تقرير: أسامة حراكى
هو مكان مختلف كلياً عن أي مكان في مصر، مختلف بأرضه وناسه مع أهلنا من قبائل البجا الذين يتحدثون اللغة “البجاوية” أو”البداوييت” والتي يظن الغريب عنها أنها اللغة النوبية بجانب العربية.
زيارتنا كانت مغامرة من نوع جديد مع الطبيعة البكر في منطقة من أجمل مناطق مصر، ومشاهدة أنواع نادرة من الطيور والنباتات، وسط واحة الضباب على دائرة عرض 22 درجة شمال خط الإستواء، وتسلق جبل علبة على ارتفاع 1400 متر ومشاهدة غابات الأكاشيا بعد أن حولتها السيول لجنة خضراء.
في اليوم الأول:
نحركنا من القاهرة وشددنا الرحال إلى أقصى حدود مصر حيث 1200 كم جنوباً صوب الجمال والسحر أرضاً وبحراً.
أبرق:
وصلنا إلى منطقة أبرق مع شروق الشمس، وقمنا بالنزول من الباص لركوب سيارات الربع نقل للدخول إلى وادي أبو سعفة، وقمنا بجولة في الوادي مع دليل من أهل البشارية لمشاهدة بوابة المياه الأثرية وواحة النخيل وعيون المياه العذبة.
وتمتد منطقة أبرق بين خطى طول 30 34 غربا حتى عمق 100 م داخل البحر الأحمر شرقاً، وخطي طول 50 23 شمالاً حتى 23 جنوبا، وتعتبر منطقة ابرق من أهم المناطق داخل المحمية لما تتميز به من أهمية تاريخية لما مرت به من عصور فرعونية ورومانية وإسلامية، فتلك المنطقة تشمل العديد من الوديان ومنها: العرقة ـ عيقات ـ الجاهلية ـ الامريت ـ قمبيت ـ أبو سعفة، والتي تحوي العديد من النباتات والتي تكون نباتات طبية في أغلبها، كما أنها تمثل موطناً لحيوانات برية كثيرة منها الغزال والوبر والتيتل التي تتواجد بكثرة في منطقة أبو سعفة، ويوجد في المنطقة آثاراً ما بين نقوش جدارية من عصور ما قبل التاريخ وأثاراً فرعونية في منطقة أبو سعفة، وقلاع رومانية قديمة أعلى جبل ابرق والعرقة بجانب ضريح الشيخ حميد الذي يقام له مولد سنوي احتفالاً لذكراه، كما يتركز بمنطقة ابرق الكثير من السكان المحليين من قبائل العبابدة، ويتجمع أغلبهم في مناطق العرقة وابرق وخصوصا في قرية ابرق بجوار جبال ابرق، حيث بعض العيون والآبار العذبة مما يعطي المنطقة تراثا سكانيا كمورد من موارد المحمية.
وادي أبو سعفة:
من الوديان ذات القيمة التاريخية بالمحمية حيث يحوى آثارا فرعونية قديمة تتمثل في بوابة منحوتة في صخور جبال أبو سعفة وتسمى ببوابة الماء Aqua door والتي تعود تاريخها إلى العصور الفرعونية القديمة وتحوي بعض النقوش الفرعونية القديمة، مما يدل على تواجد للإنسان الفرعوني القديم في تلك المناطق، ويحتوي وادي أبو سعفة على واحة نخيل كبيرة اسفل سفح جبل أبو سعفة والتي تواجدت في المنطقة منذ القدم خصوصا مع انبثاق بعض مجارى المياه من جبال أبو سعفة وتكوينها لعيون مياه طبيعية في الوادي، والتي تعطي الوادي قيمة طبيعية بجانب قيمته وأهميته التاريخية ويظهرعلاقة قوية بين الطبيعة وتاريخ المنطقة.
منطقة الدئيب:
تمتد بين خطي طول 35 غرباً حتى 36 شرقاً، وخطي عرض 23 شمالاً حتى 22 جنوباً، وهو مجرى واسع طويل يمتد بطول حوالي اكثر من 100 كم جنوباً من السودان، حيث يخترق الحدود المصرية السودانية في المنطقة الغربية لسلاسل جبال علبة، ويجري باتجاه الشمال الشرقي حتى يصب إلى ساحل البحر الأحمر شرقاً في منطقة مصب مروحية واسعة مكونة مروحة كبيرة تسمى منطقة الادلديب، ويتميز الوادي بأنه ذو تربة طينية رملية ملحية في أغلب مناطقه، ويتميز ذلك الوادي بكثافة كبيرة نوعاً وكماً من النباتات وخصوصاً العشار والادليب والاكاشيا والشوش والسكران وشجر الغزال والكثير من الحوليات منها التاويلة.
شلاتين:
تحركنا من الوادي الساعة 12 ظهراً للذهاب إلى شلاتين، وصولنا مدينة شلاتين الساعة 2 ظهراً، مدينة شلاتين تسبق التوقيت المصري بساعة، وتتوافق مع التوقيت سوريا والاردن لوقوعها على خط الطول الشرقي المتلاقي معهما، ويمكنكم الوصول إليها بدون تصاريح أمنية، لكن لا يسمح لكم بدخول منطقة حلايب ومحمية جبال علبة إلا بتصريح أمني، وبمجرد الوصول إليها تتبعكم العيون سواء كانت أمنية لمعرفة الغرض من الزيارة، أو من الأهالي بسبب دهشتهم من قلة زيارات أهل الشمال.
قمنا بجولة حرة داخل سوق شلاتين الرئيسي لمدة ساعة ونص، الساعة 3:30 كان الغداء في مطعم وكان عبارة عن رز وخضار وفراخ، ثم قدمت لنا الحلوى الشعبية “مخبازة” وتتكون المخبازة من حبوب الشوفان مضاف إليها الموز والحلاوة الطحينية والعسل.
الساعة 4:30 م قمنا بزيارة متحف التراث بشلاتين، ثم حضرنا عرض فني تراثي بقصر ثقافة مدينة شلاتين، ثم توجهنا إلى الفندق للتسكين بالغرف، ثم جلسة سمر مع تناول العشاء .
اليوم الثاني:
إستيقاظنا الساعة 4 فجراً للتوجه إلى قرية أبورماد، تناولنا وجبة الفطار داخل بجانب الباص في الطريق، ووصلنا إلى قرية أبورماد الساعة 7صباحاً، قمنا بالنزول من الباص لركوب سيارات الربع نقل للدخول إلى محمية جبل علبة مباشرة من أبورماد.
بدأنا الجولة داخل وادي عيديب من الساعة 7:30 ص والصعود إلى قمة جبل علبة على ارتفاع يزيد عن 1400 متر فوق مستوى سطح البحر حتى الساعة 3:30 عصراً، شاهدنا جميع أودية المحمية وأشهرها وادي عيديب ووادي يحميب من أعلى قمة الجبل، واستمتاعنا برؤية واحة الضباب على قمة جبل علبة، ومراقبة الطيور والحيوانات البرية أعلى قمة الجبل، شاهدنا وديان خضراء وحيوانات وطيور نادرة أهمها حيوان التيتل، ثم بدأنا النزول من قمة الجبل الساعة 3:30 عصراً لتناول وجبة الغداء (السَلات) عبارة عن لحم يسوى على الحجر “خروف تم احضاره لينا مخصوص من سوق شلاتين عشان يتسوي قدامنا على الحجر ” بعد الغداء لازم نحبس بـ (الجَبَنَة) وهي القهوة الرسمية لقبائل البجا، الجبنة مشروب الجنوب الاول “قهوة مجروشه تحمص ثم يضاف لها الجنزبيل على نار هادئه” ثم عدنا إلى قرية أبو رماد وركبنا الباص وإتجاهنا شمالاً إلى مدينة الشلاتين حيث الفندق.
اليوم الثالث:
إستيقاظنا الساعة 5 فجراً للخروج والتحرك نحو الجنوب مرة أخرى لاستكمال توجهنا إلى مدينة حلايب على بعد 40 كم من أبورماد، تعاني المدينة من أزمات عديدة مما يجعلك تعتقد أنك في دولة أخرى من دول إفريقيا التي تعاني من المجاعات أو المجتمعات البدائية، فترى عيناك للحظة الأولى ملامح الفقر المدقع على مظاهر الرجال المتجولين في الشوارع، كما ترى بيوت خشبية من طابق واحد يسكنها المواطنين، وبمجرد الاقتراب من المدينة تنقطع شبكات الهواتف المحمولة، ويلجأ المواطنين القاطنين بالمدينة إلى شراء المياه لعدم توافرها لديهم، ويصل سعرها إلى 40 جنيهاً للبراميل الواحد.
قمنا بجولة سريعة داخل المدينة وزيارة لقصر ثقافة حلايب وقمنا بالفوتوسيشن بالزي الرسمي لقبائل البجا، ثم توجهنا إلى قرية رأس حدربة أقصى حدود مصر مع السودان ودائرة عرض 22 درجة شمال خط الإستواء، حيث قمنا بالوقوف أمام المعبر الحدودي بين مصر والسودان والتقطنا صوراً تذكارية.
في طريق العودة من رأس حدربة شاهدنا ميناء عيذاب الأثري، وجزيرة حلايب، ثم عدنا إلى المدينة مرة أخرى وتوجهنا إلى شاطئ المدينة لشرب الجبنة، ثم تناولنا وجبة الغداء وكانت سمك طازج من قرية الصيادين، ثم تحركنا للعودة إلى القاهرة التي كانت تبعد عنا 1200 كيلو متر.
على مدار الأيام التي قضيناها في المثلث، لا وجود للمرأة في الحياة العامة ولا تلمحها العيون ولو لثواني معدودة، وهو أمر مثير للفضول جعلنا نتوخى الحذر في السؤال عنه، حتى وجدنا الست أمنة السيدة الوحيدة التي رأتها عيوننا هناك، تعمل كمتطوعة في مركز ثقافة شلاتين، وفي دار خيرية، فخورة بما يقال من تراث أرضها، لا تبخل في مدنا بالمعلومات المطلوبة، ولا تتوقف عن مساعدة الغريب، وتتولى توزيع المساعدات التي تأتي من خارج المثلث على الأهالي، وبسؤالها عن عدم وجود سيدات في القرية قالت: العادات والتقاليد في المدينة تلزم المرأة منزلها ولا تخرج منه.
من الجانب التعليمي تم بناء 10 مدارس، والطلاب يحصلون في اليوم على 5 جنيهات لتشجيعهم على التعليم، لكن لا يوجد في المثلث جامعة واحدة، حيث يلجأ التلاميذ للسفر إلى محافظات أسوان أو سوهاج، أو الاتجاه شمالاً إلى السويس والقاهرة، وتقدم منظمة الفاو مساعدات لمحو الأمية وتدريب السيدات على الحرف اليدوية نظير 15 جنيه في اليوم، ويبلغ عدد السكان 16 ألف نسمة، ويعمل معظم الرجال في عمليات التشوين من خلال التجارة التي تمر من معبر رأس حدربة الجنوبي.
الحكومة تدعم أهل المثلث بسلع تموينية، ومعاشات إعانة بطالة لكبار السن، ولكنهم يفتقرون غياب الخدمات الأساسية كرصف الطرق وقلة المواصلات والمياه المخزنة.
المستشفى الخاصة بالمدينة تعاني من نقص الأطباء، فلا يوجد سوى طبيب جراحة وآخر باطنة، وطبيب الإشاعة لا يأتي بانتظام، فيلجؤن إلى مستشفى مرسى علم.
بمجرد ذكر كلمة مدينة يتبادر في ذهن الجميع أننا أمام مبان شاهقة وخدمات حكومية وفنادق للزائرين، لكن الوضع يختلف كلياً في حلايب وشلاتين التابعتين لمحافظة البحر الأحمر، لذلك نتمنى من أعضاء مجلس النواب أن يقوموا بزيارة للمثلث لكي يطلعوا بأنفسهم على مأسي أهلنا هناك ويقدموا حلول لهذا المجتمع المهمش المنسي.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…