صورة من الجمال الباكى
أرأيتم اللوحة الساحرة التي أقامتها يد الخالق على شاطىء الروشة ببيروت، تلك اللوحة التي تجمعت فيها كل ما تملكه الطبيعة من مظاهر السحر والجمال، ذلك الشاطىء الصخري الممتد على الكورنيش المليء بالفجوات التي زادته سحراً وجمالاً كأجمل عقد يزدان به جيد هذه البلد، وتلك الصخرة الشامخة التي خرجت من وسط مياه البحر.
كم هي جميلة بيروت، وبرغم أن كل شيء هنا يدعوا إلى المرح وكل ما حولي جميل، إلا أن كل هذا لا يساوي نظرة إلى وجهك، عندما أسير في شوارعها وأرى حبيبين تتشابك يداهما في ود وحنان ويسيران معاً، أحس بالحب الذي يكنه كل منهما للأخر، فأتذكرك وأتمنى أن ألمس يدك وأسير معك، وما دمت أعيش على ذكرى حبك فأنا بخير.
جلست على ذلك الشاطىء الذي امتلأ بأشتات من الناس قد تبعثروا هنا وهناك، يغنون ويتمايلون ويتراقصون فوق هذه الصخور ويمتعون أعينهم بهذا السحر، وينهلون بأفئدتهم الجمال، وقد دارت بينهم أكواب الشاي، وانتشر حولهم أريج بخارها وأقيمت أمامهم النراجيل.
إنها لوحة نادرة الصنع الإلهي العجيب، يظل يلتقي عندها عشاق الطبيعة والجمال ويزدحمون حولها، لكني ما وقفت عند هذه اللوحة إلا وانصرفت عيني إلى لوحة أخرى مؤثرة قد انصرف عنها الناس، لوحة من الصخر الأصم اختبئت بين الصخور التي حولها، ورسم عليها قلب وأصابه سهم كتب عند أوله اذكريني دائماً، وعند نهايته لن أنساك أبداً.
إنها لوحة جامدة لكنها تبعث أصداء أليمة لنجوى قلبين كسيرين، لوحة ليس من مكترث بها ولا ناظر إليها ولكنها تحكي عن قصة مأساة، تُرى أي مأساة طافت بهذين القلبين، وأي قسوة نالتهما فلم يجدا من يبوحان له بحبهما إلا هذه الصخرة، أية يد مجرمة فرقت بينكم، وددت لو أني سمعت قصتكم من إنسان بدلاً من أن أسمعها من حجر لا يحس ولا يشعر.
نظرت إلى هذه الصخرة أتأملها وهي نعانق مأساة هذين الحبيبين في جمود لا يتبدل، إنها تعيش في حداد مستمر من الحزن عليهما، وتعيش في ألم لأن الناس يمرون ويمرحون فوقها غير ملتفتين ولا عابئين بما عليها، وخيل إلي أن هذين الحبيبين ختما قصتهما على هذه الصخرة واتخذوا منها آخر العهد بالدنيا ورما بنفسيهما أملاً في مصير أفضل بعد أن وسوس لهما الشيطان بذلك.
لا تزال هذه الصخرة تطل على الناس وتروي لهم هذه المأساة ومهما يكن فإن جمال الطبيعة لا يتكامل في دنيا يشيع فيها الأسى، إلا إذا تراءت خلال لوحتها الضاحكة صورة من الجمال الباكي، وعلى شاطىء الروشة مظهر متكامل لهذا الجمال، فإذا ما وقفتوا على ذلك الشاطىء في يوم ما، فلا تنسوا أن تبحثوا عن هذه الصخرة الباكية التي تروي قصص اللوعة والأسى، وعندئذ فقط يكتمل أمام أعينكم مشهد الجمال، فإن فرت من عينكم دمعة فربما تنعش القلب أكثر من رقصة كاذبة فوق أطلال من بقايا قلوب.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: المرأة والعنف ضدها
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي