وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

بقلم اللواء سيد نوار و ما زالت ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 أرى كثيراً من الناس ينتقدون جمال عبد الناصر

ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 

قلم اللواء/سيدنوار

و ما زالت ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 أرى كثيراً من الناس ينتقدون جمال عبد الناصر وفترة حكمه التى دامت حوالى ثمانية عشر عاما. وهئولاء ينسبون جميع أخطاء مصر إلى عبد الناصر وقراراته التى يرونها سيئة وأدت إلى كل المصائب التى نواجهها الأن. فعبد الناصر هو سبب خراب النعليم عندما جعله مجانيا، وهو صاحب دمار الزراعة لأنه أمم الأرض وقتتها وأقطعها لصغار الفلاحين، وهوصاحب دمار الصناعة لأنه أمم المصانع، وهو صاحب هزيمة 1967 وانهيار الإفتصاد بحربه فى اليمن، وهو صاحب فشل القومية العربية بانهيار الوحدة مع سوريا…ألخ.
وأرى أن الذين يهاجمون جمال عبد الناصر لم يروه أو حتى عاشوا فى عصره، بل قرأوا عنه بعد سنوات من موته، أو ولدوا فى نهاية عصره، فأصبحت أفكارهم عنه مستقاة من هنا أو هناك. والغريب أن هؤلاء عندما يهاجمون يجدون فريقا طويلا من الطبالين يهللون وراءهم دون فهم أو دراية وهم أيضا لم يعيشوا عصر عبد الناصر ولم يشاهدوا إنجازاته. بل ولقد ذهب البعض إلى نعت الرئيس عبد الناصربإبن البوسطجى ضاربا المثل بعنجهية بذيئة وتعال مقيت يدل على بعد عن الدين والتغافل عن أن الله يولى على الناس من يشاء وهو عادة ما يكون الأصلح. لقد ولى الله على بنى إسرائيل طالوت ملكا وكان سقَّاء يستقي الماءَ على حِمارٍ له. واستاء بنى إسرائيل لذلك وأنكروا عليهِ ذلكَ، إذ ليسَ فيهِ نَسَبُ المُلوكِ ولا عزهم ومالهم، وتأتى الأية وتقول” وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 247).
هذا الذى يصف الرئيس عبد لناصر بإبن البوسطجى ألا يعرف كيف يقدرالله خلقه؟ إنه يقدرهم كمنطوق الأية: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم.”
وأنا عندما أحكم على الأشياء إنما أتبع الأسلوب العلمى المبنى على الحقائق والمشاهدة والأسانيد والحجج وأيضا التجربة الشخصية، وليس على التخمين والقراءة السطحية من هنا أوهناك.
وأنا أتكلم بثقة عن عصر جمال عبد الناصرلأننى شاهد على عصره، فعندما قامت الثورة فى عام 1952 كنت قد بلغت من العمر تسع سنوات وعندما واتته المنية فى عام 1970 كنت قد بلغت من العمر سبعة وعشرون عاما. وبعد أن عشت سنوات عبد الناصر أقف وأصيح بملء صوتى إن كان رؤساء الجمهورية الذين جاءوا بعد عبد الناصر هم السادات ومبارك والسيسى، فعبد الناصر فيهم هو الزعيم.
وفى العيد المئوى لميلاد جمال عبد الناصر والعام الستة وستون لقيام ثورته أريد أن أعطيه حقه بعد أن أغتال هذا الحق بعض الناس دون فهم أو معرفة.ولقد قررت ذكر كفاح هذا الرجل عل حلقات وأبدأ بالحلقة الأولى.
الحلقة الأولى: حالة مصر السياسية والإقتصادية قبل عهد جمال عبد الناصر
يقولون أن حالة مصر قبل عهد عبد الناصر كانت أفضل كثيرا عما كانت فى عهده. وهكذا نجابه اليوم بحالة عجيبة من التزييف والتعمية لحالة مصر قبل حقبة جمال عبد الناصر، وبما أننا لا نهتم بالثقافة بإعتبارنا أمة إقرأ التى لا تقرأ فسنظل دائماً عرضة لصور من التزييف تصور كيف كانت مصر فى رخاء، شوارعها تظيفة، وطعامها رخيص ، وأن الملك كان يحب الشعب، وأنه إستسلم للرحيل دون مقاومة مؤثرا حقن الدماء مراعاة لسلامة شعبه، وأن الجنيه المصرى كان يعادل جنيه ذهب…ألخ والحقيقة غير ذلك تماما.
كانت قضية الاستقلال أولى القضايا التي شغلت الحياة السياسية في مصر في تلك الفترة، وكان الوفد هو رائد الحركة الوطنية والمطالب بالاستقلال بأسلوبه التقليدي وهو المفاوضة، ففي الفترة بين الحربين العالميتين جرت ست مفاوضات ومباحثات مع الإنجليز للحصول على الاستقلال فشلت جميعها عدا معاهدة 1936 التي وقّع عليها الوفد، وقبل فيها ببقاء القاعدة العسكرية البريطانية في مصر، فانحسر جزء من التأييد الشعبي له.
وخلال الحرب العالمية الثانية زاد تسلط الإنجليز على البلاد سياسيا واقتصاديا طبقا لما أملته المعاهدة السابقة من ضرورات الحرب، فلما انتهت الحرب تصاعدت مطالب الجلاء وإعادة النظر في المعاهدة، وفشلت حكومة السعديين وحكومة إسماعيل صدقي في تغييرها، فلجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي ليتخذ قرارا بجلاء القوات البريطانية عنها وعن السودان فلم يؤيدها إلا ثلاثة أعضاء فلجأت حكومة الوفد إلى إلغاء المعاهدة وبذلك وصلت حكومة الوفد إلى أقصى ما تستطيع في المطالبة بالجلاء.
كان النظام الملكى فاسدا واقعا تحت سيطرة الإنجليز. وتحت هذه الظروف فسدت الأحزاب في غياب نظام ديمقراطي سليم بسبب التلاعب في نتائج الانتخابات لصالح أحزاب الأقلية التي حكمت الدولة في ظل حكم الملك الذي كان يحمي عرشه البريطانيون. ومن بين الأمثلة الفاضحة لهذا الفساد كان تدخل الملك في إنهاء الحياة البرلمانية عن طريق تعليق تطبيق الدستور وحل مجلس النواب عدة مرات متتالية.
استمر الاحتلال البريطاني لمصر لأكثر من سبعين عاما واستمرتدخله فى شئون مصر الداخلية. ولم تكن هناك أية دلائل تلوح في الأفق تشير إلى احتمال جلاء بريطانيا عن مصر على الرغم من اعترافها بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة.
شهدت فترة ما قبل ثورة يوليو أزمات اقتصادية أدت إلى اضطرابات اجتماعية وعمالية، فزاد حجم الإضرابات الاقتصادية والنقابية. وفي الريف كان المشهد غريبا؛ إذ يملك 0.5% من الملاك أكثر من ثلث الأراضي الزراعية، وفي مواجهتهم أحد عشر مليونا من الفلاحين المعدمين.
وأدت الأزمات الاقتصادية إلى حدوث هزات اجتماعية فأضرب عمال الحكومة عن العمل، وأضرب المدرسون، وأضرب رجال الشرطة، وظهرت بعض القلاقل في الريف. وكانت الأزمات تحيط بالحكومات المتعاقبة ولا تجد لها مخرجا، وهو ما يدل على عدم قدرة النظام السياسي على استيعاب ما يواجهه من أزمات.
انقسم المجتمع المصري إلى طبقتين منفصلتين تماما. طبفة قليلة العدد تتكون من الزعماء الإقطاعيين. وسيطرت هذه الطبقة على ثروات الدولة. والطبقة الثانية مثلت الأغلبية الساحقة التي ضمت الفلاحين، والحرفيين، وتجار التجزئة، والعمال. كانت هذه الطبقة تتمتع بحقوق ملكية محدودة، ودخول منخفضة للغاية ولم يكن لها أى مميزات صحية أو تعليمية.
وجاءت قضية حرب فلسطين عام 1948 لتزيد حالة الاحتقان التي يعاني منها المجتمع والحركة السياسية في مصرحيث انتهت حرب فلسطين بهزيمة عانى منها الجيش والساسة عامة وازداد تدهور الأوضاع في مصر مع حريق القاهرة في عام 1952 وعجز النظام السياسي القائم عن ضبط الأمور وممارسة الحكم، وتشكلت فى الشهور الستة التالية للحريق أربع وزارات لم تكمل آخرها اليومين حتى جاءت ثورة يوليو فى عام 1952.
ويقولون أن مصرأقرضت بريطانيا مبلغـًــا ضخمـًـا يعادل الآن 29 مليار دولار أمريكى!!.. فى إشارة خادعة إلى أن الحياة أيام الملك كانت غنية مستقرة. ولمن لا يعرف فإن الديون البريطانية لمصر التى تقول الوثائق إنها 3 ملايين جنيه استرلينى، لم تكن نتيجة قوة الاقتصاد المصرى بل كانت قيمة ما حصلت عليه بريطانيا من مصر بالقوة من محاصيل وسلع وخدمات أو مقابل استخدام الأراضي المصرية أثناء الحرب العالمية أو على سبيل التعويضات التى كان من المفترض أن تؤديها بريطانيا لصالح أهالى عشرات الآلاف من المصريين الذين انـتُـزعوا من أراضيهم وساقهم الباشاوات مسلسلين فى القيـود، للاشتراك فى حروب عالمية مع الإنجليز لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فماتوا ودُفنوا خارج مصر. أجبرت بريطانية مصر في حروبها فى الخارج بإمدادها بالأفراد والعتاد، وتقديم خدمات ادارية ولوجيستية لقواتها مثل توفير ألوقود واصلاح السفن وتموينها وتصنيع الملابس وتوفير المواد الغذائية للجنود وتقديم العلاج لهم وهذا الدعم هو ما يساوي الديون التي يتحدث عنها البعض. ولم تطالب الحكومة المصرية بهذه الديون لمدة 30 عامًا قبل الثورة، وأغلق الملف بعد تأميم قناة السويس.
لقد كان الاقتصاد المصري قبل ثورة 23 يـوليو متخلفـًــا وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية، يسيطر عليه بضع عشرات، أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46% من تعداد الشعب، فى الوقت الذى كان يعمل فيه الغالبية فى وظائف دنيا ــ سُعاة وفراشين ــ وكانت آخـر ميزانية للدولة عام 1952 تظهــر عجزًا قــدره 39 مليون جنيه، فى حين كانت مخصصات الاستثمار فى المشروعات الجديدة طبقـًـا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفرًا.
لم نر قبل الثورة غير الظلم والقهر وسوء توزيع ثروات الوطن وغياب العدالة الاجتماعية، نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصرى، ومعدلات المرض حققت أرقامـًـا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية، هذا فى الوقت الذى كان فيه بذخ وسفه الملك فاروق وأسرته ووالـــدته وحاشيته مثـار حديث صحـف ومجلات العالم.
وهناك دراسة للمؤرخ الكبير الراحل د. رءوف عباس بعنوان: «الحركة الـوطنية فى مصر 1918ـ1952».. يوضح فيها: (كانت نسبة المعدمين من سكان الريف تبلغ 76% عام 1937، وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام 1952.
وكانت البروليتاريا المصرية بشقيها: الريفي والحضري من أبشع الطبقات الاجتماعية معاناة من الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في العالم الرأسمالي في نهاية العشرينيات وامتدت آثارها إلى مصر.
ويتضح من تقرير «هارولد بتلر» خبير مكتب العمل الدولي أن الأجر اليومي للعامل غير الفني في مارس 1932 كان يتـــراوح بيــن 7-12 قرشـًـــا، بينما أجر العامل الفني كان يتراوح بين 20-30 قرشـًــا، وأجـر العـامـل الحرفي بين 6-8 قروش، وبلغ أجر الحدث خمسة قروش في الأسبوع.
وتفاقمت المسألة الاجتماعية تفاقمـًــا كبيرًا، نتيجة سوء توزيع الثروات وغياب السياسات الاجتماعية.. ولا أدل على ذلك من استمرار الهبوط فى متوسط دخل الفرد من 9.6 جنيه فى العام خلال الفترة 1935-1939 إلى 9.4 جنيه خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على أساس الأسعار الثابتة أي الأسعار الحقيقية مع استبعاد عامل الارتفاع الملحوظ فى الأسعار.
إذا أمعنا النظر فى كيفية توزيع الدخل القومى لوجدنا 61% من هذا الدخل يذهــب إلى الرأسماليين وكبار الملاك.. فقـد قُـدِّر الدخل القومى عام 1954 بمبلغ 502 مليون جنيه، ذهب منه ما يزيد على 308 ملايين جنيه على شكل إيجارات وأرباح وفوائد، بينما نجد متوسط أجر العامل الزراعى فى العام لا يزيد على أربعة عشر جنيها وفق إحصاءات 1950.. وإذا أخذنا فى الاعتبار ارتفاع تكاليف المعيشة لكان الأجر الحقيقى للعامل الزراعى لا يتجاوز ثلاثة جنيهات فى العام، كما أن متوسط الأجر السنوى للعامل الصناعى لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيها، أى ثمانية جنيهات أجراً حقيقيـًــا فى العام الواحد.
ولقد كان متوسط الأجر الشهري للعامل في عام 1942 لا يتجـاوز 262 قرشـًــا فى الشهــر؛ أي أن الأغلبية الساحقة للبروليتاريا فى المدن كانت تعيش دون الحد الأدنى للكفاف بمقدار النصف تقريبًا، أما البروليتاريا الريفية فكانت أسوأ حالا.
وهكذا انقسم الشعب المصري إلى طبقتين الطبقة الأولى قليلة العدد تتكون من الزعماء الاقطاعيين وسيطرت على ثروات الدولة، والأغلبية الساحقة من الفلاحين والعمال والحرفيين وصغارالتجار محرومين من ثروات البلاد ومن الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمرافق الأساسية كالماء النظيف والكهرباء والصرف الصحي، 5. % من الملاك كانوا يمتلكون ثلث الأراضي الزراعية، 280 شخص يمتلكون 6 مليون فدان، وفي المقابل ملايين من الفلاحين المعدمين، كانت نسبة الفقر والأمية 90% من أبناء الشعب المصري، حتى قيام الثورة لم يكن بمصر إلا ثلاث جامعات .. جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً ) وفاروق الأول ( الاسكندرية ) وجامعة ابراهيم باشا ( عين شمس ) ، وتم البدء في انشاء الجامعة الرابعة في أسيوط، كان يعاني المصريون من ظلم وقهر وسوء توزيع للثروات، 45% من الشعب يعاني من البلهارسيا والتي تسببت في اصابة الكثيرين بالسرطان، نسبة المعدمين من سكان الريف عام 1952 كان 80%.
ويكمن السؤال: هل يدرك من يتغنون بالعصر الملكى أن المشروع القومى فى ذلك الوقت كان القضاء على الحفاء! نعم لقد كان المشروع القومي لمصر هو القضاء على الحفاء، فكان شعار أي حزب للحصول على الأغلبية في البرلمان لتشكيل الحكومة هو مقاومة الحفاء، وفي عيد الجلوس الملكي أعلن الديوان الملكي أن الملك تبرع بمجموعة من الأحذية للفقراء!
أم نسى الذين يتشدقون بغنى مصر قبل الثورة مشروع القرش الذى تبناه أحمد حسين وفتحى رضوان الذى كان يهدف إلى حث المواطن للمساهمة في النهوض بالحالة الاقتصادية للبلاد في ظل الفقر المدقع الذى أصاب البلاد بعد ألأزمة الطاحنة التى إجتاحت العالم فى عام 1929، وعُرفت باسم “الكساد الكبير”.
ثم تأتى حرب فلسطين فى عام 1948. كانت فلسطين حتى لعام 1914 ضمن أراضى الدولة العثمانية، وبعد أن دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى بجانب الألمان خسرت كافة أراضيها في البلاد العربية لصالح بريطانيا وفرنسا بحسب معاهدة سيفر الموقعة عام 1920 ومعاهدة لوزان الموقعة عام 1923. وكانت كل من بريطانيا وفرنسا قد وقعتا اتفاقا لتقاسم الأراضي العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى فكانت فلسطين من ضمن الأراضي التابعة لبريطانيا بحسب الاتفاق البريطاني-الفرنسي. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى خضعت فلسطين للانتداب البريطاني حتى العام 1948.
في 29 نوفمبر 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية وتدويل القدس. وبشكل عام، رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون بالاجحاف.
قررت الحكومة البريطانية إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1948 بضغط من الأمم المتحدة التي طالبت بريطانيا بانهاء أنتدابها على فلسطين.
جيشت مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية الجيوش لمحاربة الدولة اليهودية وهاجمت القوات العربية المستعمرات الصهيونية المقامة في فلسطين، واستمرت المعارك حتى تدخل مجلس الأمن التابع للأمم الدولية وفرض وقفا لإطلاق النارتضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية. وبالرغم من حظر التسليح أو إرسال أي عدد جديد من القوات لجبهات القتال فإن إسرائيل لم تلتزم مطلقاً بهذا الشرط وأخذت تسارع في تعويض خسائرها وانهالت عليها الاسلحة بصورة ضخمة خصوصا الطائرات وكذلك تطوع الكثير من يهود أوروبا للذهاب لجبهات القتال وأيضا قامت إسرائيل بخرق الهدنة للتوسع في الأراضي التي احتلتها حيث زحفت جنوباً من القطاع الشمالي بعدد كبير من القوات نحو الفالوجة التي ترابض فيها القوات المصرية لمحاولة كسب ارض جديدة وكذلك تطويق الجيش المصري لاضعاف الجبهة الجنوبية التي كانت تقترب شيئا فشيئاً من تل أبيب. وفي 8 يوليو 1948 استأنف الجيش الإسرائيلي القتال على جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة لتمديد مدة الهدنة. وعندما استؤنفت المعارك من جديد كان للجيش الإسرائيلي اليد العليا واتخذت المعارك مسارا مختلفا وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين. وانتهت المعارك بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على الجوانب المتقاتلة. قبل العرب الهدنة الثانية التي كانت اعترافا بالهزيمة ودخلت حرب فلسطين التاريخ العربي تحت اسم (النكبة).
انتهى القتال في 7 يناير 1949 بعد استيلاء الجيش الإسرائيلي على معظم منطقة النقب وتطويق القوات المصرية التي كانت مرابطة حول الفالوجة في النقب الشمالي. وبعد نهاية القتال بدأت مفاوضات في جزيرة رودس اليونانية تحت رعاية الأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر. تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع ، وفيها تم تحديد الخط الأخضر، بينما لم يوقع العراق على الهدنة، وفي 7 مارس 1949 وصى مجلس الأمن بقبول إسرائيل عضوا كاملا في الأمم المتحدة وفي 11 مايو 1949 أقرت الجمعية العامة هذه التوصية.
عانى الضابط جمال عبد الناصرهو وكل القوات المصرية المحاربة فى فلسطين، فلقد حوصرت هذه القوات وأخذت الطيران الإسرائيلى يمطر القوات المصرية المحاصرة فى الفالوجة بالمنشورات التى تطالبها بالاستسلام، ويكتب الضابط جمال عبد الناصر معلقا على ذلك ” كلام فارغ قابله الجميع بالسخرية ، فبالرغم من أننا محاصرون من يوم 16 ، وبالرغم من طلبنا تعيينات وذخيرة بواسطة الطيران ، وبالرغم من أن طلباتنا لم تجب ، ولم يلتفت إليها ، فسنقاوم إلى أخر رجل.” وأدرك جمال عبد الناصر أن ما يعانيه الجيش المصرى هو من صنع القيادة العسكرية الفاشلة وقيادة البلاد العاجزة فيكتب: ” لقد فقدنا الإيمان فى قيادة الجيش وقيادة البلاد ، هؤلاء المضللون الممثلون ، ماذا عملوا بعد أن دخلنا الحرب ؟ لا شئ “
هذه ألإرادة فى الحقيقة كانت بذور الثورة التى أينعت فى صدر جمال عبد الناصر بعد أقل من أربع سنوات من الهزيمة فى حرب فلسطين عام 1948 .
كان الإنجليز يتحكمون في توريد الأسلحة للجيش المصري، و عندما بلغ تقدم الجيش المصري في فلسطين مبلغاً مقلقاً بالنسبة لهم، رفضوا طلبات مصر بتوريد الأسلحة والذخيرة، و بدأ الجيش في الجبهة يعاني من نقص شديد في الأسلحة و الذخيرة. إضطر على أثرها أن يستخدم الأسلحة الفاسدة التى جلبت له من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فقيادة الجيش المصري اعتمدت علي سماسرة السلاح لشراء أسلحة الجيش، فجلب السماسرة أسلحة كهنة من مخلفات الأسلحة البريطانية التى كانوا يتخلصون منها فى مكان معين فى الصحراء الشرقية. و أصر الملك علي شراء الأسلحة من إيطاليا التي كانت تربطه بها علاقات قوية، و كانت النتيجة أن الأسلحة جاءت من مخلفات الحرب العالمية الثانية من مخازن الجيش الإيطالي، فكان بعضها فاسد و أدي إلي إصابات في صفوف الجيش المصري.
لقد كان جمال عبد الناصر أحد أبطال حرب فلسطين عام 1948 فقد دخلت الكتيبة السادسة من الجيش المصرى والتى كان يشغل منصب رئيس أركانها فلسطين يوم 15 مايو 1948 ، وقد أصيب بالرصاص مرة قبل حصار الفالوجة ، وقد حصل على نجمة فؤاد العسكرية لشجاعته، وكان بين أفراد القوات المصرية التى حوصرت فى الفالوجة بدء من 21 أكتوبر 1948 وأصيب خلال الحصار مرتين وكاد أن يفقد حياته.
كانت حرب فلسطين وفساد الإدارة السياسية والعسكرية المصرية وحصار القوات المصرية فى الفالوجة وهزيمتها هى والقوات العربية الأخرى هى الأسباب الرئيسية التى دعت جمال عبد الناصر للبدء فى إنشاء تنظيم الضباط الأحرار فقد رأى جمال عبد الناصر أن الحل لمأساة مصر يتلخص فى الإطاحة بنظام الحكم الفاسد الذى قاد البلاد إلى الهزيمة ، وكذلك التخلص من الاحتلال البريطانى.
لقد أدرك الضابط جمال عبد الناصر طبيعة الصراع مع العدو الصهيونى مدركا كونه جزء من الغرب مزروع فى الوطن العربى، وحزن حزنا شديداعلى مستقبل الفلسطينيين وما سيحيق بهم من جراء الهزيمة وانسحاب الجيوش العربية من فلسطين ، وقد ظل هذا الإدراك يحكم سياساته طيلة حياته فقد رفض أى حل جزئى منفرد لا يرجع للشعب الفلسطينى حقه فى أرضه المسلوبة.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp