وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

مع بداية عام هجري جديد أعاده الله على مصر دائما بالأمن و الأمان

مع بداية عام هجري جديد أعاده الله على مصر دائما بالأمن و الأمان .

قلم اللواء/ سيد نوار

نفحات و دروس مستفاده

بعد سنوات من دعوة الرسول صلى الله عليه و سلم في مكة ، جاء الإذن الرباني للهجرة نحو المدينة المنورة الشريفة ، هجرة كانت لغرس بذرة التوحيد و الإسلام في أرض طيبة الطيبة ، فكانت الهجرة النبوية مرحلة جديدة لرسم معالم دولة الإسلام
فما هي الدروس و العبر و الحكمة من الهجرة النبوية الشريفة . ؟؟
ثم لماذا كانت انطلاقة الدولةالاسلامية من المدينة و لم تكنمن مكة ؟؟ كماكان لبدايتها منمكة حكمة ، فلانطلاقها من المدينة حكمة أيضا ،
فلو أن الانطلاقة الايمانية و الدولة الإسلامية كانت في مكة ، فربما قال قائل : قوم ألِفوا السيادة ، فغضبوا لواحد منهم ، ليسودوا به الدنيا ، انه سيكون رسولا للعالم أجمع ، فلماذا لا يسودون العالم أجمع به .
و لهذا شاء الله ألا يكون انتصار الإسلام كدولة في مكة ، ليعلم الناس أن العصبية لمحمد لم تخلق الإيمان بمحمد في مكة ، و لكن الإيمان محمد هو الذي خلق العصبية لمحمد في المدينة .
تخطيط النبي لمراحل الهجرة
أن لم يكن هناك تخطيط جيد لتلك المرحلة الهامة في تاريخ المسلمين ، بجانب حماية الله لهم لما تمكن المسلمين من تنفيذ هذا الأمر كما حدث ، و قد تجلت أسس التخطيط الناجح فيما قام به رسول الله عندما قرر الهجرة ، و قد تجلى هذا في عدد من الأمور و من بينها اختيار الرفيق المناسب قبل الهجرة ، حيث أن رسول الله حينما قرر الهجرة لم يتخذ معاونا له في الطريق ، سوى أبو بكر الصديق .
التجهيزات قبل الموعد
– لم يتم تحديد موعد الهجرة قبل اتمامه بأيام مثلما نفعل نحن في العديد من الأمور ، و لكن قد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة من المدينة قبل تنفيذ هذا الأمر بشكل فعلي بأربعة أشهر ، و تم الاحتفاظ بهذا الأمر في غاية السرية ، رغبة منهم في اتمامه بنجاح .
– اعتمد رسول الله على المخادعة الحربية لضمان الهجرة بدون مفاجآت مزعجة ، و كان من بين هذه المخادعات ، حينما طلب من علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه ، بغرض ابطال رغبتهم في قتله .
دور النساء و الأطفال
– تحدث العديد من المؤرخين عن دور النساء و الأطفال في تلك الحقبة الزمنية ، بأنهم كانوا يساقوا كقطعان الأغنام في حين أن دورهم في الدين الإسلامي قد اختلف تماما ، و كان من بين النساء البارزات في هذه المرحلة السيدة عائشة و السيدة أسماء بنات أبي بكر الصديق ، و اللاتي جهزن لتلك المرحلة فهن من صنعن زواد السفر ، و يذكر أن هناك أحد الأحاديث عن لسان السيدة عائشة في هذا الصدد ، حيث قالت عن نفسها و عن أختها “فجهزناهما (أي: الراحلتان) أَحَثَّ الجَهاز (أسرعه. والجَهاز: ما يحتاج إليه في السفر)، وصنعنا لهما سُفرة (الزاد الذي يصنع للمسافر) في جِراب (وعاء يحفظ فيه الزاد ونحوه)، فقطعَتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين” البخاري.
– أما عن الأطفال فكان من أبرز الأطفال في تلك المرحلة عبد الله بن أبي بكر ، ذلك الصبي الصغير الذي كانت مهمته تتمثل في التقصي عن أخبار قريش ، و نقلها لنبي الله و صاحبه أثناء اختبائهم في غار ثور .
– كان من بين الأشخاص البارزين في تلك المرحلة الراعي عامر بن فهيرة ، الذي كان دوره أن يسلك بقطيعه الطريق الذي سار فيه النبي ، و صاحبه بغرض إزالة آثار أقدامهم من الأرض .
مقتطفات من التخطيط الجيد لرسول الله
– لم يعتمد رسول الله على الحماية الربانية فقط في التخطيط لأمر الهجرة ، و لكنه اعتمد على المهارة للتنفيذ ، فمثلا لم يقوم النبي و صاحبه بسلك الطريق المعروف ، من مكة المكرمة الى المدينة المنورة و لكنه حاول اللجوء لطرق مختلفة ، حتى لا يتمكن المشركين من تتبعه و لم يهتم بأن يكون دليله في هذا الطريق أحد المسلمين ، و لكنه اعتمد على رجل مشرك ، لكونه مؤتمنا متقنا لعمله ليرشدهم في طريقهم .
– لم يعتمد رسول الله على الاتجاه مباشرة للمدينة و لكنه اتجه صوب اليمن أولا ، ثم عاد للمدينة و أثناء ذهابه مكث في غار ثور و هو غار صعب الوصول إليه ، و قد بقي فيه بصحبة أبي بكر لمدة ثلاثة أيام ، و كان الهدف من كل هذه المدة هو إضعاف عزيمة المشركين في البحث عنهم ، فيعودا لمكة مرة أخرى و يتمكنوا هم من الخروج ، و من ثم يتمكنوا من تأمين طريق الوصول للمدينة .
أحداث الهجرة النبوية من مكة المكرمة للمدينة:
منذ أن بدأت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، برسالة الإسلام العظيمة و قد بدأ التعرض لكافة أشكال التعذيب ، و الإيذاء من المشكرين الرافضين لدعوة الله و ذلك لأنهم كانوا يدركون أن الصلاح ضد أفعالهم ، و ضد مصالحهم الشخصية و أن المساواة و الرحمة التي نادى بها الإسلام تتعارض مع رغباتهم و هنا كان صمود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة للإسلام هو السبيل للقدرة على نشرها .
أسباب هجرة الرسول للمدينة المنورة
1. كان أول أسباب الهجرة تتمثل في رفض أهل قريش ، الذين كانوا يقيموا في مكة المكرمة ، لنشر الدعوة الإسلامية و شعائرها ، و على الرغم من الأسلوب اللين الذي كان يتعامل به معهم ، كانوا يقابلوا تلك المعاملة الحسنة بالسوء و التعزيب و المهانة ، و قد صبر النبي الكريم على ذلك ، حتى جاء أمر الله بالانتقال إلى المدينة كمكان آمن للنشر ، و كان أفضل مكان لذلك هو المدينة المنورة .
2. كانت المدينة المنورة أفضل مكان لنشر الدعوة الإسلامية ، و خصوصا بعد مبايعة النبي في المرتين .
3. كان من ضمن أهم الأسباب التي دعت لذلك أيضا ، الاتساع في نشر الدعوة الإسلامية .
بعض التفاصيل عن هجرة الرسول
– بعد أن تم تحديد يوم هجرة الرسول إلى المدينة المنورة ، كان الاتفاق على أن يخرج النبي و بصحبته ، أبو بكر الصديق .
– علم أهل مكة ذلك ، فأعدوا مكيدة للإيقاع بالنبي و قتله ، على أن ينتظره أما البيت ، مجموعة من الرجال من كل قبيلة ، و يقوموا بقتله ، و هنا كانت أولى تجليات حفظ الله لنبيه الكريم ، حيث نام على بن أبي طالب بدلا من النبي صلى الله عليه وسلم ، و خرج النبي من أمامهم و لم يروه و هو يردد أيات وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ، فتمكن من الخروج .
– بعدها خرج النبي مع أبو بكر الصديق من مكة ، و لبثا في غار ثور ، و هنا كان يتبعهم أهل مكة من أجل الفتك بالنبي ، و تجلت قدرة الله في حماية رسوله الكريم ، حيث أرسل عنكبوت لينسج خيوطه على باب الغار ، و حمامتين ، لتضعا بيضهما أمام بابه ، مما جعل من يتبعوه يضلوا الطريق ، و لم يتمكنوا من الوصول له ، و هنا نزلت آية كريمة لتشرح ذلك في قوله تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “، (سورة التوبة).
الوصول للمدينة المنورة
و هنا وصل النبي للمدينة المنورة ، و التي استقبله أهلها استقبالا حافلا ، حيث خرجوا محتفلين به و بقدومه .
بعد ذلك قام الرسول صلى الله عليه و سلم ، بعمل العديد من المعاهدات مع أهل المدينة من النصارى ، بأن يشاركوا أهل مكة بممتلكاتهم و منازلهم و حياتهم ، و قد تم ذلك و تاعيش كلا من أهل مكة و أهل المدينة كالأخوة في طاعة الله و رضاه .
و استطاع النبي أن يأمن شر اليهود ، و النصارى وقتها بإقامته لعدد من المعاهدات معهم ، و التي تمكن من خلالها من العيش معهم دون أذى .
الرجوع لمكة المكرمة :
كانت مكة على الرغم من إيذاء أهلها للنبي ، إلا أنها كانت محببة لقلبه ، و بعد أن قويت شوكة المسلمين و تمكنوا من نشر دعوتهم ، استطاعوا فتح مكة ، و دخلها النبي مجددا دخول الفاتحين و أخذ يتلف في الأصنام المحيطة بالكعبة .
الدروس المستفادة من الهجرة النبوية :
لا شك أن للهجرة دروس لا تُحصى ولا تُعَدُّ، ومن المستحيل أن نحيط بها كلها، ولكننا نشير هنا إلى بعض تلك الدروس، عسى الله تعالى أن ينفعنا بها، وأن يكتب لنا بها الأجر:
أولًا: الأخذ بالأسباب:
لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يُعِدُّوا ما يستطيعون، وما فوق الاستطاعة ليس مطلوبًا منهم {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} . لكننا نلاحظ أن الخطة قد حدث فيها بعض الثغرات الخارجة عن حدود التخطيط البشري، فالمشركون قد وصلوا إلى بيت الرسول قبل الموعد الذي كان يظنه، ويرتب خطته على أساسه، والمطاردون وصلوا إلى باب غار ثور، وسراقة بن مالك استطاع أن يصل إلى النبي وصحبه، وبريدة الأسلمي وقومه وصلوا للرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن الدرس هنا أنك إذا قمت بما عليك وأخذت بما تستطيع من أسباب، فإن الله تعالى سيكمل لك ما يحدث من نقص خارج عن إرادتك؛ لذا أغشى الله تعالى عيون المشركين أمام بيت الرسول فلم يروه وهو خارج، ولم يجعلهم يلقون نظرة واحدة داخل الغار حتى لا يروا حبيبه صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأساخ أقدام فرس سراقة في الرمال وألقى الرعب في قلبه، وشرح صدور بريدة وقومه للإسلام فآمنوا وقد خرجوا مشركين فعادوا مسلمين.
ثانيًا: الاعتماد على الله:
لم يعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم على الأسباب وترك رب الأسباب، حاشا لله، إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله تعالى، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله تعالى سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة: “مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”.
وظهر ذلك -أيضًا- في أنه لم يكن يكثر الالتفات في الطريق، فقد أدَّى ما عليه، وما أراد اللهُ تعالى واقع لا محالة. وبدون هذا اليقين لا يمكن للدولة المسلمة أن تقوم.
ثالثًا: الأمل والثقة في النصر:
لم يفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته، حتى في هذه الرحلة الخطرة، وهو يخرج من مكّة بهذه الطريقة، وهو مطلوب الرأس، لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه، إذا به يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة، “كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى”.
رابعًا: حرص رسول الله على الصحبة:
رأينا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مراحل حياته، وفي كل خطوات دعوته على مسألة الصحبة، عاش حياته في مكّة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل تعالى عن صاحبه في الهجرة، كل هذا، وهو من هو، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كل الناس يحتاج إلى صحبة، وهو يعلمنا أن نبحث دائمًا عن الصحبة الصالحة، لقد سطَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة إسلاميّة أصيلة: “الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ”.
وقد طبَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة في حياته هو شخصيًّا، مع أن الشيطان ليس له سبيل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنذ أن شقّ صدره وقد أخرج من قلبه حظ الشيطان، وأعانه الله تعالى على الشيطان فأسلم فلا يأمره إلا بخير، ومع ذلك يحافظ على الصحبة، يعلمنا ويهدينا ويرشدنا صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: رسول الله.. القائد القدوة:
يضح لنا في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم صلى الله عليه وسلم كان يعيش معاناة شعبه، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات، كان من الممكن أن ينقل الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة بالبراق الذي نقله في لحظة من مكّة إلى بيت المقدس، ولكن أين القدوة في ذلك؟ وأين الأسوة؟ لا بد للمسلمين من طريق عملي لبناء الأمة، طريق في مقدور عموم المسلمين، ولا بد أن يسير في هذا الطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم كل المعاناة والتعب.
سادسًا: الدعوة في كل مكان وزمان:
رأينا كيف أن الدعوة في دمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يضيع فرصة، ولا يرتبط بظرف، يدعو كل من يستطيع، رأيناه كيف دعا إلى الإسلام بريدة وأصحابه من قبيلة أسلم ولم يكن همّه الرئيسي كيف يبحث عن وسيلة للهرب من بريدة، بل اعتبر أن الله تعالى قد ساق له الرجل وقومه هدية وعطية ونعمة وأجر جزيل، وثواب لا يقدر، فكيف يضيع فرصة كهذه؟!
سابعًا: استعداد الصّدّيق للعمل لله تحت أي ظرف:
رأينا في هذه الرحلة استعداد الصّدّيق رضي الله عنه للعمل لله تحت أي ظرف، وفي كل زمان ومكان، القضية في منتهى الوضوح عند الصّدّيق، أهم شيء في حياة الصّدّيق رضي الله عنه هو أن يرضي الله تعالى ورسوله، ولا ينبغي أن يطلبه الله تعالى في مكان فلا يجده، ولا ينبغي أن يريده الرسول صلى الله عليه وسلم في عمل فلا يجده، ليس هناك في حياته مكان لكلمة (الظروف)، بل كان يعتذر لكل ظرف يطرأ على حياته بأن عنده ظرفًا أعظم، وهو العمل والبذل والتضحية والجهاد في سبيل الله تعالى.
ثامنًا: حب الصّدّيق لرسول الله:
رأينا كيف يحب الصّدّيق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا ينتظر أمرًا ولا طلبًا، إنما يجتهد في إتقان حبِّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يجهز له راحلة، يبكي من الفرح لصحبته، ينظف له الغار، يسير أمامه وخلفه حماية له، وغير ذلك من المواقف التي ذكرنا بعضها ولم نذكر أكثرها.
إنه يحب الرسول صلى الله عليه وسلم بإخلاص، وحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من فضائل الأعمال بل هو من الواجبات، ومن قدم حبًّا على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على خطر عظيم، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”. وفي رواية النسائي: “مِنْ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.
تاسعًا: بذل وعطاء الصّدّيق للدعوة:
رأينا بذل الصّدّيق وعطاء الصّدّيق وإنفاق الصّدّيق رضي الله عنه، يأخذ خمسة آلاف درهم، هي كل ما يمتلك لينفقها على دعوته، وقبلها أنفق خمسة وثلاثين ألف درهم في سبيل الله، وسيظل ينفق في المدينة، وسيظل ينفق وهو خليفة، وسيظل ينفق وهو على فراش الموت، لقد اشترى الجنة رضي الله عنه، وحق لرجل له مثل هذه الصفة أن يرضيه الله تعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرضى}
عاشرًا: جهد الداعية مع أهل بيته وعشيرته:
شاهدنا في قصة الهجرة أمرًا لا بد أن نقف معه وقفة، أرأيتم كيف استعمل الصّدّيق رضي الله عنه عائلته كلها في سبيل الله؟ أرأيتم كيف استعمل عبد الله ابنه في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء ابنته في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة مولاه في إخفاء آثار الأقدام؟
نفحات من هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم
لقد نقل الصّدّيق رضي الله عنه حبّه لهذه الدعوة إلى عائلته وأهله، بعض الدعاة -للأسف- يعانون من مرض العزلة عن عائلاتهم، تجد لهم نشاطًا عظيمًا في خارج بيته، ثم هم لا يُشركون أقرب الأقربين إليهم في العمل لله تعالى، لا يحرصون على أن يذيقوهم من حلاوة الإيمان التي أحسوا بها، هذا غياب كبير للفهم، وضياع هائل للأولويات، تعلموا من الصّدّيق، وتذكروا: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
بهذه الهجرة السعيدة الناجحة تمت مرحلة مهمة، بل مهمة جدًّا من مراحل السيرة النبويّة، تمت المرحلة المكيّة بكل أحداثها وآلامها ومشاكلها، إنها مرحلة ذات طابع خاص بل وخاصٍّ جدًّا، بدأ الإسلام فيها غريبًا، واستمر غريبًا إلى قرب نهايتها، إلى أن آمن الأنصار رضي الله عنهم، ورضي الله عن المهاجرين، وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين.
كان الاهتمام الرئيسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة أن يبني الجانب العقائديّ عند الصحابة، لا يؤمنون بإله غير الله، لا يتوجهون بعبادة لأحد سواه، لا يطيعون أحدًا يخالف أمره، يتوكلون عليه، ينيبون إليه، يخافون عذابه، يرجون رحمته، إيمان عميق برب العالمين، وإيمان برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وبإخوانه من الأنبياء والمرسلين، واعتقاد جازم بأن هناك يومًا سيبعث فيه جميع الخلائق، سيقوم فيه الناس لرب العالمين يحاسبون على ما يعملون، لن يظلم في ذلك اليوم أحد، لن تغفل الذرة والقطمير، إنها والله إما الجنة أبدًا أو النار أبدًا.
وإلى جانب العقيدة الراسخة، فقد تعلم المؤمنون في هذه المرحلة الأخلاق الحميدة، والخصال الرفيعة، هُذِّبَت نفوسُهم، وسَمتْ أرواحهم، وارتفعوا عن قيم الأرض وأخلاق الأرض وطبائع الأرض، إلى قيم السماء وأخلاق السماء وطبائع السماء، لقد نزل الميزان الحق الذي يستطيع الناس به أن يقيِّموا أعمالهم بصورة صحيحة، وعرف المؤمنون في هذه المرحلة أن الطريق الطبيعيّ للجنة طريق شاقّ صعب، مليء بالابتلاءات والاختبارات، ما تنتهي من امتحان إلا وهناك امتحان آخر، تعب كلها الحياة، والله يراقب العباد في صبرهم ومصابرتهم وجهادهم، ولن يُستثنى أحد من الاختبار، ويُبتلى المرء على حسب دينه.
ومع كون المرحلة بكاملها كانت عبارة عن فقرات مختلفة من الإيذاء والتعذيب، سواء على الروح أو على الجسد، إلا أنها كانت لا تخلو من سعادة، بل كانت كل لحظاتها سعيدة، لكن ليست السعادة الماديّة الحسيّة التي يجدها الناس في طعام أو شراب أو شهوة، إنما سعادة الروح والقلب، سعادة الطاعة لله تعالى، سعادة الأنس بالله تعالى، سعادة الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سعادة الصلاة ومناجاة الله تعالى، سعادة الأخوة والألفة بين المؤمنين، سعادة الدعوة إلى الله تعالى، سعادة الثبات أمام كل فتن الدنيا؛ سواء في الجسد أو في الهجرة أو في أنواع الإغراءات بالمال أو بالنساء أو بالسلطة، سعادة عظيمة، وأيّ سعادة.
الوطنية في الإسلام من دروس الهجرة النبوية :
إن الوطنية التي تستمد في أصلها من تعاليم الإسلام يكون هدفها تقوية الروابط بين أفراد الوطن الواحد، وإرشادهم إلى توظيف هذه الروابط بما يضمن مصالحهم المشروعة ومصالح إخوانهم في الأمة الإسلامية. وحب الفرد لوطنه أمر مطبوع في النفس الإنسانية ، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: “ما أَطْيَبَكِ من بلدٍ ! وأَحَبَّكِ إليَّ ! ولولا أن قومي أَخْرَجُونِي منكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ”. حتى أن بلال ـ رضي الله عنه ـ بعد أن ضحى بكلِّ شيء في سبيل عقيدته الإسلامية ودينه، كان يهتف بعد الهجرة بالحنين والشوق إلى مكة في أبيات تقطر حلاوة: “وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل”.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp