كتبت دينا شرف الدين في 11 أبريل 1938، شهدت دوار المأذون محمود الأبنودى بقرية أبنود الصغيرة بمحافظة قنا مولد طفل أسمر نحيل، لم يكن محمود أو فاطمة يعلمون أن هذا الـ«عبدالرحمن» سيكون أشهر شعراء العامية في العالم العربى. فاطمة قنديل أو «فاطنة» كما يناجيها في شعره كانت سجلاً لكل أشعار القرية وطقوسها، وكذلك كانت الجدة «ست أبوها»، واعتبر الأبنودى نفسه محظوظاً لأنه عاش مع هاتين المرأتين، أما الأب الذي كان مأذوناً وشاعراً، فلم يتحمل في ذلك الوقت ما يكتبه ابنه فمزق ديوانه الأول «حبة كلام».
وبعد سنوات انتقل «عبدالرحمن» إلى مدينة قنا وتحديداً شارع بنى على، وهنا بدأ يستمع إلى أغانى السيرة وتأثر بها، وبعد فترة أرسل عبدالرحمن الأبنودى مجموعة من قصائده بالبريد إلى صلاح جاهين، فلم يكتف الأخير بتخصيص عموده في «الأهرام» للشاب الجنوبى، بل أرسل قصيدتين له إلى الإذاعة ليبدأ تلحينهما وهما «بالسلامة يا حبيبى» لنجاح سلام، و«تحت الشجر يا وهيبة» لمحمد رشدى.
وفى مطلع الستينيات هبط القاهرة مع رفيقيه أمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله وكان الثلاثة لديهم قناعة بضرورة «غزو المدينةــ القاهرة» التي كانت أشبة بـ«النداهة»، تدعو كل صاحب كلمة وقت الثورة.
وفى القاهرة التحق بأحد التنظيمات الشيوعية، فألقى القبض عليه عام 1966، وفي السجن اكتشف أن «الشيوعية ليست طريقًا لتحقيق الذات أو تقديم خير إلى الفقراء»، وجاءت النكسة ليرى كل الأحلام تنهار فكتب لعبدالحليم حافظ «المسيح» و«عدا النهار»، ثم ذهب إلى الجبهة وهناك كتب يومياتها في ديوانه «وجوه على الشط وفى تلك المرحلة وفر له إعجاب الرئيس عبدالناصر بأعماله، خاصة القصيدة التي كتبها في رثاء عبدالمنعم رياض وأغنية عدا النهار وغيرها حماية من بطش «زوار الفجر» وبعد انقلاب السادات بدأ التضييق الأمنى على الأبنودى الذي رفض «أمن الدولة» سفره إلى تونس ليستكمل مشروعه في جمع الهلالية واتصل به أحد الضباط يفاوضه على السفر مقابل «كتابة تقارير عن زملائه»، فرفض.
كانت أكثر ذكرى تزعجه من تلك الفترة «شائعات الرفاق الثوريين» حوله وخرج الأبنودى من مصر واختار لندن منفى اختياريا لثلاث سنوات، أنهاها عبدالحليم مستخدما «سلطته» في السماح له بالدخول إلى مصر.
واعتقد السادات أن الأبنودى سيكون صوته، فأعلن رغبته في تعيينه «وزيرا للثقافة الشعبية» لكن اتفاقية «كامب ديفيد» ألهمت الشاعر قصيدته الشهيرة «المشروع والممنوع» وهى أقسى نقد وجه إلى نظام السادات، وبسبب هذا الديوان جرى التحقيق مع الأبنودى أمام المدعى العام الاشتراكى بموجب قانون سمى «حماية القيم من العيب»، وحين كان الأبنودى في أبنود في سياق جهده لجمع السيرة الهلالية جاءته مكالمة من الإذاعة، من أحمد سعيد وعبدالحليم حافظ ووجدى الحكيم، وعاد الأبنودى وأثناء الرحلة التي تزيد على 12 ساعة كتب تلك الأغنيات التي صارت أغنيات الحرب فيما بعد.
ومن أشهر أعمال الخال الأبنودى: الأرض، والعيال والزحمة، وجوابات حراجى القط، والفصول، وأحمد سماعين، وبعد التحية والسلام، ووجوه على الشط، وصمت الجرس، والمشروع والممنوع، والمد والجزر، والأحزان العادية، والسيرة الهلالية، والموت على الأسفلت، وسيرة بنى هلال بأجزائها الخمس، والاستعمار العربى. ومن الأغانى الأخرى التي كتبها لعبدالحليم: أحلف بسماها وبترابها، وابنك يقول لك يا بطل، وأنا كل ما أقول التوبة، وأحضان الحبايب. ومما كتبه لمحمد رشدى: تحت الشجر يا وهيبة، وعدوية، ووسع للنور، وعرباوى. ولفايزة أحمد: يمّا يا هوايا يمّا، ومال على مال ولنجاة الصغيرة عيون القلب، وقصص الحب الجميلة. ولشادية: آه يا اسمرانى اللون، وقالى الوداع، وأغانى فيلم شىء من الخوف الذي كتب حواره أيضا.
وكتب لصباح: ساعات ساعات ولوردة الجزائرية طبعًا أحباب، وقبل النهاردة. ولماجدة الرومى: جايى من بيروت، وبهواكى يا مصر. ولمحمد منير: شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرنى، من حبك مش برىء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبى مايشبهنيش، يا حمام، يا رمان. كما كتب حوار فيلم الطوق والإسورة وأغانى فيلم البرىء.
ومنذ ثورة 25 يناير والخال يواصل عطاءه شعرا شاهدا وموثقا لها بنصه ومبشرا وفاضحا الزيف والانتهازية، ويعد شعر الخال في أحد روافده توثيقاً لقاموسنا اللغوى الجنوبى الغنى، وأرخ لعذابات الجنوب عبر يوميات شعرية لأحد المواطنين المطحونين في «جوابات حراجى القط» وكتب الكثير من النصوص عن القضية الفلسطينية وعن ناجى العلى في «الموت على الأسفلت»، وكتب قصيدته الإشكالية «الدايرة المقطوعة» التي تطالب النخبة بالنزول إلى رجل الشارع، غير عمله التوثيقى العملاق «السيرة الهلالية» الذي جاب في سبيل توثيقه صوتيا وكتابيا كل ربوع مصر، وكان الأبنودى أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية في ٢٠٠٠، كما حصل على جائزة الشاعر الفلسطينى محمود درويش، وجائزة النيل، وكانت قصائده المتتابعة منذ اندلاع ثورة 25 يناير ومن بعدها 30 يونيو توثيقا وتأريخا وشاهدا ونصا لصيقا بالثورة ومحذرا صانعيها من اختطافها من قبل الانتهازيين من سارقى النار المقدسة، ومبشرا بغد أروع لمصر رغم كيد الكارهين.
كانت «المصري اليوم» احتفلت مع الخال بعيد ميلاده السادس والسبعين، 10 أبريل 2014، وأجرت معه حوار مطولا على صفحتين في النسخة الورقية جاء تحت عنوان «الأبنودي في عيد ميلاده الـ76: السيسي أنقذ مصر بمذبحة مماليك غير دموية. وتوفي الخال «زى النهارده» في 21 أبريل 2015.
المزيد من الموضوعات
اسعار الصرف للجنيه المصري محول العملات
اسعار العملات اليوم في مصر
درجات الحراره المتوقعه اليوم في مصر