وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: “عن الحب”

عن الحب

يقولون أن الخريف أجمل فصول السنة بسبب غروب شمسه الرائعة وألوان أوراقه الجميلة وتغير طقسه التدريجي من الحر إلى البرودة، ويطلقون عليه أيضا فصل الرومانسية نظرا للوحاته الطبيعية الجذابة، كما غنت له السيدة فيروز ورقوا الأصفر في ترحيب منها بقدومه، حيث تلون أوراق الشجر بأجسادها الطرقات لترسم لوحة خريفية تشع ذهبا فيدوسها المارة أثناء عبورهم مستمتعين بصوت أنينها الخفي، ثم يمضي الخريف ويأتي من بعده الشتاء، ويأتي فيه عيد الحب الذي سمي على اسم القديس فالنتاين.

والحب هو الصبر والقناعة والمشاركة والعطاء والتضحية، ومن لا يستطيع تحقيق إحداها عليه ألا يلوث هذه الكلمة المقدسة، هذه الكلمة التي لها مفعول السحر التي تفتح أبوابا مجهولة وتغلق أبوابا معلومة، التي تمنح حاملها قوة وإرادة تجعله يفعل المستحيل ويقف في وجه الأعاصير ويتحدى العالم، ولكن للأسف اليوم تناسى العشاق السلوك الرومانسي واقتصروه على الكلام فقط وأصبحت كل الأفلام والأغاني القديمة رومانسية، وأصبح الشاب الذي يريد أن يتعرف إلى فتاة لا يعرف من وسيلة ليبين حبه إلا لقاء يقول فيه من كلام الحب ما شاء، وأصبح اللقاء هو الوسيلة الوحيدة واختفى لقاء الشباك كأن يمر المحب تحت شباك محبوبته لتمنحه نظرة حب من غير كلام بينهما كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: “وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك”
واختفت أيضا رسائل العشاق وما تحمله من أثر من المحبوب فقد كانت الرسائل بين أيدي المحبين، عطرهم عليها وأنفاسهم فيها تعبىء المساحة المحيطة بالرسالة وأثار أصابعهم فيها وخطهم عليها، كل ذلك اختفى ولم يشعر البعض بالأسى على فقد الرومانسية، ولكن يبقى الحب الأول وإن تعدد هو الأقوى، فأول حب هو أجمل حب لا يمكن أن ننساه مهما يمر عليه من الزمن ومهما عانينا منه وبه وفيه، ننسى كل التجارب التي جاءت بعده إلا هو يظل ناقوسا يدق في عالم النسيان، فالحب الأول هو انفتاح القلب لأول مرة على مشاعر جميلة تجمع بين الفرح والحزن والراحة والمعاناه والصبر والتسرع، يجمع بين كل المتناقضات وكل المشاعر التي تمتد من الصباح حتى المساء وبالعكس، ولا أعتقد أن هناك شخصا لم يمر بهذه التجربة ولو من طرف واحد ولم يتجاوز مراحل الحب الأول، ولو كان صمتا ولم يتم التعبير عنه، فكثيرين أحبوا مرة واحدة وظلوا أوفياء لحبهم حتى رحيلهم، وكثيرين تزوجوا وربما أكثر من مرة لكنهم لم يستطيعوا نسيان ذكريات الحب الأول وظلوا يترددون على بيت الحبيب الأول، يبكون على الأطلال يعود بهم الزمان للوراء فيبتسمون ويتألمون في الوقت ذاته.

وكثيرين دمروا حبهم بسبب الإفراط فيه، وكثيرين صدموا بحبهم بسبب خيانة، وكثيرين رضوا بأن يكونوا البديل لكي يبقوا بقرب من يحبون، فأقول لمن يفرطون بحبهم كي لا يخسرونه، لا تكرروا أخطاء الحب بسذاجة ولا تصدقوا أن أصابع اليد ليست واحدة فأحيانا تكون واحده وطبق الأصل، ولا تعرضوا أحلامكم الجميلة للبيع فلن يعرف قيمتها وسعرها الحقيقي إلا أنتم، فالأحلام باهظة الثمن لدى أصحابها فقط، ولا تظنوا أن لون الحب مازال أبيض وأن الورد الأحمر مازال رسول الحب، ومن الأفضل أن تحرقوا صورة في قمة جمالها قبل أن تنالوا موقف منها، فالصور المحترقة أجمل بكثير من الصور المهزوزة، ولتعلموا جيدا أن من يتنازل عن كرامته بأسم الحب يتنازل مع الوقت عن كل شيء حتى الحب، فلا تجعلوا الحب أقصى أمانيكم ولا تطمحوا إلى حب بلا أمان لأن الأمان كالنسب للحب، فالحب بلا أمان كطفل الحرام يلقى على قارعة الطريق لا مستقبل له ولا هوية.

أقول للذين خدعوا في حبهم قبيحة جدا الخيانة فإذا لمحتوها يوما في وجه ما فلا تتجاهلوها، فالإ حتفاظ بالخونة كالإحتفاظ بجثة عفنة مهما نجحنا في اخفاء ملامحها سنفشل في إخفاء رائحتها، وإن كانوا أقل منكم قامة فلا تنحنوا لهم فيروا كل الواقفون خلفكم ولا يروكم، وإذا أردتم أن تبقوا صورهم ملونة فلا تلعبوا معهم تحت مطر المواقف، فمطر المواقف يزيل أصباغ القلوب قبل أصباغ الوجوه بمراحل.

وإلى كل من رضوا بأن يكونوا بدلاء، البعض عند إفاقتهم من جرح أو صدمة ما يسعون إلى البحث لا شعوريا عن غاية يبررون بها الوسيلة لكنهم نسوا أن الوسيلة ربما تلوث الغاية، تدفعهم إلى ذلك حالة فقد مؤلمة فعندما يشتد بهم الألم ويتضخم بهم الفراغ ويفشلون بالنسيان، وعندما ينزفون من الغدر ويتعمق بهم الجرح وينال منهم الخوف ويرغبون بالإنتقام، يسعون إلى البديل وفي الأغلب وربما دائما هناك بديل تضعه الظروف في طريقهم، ومع البديل تتعدد شخصياتهم فيبدأون بالشخصية الجريحة، يلقون على البديل ما يطيق وما لايطيق من قصص سابقة فهم في الأغلب لايهتمون بإحساس البديل ولا يتساءلون عن مصيره بعد الإنتهاء من مرافقته لهم أثناء رحلة شفائهم من قصتهم الجريحة، وليس دائما البديل أخر من يعلم فأحيانا يعلم، لكنه يغمض عينيه ويسد أذنيه ويستمر بدور البديل بكامل إرادته وطيبته وإنسانيته، وربما لايفقد الأمل أبدا في أنه ذات يوم قد ينال دور البطولة في قصة جرح بدأها كبديل، ولكن النهايات لا تشبه البدايات دائما، فقد تنقلب الكذبة إلى حقيقة والخيال إلى واقع وتتحول قصة البديل مع الوقت إلى جرح أخر وهزيمة أخرى تضاف إلى هزائم القلب المكسور.

نحن الغارقون المبتهجون بالماء المالح لا نطلب من أحد طوق نجاة أو يدا أو مركبا، نحن لانستغيث اتركونا نغطس في صمت اتركونا نغرق بسلام.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp