وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

صورة وحكايات … مهمة

بقلم: اللواء سيد نوار

عن أخي و صديقي. دفعتي فنية عسكرية…..

لواء مهندس إسماعيل الغيطاني أخو الأديب جمال الغيطاني

أنا وجمال الغيطاني …

صورة وحكايات …مهمة

في اغسطس 2015 دخل استاذي جمال الغيطاني في غيبوبة في مستشفى الجلاء ….يمنحني اخي وصديقي دكتور عز الدين هيكل فرصة زيارة الأديب الغائب لدقائق…حادثته وكأنه مستمع..ودعته في وعكة قال الجميع انها الاخيرة..تذكرت معه يوم ان قلنا سويا في مايو 2012 جيشنا ليس بعسكر في حوار شرفت به على قناة اون تي في. ثم كان هذا المقال في 20 اغسطس 2015 عن ….جمال الغيطاني

 جمال الغيطاني…شاب عاش ألف عام

كغيري أنا من العاشقين لأدبه، المفتونين باستغنائه، المتطلعين لفكره. أقرأ الزيني بركات وحكايات الخبيئة و حكايات المؤسسة ودفاتر التدوين، ولا أعلم أن يوماً سيربطني القدر باسم ذلك الأديب… جمال الغيطاني.

كانت البداية في علاقتي به حينما ذهبت لإجراء حوار صحفي معه في العام 2009 بمكتبه بأخبار الأدب. حيث لفت نظري ذلك العالم الخاص الذي يهيمن على طقوس حياته. لا في دنيا الكتابه وحسب ولكن فيما يتعلق برحلته في عالم الأدب المقترن لديه بفكرة “الزمن”. ليكون المُتسائل دوماً:”ماذا يحدث لو لم يكن ما كان؟”. تربطه بالزمن أفكار العتاقة و عشق التراث أيا كان منبعه. تنضح روحه بالحيوية فيحدثك في الموسيقى والصوفية و تصميم سجاد بخارى. يسدل الأفكار على كلماته فتخرج رشيقه منمقة نادرة. يحكي في الأدب والسياسة والعلم والفلسفة بعمق العالم. لا تعبث بذاكرته أفعال الزمن فيواصل السرد ببراعة دون أن تتوه منه التفاصيل.

يومها حكى عن الكثير وتجاوزت جلستنا زمن الحديث. بدءاً من جهينة قريته التي ولد بها في صعيد مصر وتعد قبلة الحنين في مسيرته. قال لي عنها:” هي الركن الذي أتذكره وقت الوحشة، وأستعيده في لحظة الاغتراب”. لا زال قابعاً بوجدانه في زمن الجمالية العتيق بالقاهرة حيث نشأ بين مدارك تكونت عبر قراءة قصص الخيال والبطولات ليصنع من تاريخها عالمه الخاص به إلي حد المعايشة لما يقرأ، وسؤال يتوالد بداخله منذ طفولة بسيطة مفاده:”أين ذهب الأمس؟”.

سألته يومها كيف سلك عالم الكتابة فأجابني:” جئت للعالم أديباً، لم يعلمني أحد الأدب، ساعدتني ذاتي علي اكتشاف ذاتي”. حقيقة تلك، فهو من جاء للعالم أديباً لم يدرس الأداب أو اللغات أو الفلسفة، ولكنه -لضيق ذات اليد- درس صناعة السجاد بمدرسة الفنون والصنايع وتخصص في السجاد “البخاري”. لتمنحه تلك الدراسه عالماً آخر فوق عوالمه الأخرى وحكاية هائمة من حكايات عمره. فيعرف تاريخ العرب وقصصهم من صناعة السجاد العربي ووحداته الزخرفيه التي تحمل كل منها معني. ويدخله عالم الصحافة ليوميات الجيش المصري في حرب الاستنزاف وأكتوبر 73. فيختلف مع الرؤساء ويؤمن بالجيش.

 

تتوطد العلاقة بيننا في عالم الصحافة ويمنحني الكبير شرف المتابعة، حتى توليت إدارة النشر الثقافي “بنهضة مصر” فيترك لي مهمة إصدار كتبه ورواياته ومجموعاته القصصية. يأتي ونتناقش ونفكر في الأغلفة والإخراج الفني للكتاب. يجلس بتواضع ويستمع ويثني ويراجع ويفرح بنشر الكتاب فرحة شاب بأول إصداراته. يصر على ألا تقتصر إصداراته على تجديد ما مضى. فيكتب بدأب مسابقاً الزمن تلك الفزورة التي لم يستطع سبر أغوارها رغم محاولاته. يقلقني ذلك المجهود في الكتابة فأطلب منه التأني. فيجيبني بقوله:” لم يعد في العمر الكثير أريد للكتابة ان تبقى”. يمنحني من ابداعه مجموعته القصصية “يمام” فنصدرها في شهر ديسمبر الماضي ونحتفل بها في “ديوان”. يرسل لي بعدها رائعته الأخيرة “حكايات هائمة” فأطير بها وننشرها قبل عيد مولده السبعين في مايو الماضي ونحتفل بها وبه في الأوبرا.

يغضب مني حين لا يستطيع الوصول لي على الهاتف فأعتذر لانشغال أو طاريء، فيبرر الغضب بأنه صعيدي. فأقبل رأسه معتذره فيضحك قائلاً:”بأزعل عشان مش بتردي عليه”. أسمع خبر مرضه فأظن في البدء انها وعكة طارئة سيقاومها كعادته ليفيق منها ويواصل لعبته مع الزمن. ولكنها لم تكن…تهزمه تلك المرة أيام عمره التي فاقت ألف عام… تجهده خبرات السنين وحكاياتها الهائمة في عقله. أنظر له وأنا على يقين أن مثله لا يعيش ألف عام…بل ألف ألف عام.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp