تركمانية فقطعوت رأسها و علقوها مع رؤوس العثمانيين.
وصل العثمانيون إلى منطقة بركة الحاج شمال القاهرة فتم إغلاق أبوابها الرئيسية و إستعد الجيش للمواجهة, عند الجبل الأحمر إستعدادا لقتال, كما كان يتوقع طومان, قد يطول أمده.
بلغ العثمانيون نقطة الالتقاء إندلعت معركة رهيبة إستبسل فيها المماليك و كانت لهم الغلبة حتى أن العثمانيين فقدوا وزيرهم الأول سنان باشا قتيلا و كانت الكفة راجحة في البداية لصالح المصريين.
لملم ااعثمانيون شتاتهم و انقسموا إلى فرقتين هاجمت الأولى معسكر طومان باي في منطقة الريدانية فقتلت العديد من قادته و أصابت أتابك العسكر بجروح بليغة و كسر في فخذه ففر هاربا. إلتفت الفرقة الثانية حول الجبل الأحمر لتباغت الجيش المصري الذي إنهزم و تقهقر منسحبا و بقي طومان باي ثابتا في الميدان مع القليل من جنده و خوفا من الأسر فارا إلى منطقة طرة.
إندفع العثمانيون إلى معسكر طومان باي ينهبون المدافع قم إنقضوا على القاهرة يجتاحونها بلا رحمة. فبدأوا بما قلدهم فيه عقمانيون العصر الحديث في 25 يناير 2011 باجتياح السجون للإطلاق سراح قتلاهم الذين ام أسراهم وكانوا غالبا من التجارالمتواجدين في القاهرة أثناء إندلاع الحرب, و معهم العناضر الإجرامية من المصريين الذين إستغلوا هجوم العثمانيين على بيوت الأمراء و الأعيان ينهبونها و راحوا ينهبون و يسرقون حتى شاع الذعر بين المصريين. خطفوا بغال الطواحين و جمال السقايين و جماعة من الأطفال و العبيد السود و استمر الخطف و النهب إلى ما بعد الغروب ثم هاجموا شون القمح في بولاق و استولوا على ما بها من غلال.
ويسجل إبن إياس قول أحد شهود الك الحوادث في أبيات :
نبكي على مصر و سكانها … قد خربت أركانها العامرة
و أصبحت بالذل مقهورة … من بعد ما كانت هي القاهرة
في الجمعة الأخيرة من العام 922 الهجري اسطحب سليم الأول الخليفة المتوكل على الله, بعد آسره بعد هزيمة الجيش المملوكي في الشام, إلى مصر و معه الأمير المملوكي خاير بك ( خاين بك ) حاكم حلب الذي خان المماليك لصالح العثمانيين و انسحب بجنوده من موقعة مرج دابق في الشام طمعا في مكافأة اعثمانيون له. و نودي في موكب الخليفة بالأمان لأهل مصر و استمرار حركة البيع و الشراء ( و ألا يشوش أحد على أي أحد من الرعية ) و قد كانت كذبة و خداعا ( تماما كما أخذه عثمانيون العصر الحديث من الإخوان المسلمين و حماس في يناير 2011 بوعودهم الكاذبة للمصريين ) و نودي بالإبلاغ عن أي مملوك جركسي مختئبا و من لا يرشد عنه يشنق على باب داره. و ارتفع الدعاء على منابر القاهرة للسلطان العثماني سليم الأول ( أن إنصر اللهم السلطان بن السلطان مالك البرين و البحرين و كاسر الجيشين و سلطان العراقين و خادم الحرمين الشريفين الملك المظفر سليم شاه ) و هنا يقول إبن إياس نصا ( ختم العام بحرب و كدر, حصل للناس غايات الضرر, و أتاهم حادث من ربهم, كان هذا بقضاء و قدر ) و لا تعجب لو كان إبن إياس موجودا في مصر في يناير 2011 , لقال نفس الكلمات.
و في بداية العام 923 الهجري, ليسجل إبن إياس وقائع مطاردة العثانيون للمماليك ,و انتهاطهم لحقوق المصريين و القبض على أتابك العسكر الذي أصيب في معركة الريدانية و التنكيل به ثم قتله. داهم العثمانيون المدافن و الحارات و الاصطبلات و قتلوا كل من إختبأ بها و كل من إشتبهوا فيه حتى قتل بعض الأشراف ظلما و علقوا رؤوسهم على أعمدة بعد أن كثرت الرؤوس و كان الجنود يستوقفون كل من يشتبهون فيه و يقولون أنت جركسي ( إشتري نفسك من القال بشئ ) فيعطيهم من المال ما يشتري به نفسه و راحوا يداهمون بيوت النبيلات من العصر المملوكي يستولون على ثرواتهن النقدية و العينية, ( يبدو أن جنودهم في العصر الحديث لصوص كأسلافهم فقد راحوا فور دخولهم مناطق الأكراد في سوريا يسرقون الطيور المنزلية من البط و الأوز و الدجاج و قد تم تصويرهم و نشر الصور حينها )
في الثالث من محرم شق سليم الأول القاهرة من باب النصر إلى بولاق حيث أقام معسكره و يسجل إبن إياس قول سليم الأول في معسكره قبل دخول القاهرة ( غدا أدخل مصر و ألعب بالسيف في أهلها )
في الخامس من محرم من نفس العام, بعد صلاة العشاء’ باغت طومان باي بقواته سليم الأول في معسكره و معه العوام يرمون العثمانيين بالحجارة و نادى بأن من قتل عثمانيا فله ثيابه و سلاحه على أن يأتي برأسه للمعسكر و سيطر المماليك على القاهرة جزئيا ثم كر العثمانيون على المماليك و طردوهم من الجزيرة الوسطى بالنيل و من بولاق و شنوا هجوما على إحدى الزوايا في منطقة الناصرية و قتلوا كل من فيها في مذبحة مروعة. و حاول طومان باي أن يتحصن في بعض الجوامع الكبيرة و لكن رجاله كانوا ينسحبون من الخوف و بالفعل داهم العثمانيون المساجد و سيطروا على منطقة مصر العتيقة و اقتحموا قبر السيدة نفيسة و داسوا قبرها و نهبوا ما فيه ثم توجهوا لمسجد المؤيد و اعتلى قناصتهم مئذنته و فتحوا منها الرصاص على الأهالي لمنعهم من إقتحام باب زويله لمساعدة طومان باي و رجاله و استطاع البعض من الأهالئ صعود المئذنة و قتلوا القناصة.
خلال تلك الواقعة عاد الدعاء لطومان باي سلطان المماليك يرتفع على منابر القاهرة و لكن سرعان ما تسبب تخاذل جنوده عنه في هزيمته بعد ثلاثة أيام دامية مما اضطره للانسحاب من القاهرة.
إندفع العثمانيون يعيثون في القاهرة يحرقون المساجد التي كان المماليك يتحصنون بها و يقتلون كا من يقابلون من الأهالي, و قد عدد إبن إياس عدد القتلى ذلك اليوم بعشرة آلاف. داهموا الجامع الأزهرو جامع أحمد بن طولون و الحارات و البيوت و قتلوا الأهالي ظلما و كل من أسروه قتلوه ثم قطعوا رأسه و ألقوا جثته في النيل. ويشبه إبن إياس تلك المذابح بواقعة غزو الملك البابلي نبوخذ نصر لمصر غي العصور القديمة و اجتياح هولاكو لبغداد.
و أخيرا يعلن سليم الأمان و إيقاف القتال و في الواقع كان جنوده يعتدون على العوام يسرقونهم و ( يشلحون ثيابهم و يسقون عمائمهم ) في الطريق.
بينما كان سليم الأول ينظم شؤون ولايته الجديدة ونادى لالأمان للأمراء المماليك إن سلموا أنفسهم فتوجه إليه نحو 54 منهم فجمعهم ووبخهم ثم حبسهم في القلعة و كانت و صلته الأخبار أن طومان باي قد توجه إلى الصعيدز وفي هذه الأثناء وصلته رسالة من طومان باي يطلب فيها الأمان فأعد سليم سفارة من بعض القضاة المصريين السابقين لإرسالها إايه لإجابة طلبه و يبدو أنها كانت مناورة من طومان باي الذي كان يراسل بعض رجاله السابقين يحرضهم على الانضمام له و في نفس الوقت عاد يراسل سليم أن يصالحه ليعود ااحكم تحت سلطة العثمانيين كنائب عنهم أو يخرجون إليه في الجيزة في معركة فاصلة يقضي فيها الله لمن يشاء و ختم بتأكيده أنه لا يعرض ذلك خوفا من القتال ولا خشية على نفسه ( ولكن الصلح أصلح إلى صون دماء المسلمين )
تسببت الأحداث المتعاقبة في مجاعة في القاهرة و شاع أن طومان باي يمنع سفن الغلال من التوجه من الصعيد إلى القاهرة, فمال سليم لإجابة مبادرته و أرسل السفارة التي أعدها من قبل. ثم وصلت أنباء عن مهاجمة بعض العربان و الجند المماليك للسفارة و قتل البعض منهم و بدا واضحا أن تلك المراسلات لم تكن إلا مناورة من طومان باي لإعطاء نفسه الوقت لتنظيم صفوفه, غضب سليم و حمل طومان باي المسئولية و بادر بإعدام المماليك المحبوسين في القلعة و ألقى بجثامينهم في الشوارع حتر أضطرت زوجات بعضهم لرشوة الجلادين لإعطائهن جثث أزواجهن لدفنها.
وفي الثامن و العشرين من صفر بلغت العثمانيين أنباء وصول طليعة قوات طومان باي إلى الجيزة ثم كانت المعركة الأخيرة في العاشر من ربيع الأول كانت الغلبة في أولها للمماليك ولكنهم إنهاروا أمام رصاص العثمانيين فكانت الهزيمة و فر طومان باي إاى البحيرة و شق العثمانيون القاهرة بموكب في مقدمته رؤوس القتلى من المماليك و العربان من جيش طومان باي.
و أخيرا كان طومان باي قد فر إلى البحيرة لاجئا للشيخ حسن بن مرعي الذي كان قد أنقذه يوما من حبس السلطان السابق قنصوة الغوري متوقعا أن يذكرها له الشيخ الذي أقسم اه سبع مرات على المصحف ألا يسلمه لعدوه و لكن إبن مرعي غدر به و أبلغ عنه و تم القبض عليه و حملوه للسلطان سليم الذي أبقاه في الأسر سبعة عشر يوما و أشيع أنه قد ينفيه إلى مكة, كما أشيع أنه قد يجعله نائبا عنه في مصر.
بعد إنقضاء المدة أخرجوه من محبسه و ساروا به إلى باب زويلة ( وهو لا يدري ما يصنع به ) و سار يمشي و هو يلقي السلام على الناس الذين إحتشدوا بأمر العثمانيين حتى بلغ الباب فرأى مشنقة منصوبة فأدرك مصيره فالتفت للناس أن يقرأوا الفاتحة و قرأها معهم و قال للجلاد ( إعمل شغلك ) وشنقوه بعد أن إنقطع حبل المشنقة مرتين. و يختم إبن إياس بقوله ( فلما شنق و طلعت روحه صرخ عليه الناس صرخة عظيمة و كثر عليه الحزن و الأسف ) ثم راح يعدد محاسن السلطان المملوكي الأخير الذي كان في بدايات أربعينات عمره ولم يشنق من قبل سلطان غيره على باب زويلة.
تعقيب
• هل كانت مصر دولة كافرة غير مسلمة عدوا للمسلمين حتى يدعون أن إحتلال العثمانيين لمصر كان فتحا؟
• هل قام المسلمون الأوائل في فتوحاتهم بالمجازر و القتل و النهب؟
• العثمانيون أثاروا الفوضى و اقتحموا السجون أطلقوا سراج سجنائهم و المجرمون لإشاعة الفوضى و إرهاب الناس.
• دنسوا المساجد و اقتحموها و قتلوا كل من إحتمى بها و داسوا قبر السيدة نفيسة و سرقوا ما فيه, فهل كان فتحا؟
ما أشبه الليلة بالبارحة إخوان اليوم هم نفسهم عثمانيون الأمس
قاتلهم الله و شتت شملهم و حفظ الإسلام من شرورهم
المزيد من الموضوعات
الجولة الأولى للمشاورات السياسية بين مصر وجنوب أفريقيا بالقاهرة…
مجلس الوزراء يوافق خلال إجتماعة اليوم برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي علي قرارات …
استقبل الرئيس السيسي اليوم وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي بجنوب أفريقيا “رونالد لامولا”