وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: وأصبح للحب عيد!

وأصبح للحب عيد 

عاد عيد الحب وياله من عيد!!

وعادت معه أحاديث الناس المختلفة عن الحب وأحواله وما يقاسيه العشاق من لهيب ناره وحرّ أشواقه..

عاد عيد الحب لينعش في نفوس الكثيرين من البشر ذكريات عاشوها، وليقلق في صدور البعض آلاماً تناسوها، والحب ليس بحاجة إلى تعريف، فهو في نفس كلاً منا كروحه التي بين جنبيه، ويسكن في سويداء قلبه، ويدفئ حنايا صدره.

ولكن يا ترى عن أي حب نتكلم؟ وبأي حب نحتفل؟
وخصوصاً أن من يتأمل البشر من حوله سيجد أن أساس الكثير من علاقاتهم وصلاتهم ببعضهم البعض إنما هي المصلحة المشتركة والمتبادلة، فالعلاقات تزداد قوة وصلابة فيما بينهم كلما ازداد ما يجنيه أحدهم من الطرف الآخر من منافع ومزايا مختلفة على صعيد المال والمنصب والسلطة، وحتى على صعيد التسلية واللهو والمتعة، وفي المقابل فإن هذه العلاقات التي قد تكون قوية على أساس المصالح المتبادلة سرعان ما تتعرض للتصدعات والانقلابات العدوانية عندما تتعرض مصالح أحدهم للخطر والفقدان، وتبدأ حينها مسلسلات العدائية بين الطرفين لتمحو بشكل مفزع كل تلك الذكريات الجميلة والعواطف الجياشة .

وأمام هذه الحقيقة المؤسفة قامت علاقات وارتباطات بين بني البشر على أساس المصلحة ولكن تحت مسمى الحب، فالحب عند أولئك ما هو إلا قناع زائف يجملون به بشاعة علاقاتهم بالآخرين، وخدعة مكررة يخدعون بها من حولهم، فكم ظُلِم الحب في زماننا، وكم استُغلِت قدسيته وطهارته أبشع استغلال، فالحب للأسف أصبح عند البعض سلعة يباع ويشترى ويُقدّم لمن يدفع الثمن الأعلى، وأُهين في بعض المجتمعات إلى درجة أن ممارسة الرذيلة أصبحت تسمى بممارسة الحب، وطغى ذلك المفهوم الجسدي للحب لدرجة أنه صارا هدفاً بحد ذاته يزيل كل الأهداف الأخرى والمعاني السامية من أي علاقة حب بين رجل وامرأة.

ومن باب التساؤل: منذ متى والمحبون يحتاجون إلى عيد يذكرهم بأجشانهم؟ ومنذ متى والعاشقون بحاجة إلى يوم يحيون فيه عواطفهم؟ فالحب في حقيقته هو نبع متفجر من سويداء القلب لا يكف عن الفوران، هو دائم التجدد والعطاء، لا يريح لنا بالاً ولا يكفّ عن مناداتنا من أعماقنا، هو حالة نغرق فيها في بحار من العاطفة والمشاعر الكثيرة التي قد نعجز عن فهمها رغم أننا نحس بها تحاصرنا من كل مكان، فالحب ليس اختيار نختاره في مواقف الحياة، بل هو سلطان يفرض نفسه على قلوبنا ويتغلغل إلى أعماقنا ليجعلنا تحت سيطرته وقوته متى استحكم وتلبس بنا، فالحب لا يموت ولا يبلى وإن خُيّل إلينا أنه ضاع في قاع النسيان فهو مخادع قادر على إحياء نفسه بنفسه بمجرد أن تمر به ذكرى من ذكرياته القديمة، وليس له وجهين وغير قابل للمفاوضة، وهو لا يعرف إلا البذل والعطاء والتضحية في سبيل المحبوب، ومثل هذا الحب لا يحتاج إلى عيد، وكيف يحتاج إلى عيد وهو حاضر وباقٍ في قلوب العاشقين لا يكل ولا يمل، في حين أن الأعياد في بلادنا أصبحت في كثير من الأحيان لا تغدو أن تكون ذكرى مؤقتة بزمانها ومكانها، وسرعان ما تعود المناسبة إلى التاريخ والذكرى لكي نحييها من جديد في العام القادم، والحب لا تنطبق عليه تلك القواعد، ولا يقاس بهكذا مقاييس.

والسؤال هنا.. أليس الحب الحقيقي أسمى وأعمق وأطهر من أن ينحصر بمناسبة سنوية يحتفل فيها الناس بكل شيء إلا بالحب؟ مناسبة لم يحضر فيها سوى اسم الحب بينما بقيت روحه غائبة عن معاني هذا اليوم ؟ وهل باحتفالنا بعيد الحب نكون قد أكرمنا هذا السر المقدس الذي وضعه الله في نفوسنا، أم أننا وجهنا له إهانة لأننا لم نعرف علوّ قيمته وسمو ومعانيه.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp