وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

منظمة الصحة العالمية تسلط الضوء على ضرورة إحداث نقلة نوعية في الصحة النفسية ورعايته

منظمة الصحة العالمية تسلط الضوء على ضرورة إحداث نقلة نوعية في الصحة النفسية ورعايته
كتبت ريم عبد الخالق
وسيط اليوم
25/6/2022
أصدرت منظمة الصحة العالمية اليوم أكبر استعراض للصحة النفسية العالمية منذ مطلع القرن. ويتيح هذا المصنف التفصيلي مخططاً أولياً للحكومات والأوساط الأكاديمية وأخصائيي الصحة والمجتمع المدني وغيرهم، بهدف دعم العالم في إحداث نقلة نوعية في مجال الصحة النفسية.

وفي عام 2019، بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية حول العالم مليار شخص، من بينهم 14% من مراهقي العالم. وكان الانتحار السبب وراء أكثر من وفاة واحدة من كل 100 وفاة، في حين تركزت نسبة 58% من الوفيات الناجمة عن الانتحار بين أشخاص تقل أعمارهم عن 50 عاماً. وتشكّل الاضطرابات النفسية السبب الرئيسي للإعاقة، حيث تقف وراء سنة واحدة من كل ست من سنوات العيش مع الإعاقة. ويموت الأشخاص المصابون باضطرابات صحية نفسية شديدة قبل عموم السكان بما معدله 10 سنوات إلى 20 سنة، بسبب أمراض بدنية يمكن الوقاية منها غالباً. ويشكّل الاعتداء الجنسي والتعرّض للتنمر في مرحلة الطفولة سببين رئيسيين للاكتئاب. كما تشكّل عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية وطوارئ الصحة العامة والحرب وأزمة المناخ تهديدات هيكلية عالمية للصحة النفسية. جائحة كوفيد-19 تسبب زيادة بنسبة 25% في معدلات انتشار القلق والاكتئاب في العالم .

وتتفشى ممارسات الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان ضد الأشخاص المصابين بحالات الصحة النفسية في المجتمعات المحلية ونُظم الرعاية في كل مكان، حيث لا تزال محاولات الانتحار تعدّ جريمة في 20 بلداً. وفي مختلف البلدان، تتعرّض الفئات الأفقر والأكثر حرماناً في المجتمع لمخاطر اعتلال الصحة النفسية أكثر من غيرها في حين تتدنى أيضاً فرص حصولها على الخدمات الملائمة والكافية على الأرجح.

وحتى قبل جائحة كوفيد-19، لم تكن خدمات رعاية الصحة النفسية الفعالة والجيدة والميسورة التكلفة متاحةً إلا لنسبة صغيرة ممن يحتاجون إليها. فعلى سبيل المثال، تفتقر نسبة 71% من المصابين بالذهان حول العالم إلى خدمات الصحة النفسية. وفي حين تصل نسبة المصابين بالذهان الذين يتلقون العلاج في البلدان المرتفعة الدخل إلى 70%، فإن النسبة المقابلة لها في البلدان المنخفضة الدخل لا تتجاوز 12%. أما بالنسبة للاكتئاب، فإن الفجوة في التغطية العالمية واسعة في جميع البلدان، فحتى في البلدان المرتفعة الدخل لا يحصل على خدمات رعاية الصحة النفسية الرسمية سوى ثلث المصابين بالاكتئاب، وتشير التقديرات إلى تفاوت نسب من يتلقون علاجاً مناسباً في الحد الأدنى للاكتئاب بين 23% في البلدان المرتفعة الدخل و3% في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ويستند تقرير المنظمة الشامل إلى آخر البيّنات المتاحة، ويعرض أمثلة على أفضل الممارسات، ويعكس التجارب الحقيقية للأشخاص، مسلطاً الضوء على كيف وأين يلزم إحداث التغيير وأفضل السبل لتحقيقه. كما يدعو أصحاب المصلحة إلى العمل معاً لتعميق القيمة المعطاة للصحة النفسية وترسيخ الالتزام بها، وإعادة تشكيل البيئات التي تؤثر عليها وتعزيز النُظم التي تقدم الرعاية لصحة الأفراد النفسية.

وفي هذا الصدد، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، إن “حياة كل أحدٍ تلامس حالة الصحة النفسية لشخص ما. والصحة النفسية الجيدة تنعكس في الصحة البدنية الجيدة، وهذا التقرير يقدم أدلة دامغة على ضرورة إحداث التغيير. فالروابط الوثيقة بين الصحة النفسية والصحة العامة وحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية الاقتصادية تعني أن إحداث تحوّل في سياسات وممارسات الصحة النفسية من شأنه أن يعود بمنافع جوهرية حقيقية على الأفراد والمجتمعات المحلية والبلدان في كل مكان. فالاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار في حياة أفضل ومستقبل أفضل للجميع”.

وقد صادقت جميع الدول الأعضاء، وعددها 194 دولة، على خطة العمل الشاملة للصحة النفسية 2013-2030، التي تلزمها بغايات عالمية لإحداث تحوّل في الصحة النفسية. ويدلّ التقدم الذي أُحرز في بعض الأماكن خلال العقد الماضي على إمكانية إحداث هذا التغيير. غير أن التغيير المنشود لا يحدث بالسرعة الكافية ولا تزال الصحة النفسية تشكو من العوز والإهمال، حيث يُخصص 2 من كل 3 دولارات من الإنفاق الحكومي الشحيح على الصحة النفسية لمستشفيات الطب النفسي القائمة بذاتها، بدلاً من إنفاقها على خدمات الصحة النفسية المجتمعية التي تقدم للأفراد خدمات أفضل. وما زالت الصحة النفسية من أبرز مجالات الصحة العامة المهملة منذ عقود من الزمن، إذ لا تحظى سوى بقدر ضئيل من الاهتمام والموارد التي تحتاجها وتستحقها.

ووجّهت ديفورا كيستل، مديرة الصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان، نداء من أجل التغيير قائلةً “لدى كل بلد فرصة سانحة لإحراز تقدم ملموس نحو النهوض بالصحة النفسية لسكانه. وسواء كان ذلك من خلال وضع سياسات وقوانين أقوى في مجال الصحة النفسية، أو إدراج الصحة النفسية في مخططات التأمين الصحي، أو استحداث خدمات الصحة النفسية المجتمعية أو تعزيزها، أو إدماج الصحة النفسية في الرعاية الصحية العامة والمدارس والسجون، فإن الأمثلة العديدة التي يسردها هذا التقرير تُظهر أن التغييرات الاستراتيجية من شأنها أن تحُدث فرقاً كبيراً”.

ويحث التقرير جميع البلدان على تسريع وتيرة تنفيذ خطة العمل الشاملة للصحة النفسية 2013-2030. ويقدم توصيات عديدة للعمل مصنفة ضمن ثلاثة “مسارات للتحوّل” ينصبّ تركيزها على إحداث نقلة نوعية في المواقف من الصحة النفسية، والتصدي للمخاطر التي تواجه الصحة النفسية، وتعزيز نُظم رعايتها. وتتمثل مسارات التحوّل الثلاثة في التالي:

1- تعميق القيمة التي نعطيها للصحة النفسية وترسيخ الالتزام بها. ويشمل ذلك على سبيل المثال ما يلي:

– زيادة الاستثمارات في الصحة النفسية. ولا يقتصر ذلك على تأمين الأموال والموارد البشرية المناسبة في قطاع الصحة وغيره من القطاعات لتلبية احتياجات الصحة النفسية، وإنما يشمل أيضاً الالتزام القيادي وتبنّي السياسات والممارسات القائمة على الأدلة، وإنشاء نُظم قوية للرصد والمعلومات.

– إشراك الأفراد المصابين بحالات صحة نفسية في جميع مجالات المجتمع وعمليات صنع القرار للتغلب على مواقف الوصم والتمييز، والحد من أوجه التفاوت وتعزيز العدالة الاجتماعية.

 

2- إعادة تشكيل البيئات المؤثرة على الصحة النفسية، بما في ذلك المنازل والمجتمعات المحلية والمدارس وأماكن العمل وخدمات الرعاية الصحية والبيئات الطبيعية: ويشمل ذلك على سبيل المثال ما يلي:

– تعزيز مشاركة جميع القطاعات لتحقيق أهداف من بينها فهم المحددات الاجتماعية والهيكلية للصحة النفسية، وبلورة تدخلات تحدّ من المخاطر وتبني القدرة على الصمود وتزيح الحواجز التي تحول دون مشاركة المصابين باضطرابات النفسية في المجتمع على أكمل وجه.

– تنفيذ إجراءات ملموسة لتحسين البيئات بما يعزز الصحة النفسية، من قبيل تشديد الإجراءات لمكافحة عنف الشريك الحميم والاعتداء وإهمال الأطفال وكبار السن، وتمكين رعاية التنشئة في مرحلة الطفولة المبكرة، ودعم إعالة الأفراد المصابين بحالات الصحة النفسية، ووضع برامج لتعلّم المهارات الاجتماعية والعاطفية والتصدي في الوقت ذاته لممارسات التنمر في المدارس، وإحداث نقلة نوعية في المواقف وتعزيز الحق في رعاية الصحة النفسية، وزيادة إتاحة المساحات الخضراء، وحظر المبيدات الحشرية الخطرة التي ترتبط بخُمس مجموع حالات الانتحار في العالم.

 

3- تدعيم رعاية الصحة النفسية من خلال تغيير أماكن وأساليب تقديم الرعاية وتلقيها والقائمين على تقديمها.

– بناء شبكات مجتمعية من الخدمات المترابطة التي تبتعد عن الرعاية الوصائية في مستشفيات الطب النفسي وتغطي الطيف الكامل من الرعاية والدعم من خلال توليفة من خدمات الصحة النفسية المدمجة في النظام العام للرعاية الصحية، وخدمات الصحة النفسية المجتمعية، والخدمات المقدمة خارج قطاع الصحة.

– تنويع وتعزيز خيارات الرعاية للاضطرابات النفسية الشائعة، مثل الاكتئاب والقلق، التي تمثل نسبة فائدتها إلى تكلفتها 5 – 1. ويشمل ذلك اعتماد نهج لتقاسم المهام يوسّع نطاق تقديم الرعاية القائمة على الأدلة لتشمل العاملين في مجال الصحة العامة ومقدمي الخدمات المجتمعية، بالإضافة إلى الاستفادة من التكنولوجيات الرقمية لدعم المساعدة الذاتية الموجّهة وغير الموجّهة وتقديم خدمات الرعاية عن بُعد.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp