كتبت/مريم رمضان
برغم محاولات الحكومة لترشيد الاستيراد وقصره على الخامات الأساسية للصناعة، لمنع استنزاف العملات الأجنبية وتشجيع الصناعة الوطنية لتشغيل العمالة، إلا أن هناك بعض المحاولات من جانب مجموعة من المستوردين تصر على استيراد السلع البسيطة التى يسهل تصنيعها، ضاربين عرض الحائط بالقوانين التى تطالب بألا تقل نسبة المكون المحلى فى السلعة المصنعة عن 40% بل إن هناك سلعا محلية يمكن تصنيعها داخل المصانع المحلية ويتجاهلها المستوردون أيضا مفضلين الأجنبي، لتحقيق أرباح طائلة على حساب الاقتصاد القومى والصناعة الوطنية، وللأسف تأتى بعض أجهزة الدولة المختلفة على قائمة المخالفين رغم صدور قرارات رئيس الوزراء ورغم وجود القانون رقم 5 لسنة 2015 الذى يلزم أن تكون نسبة المكون المحلى فى السلعة المصنعة 40% والذي يفرض رسم صادر على الخامات التى تصدر إلى الخارج ويقر بفرض رسوم إغراق على الواردات لحماية السلع البديلة المحلية، التفاصيل فى سياق هذا التحقيق.
بداية نشير إلى نماذج لكثير من السلع البسيطة التى يتم استيرادها وتستنزف عشرات المليارات من العملات الأجنبية برغم قيام المصانع الوطنية بتوفير هذه السلع فى الأسواق بجودة أعلى وسعر منافس، لكن جشع البعض لتحقيق المكاسب يجعلهم يغفلون المصالح الوطنية.
المشروعات المغذية
بالفعل هناك صناعات كثيرة سهلة التصنيع ولا تحتاج الى تكنولوجيا عالية هكذا عبر الدكتور بهجت الداهش – عضو مجلس بحوث الصناعة بأكاديمية البحث العلمى مؤكدا أن الجهات الحكومية لا تستورد إلا ما تحتاجه فقط بينما القطاع الخاص يفضل استيراد سلع ترتبط بالعائد المادى الكبير .
ويضرب الداهش مثلا باستيراد الترموستات فى أجهزة التبريد والصواميل والوصلات النحاسية والاستانلس فى الأجهزة الإلكترونية والسخانات التى تعمل بالغاز وكذلك الوصلات الموصلة بها والمحابس النحاسية وأيضا ( تايمر) البوتاجاز و(المبخرات ) فى أجهزة الديب فريزر، بل هناك نوع من المسامير نستوردها من الخارج ومساعدين للغسالات الأوتوماتيك والنصف أوتوماتيك لتحمل الصدمات عن الغسالة وهى ما يطلق عليها بالمكونات الكهروميكانيكية فى الأجهزة المنزلية والهندسية .تخيلوا كل هذه المكونات ندفع فيها سنويا نحو 3 مليارات دولار سنويا فى الوقت الذى يمكننا تصنيعها محليا لو أمكن استيراد خطوط إنتاجها من الدول الموردة لها أو إرسال فرق من الفنيين المصريين إلى هذه الدول للتدريب على استخدام هذه الماكينات المستخدمة فى التصنيع أواستدعاء هؤلاء الفنيين الأجانب إلى مصر لنقل الخبرات فى تصنيع هذه المكونات إلى المصانع المصرية أو الدخول فى شراكة مع الشركات الأجنبية لتصنيع هذه المكونات ولدينا عروض كثيرة جادة من الصين وكوريا الجنوبية فى هذا المجال وغيره، لكن معظم رجال الأعمال المصريين يفضلونها جاهزة بسبب ظروف العمالة المدربة وغير المدربة التى ارتفعت أجورها فى السنوات الأخيرة .
ويطالب الداهش باستبدال الدعم النقدى الذى يمنح للمصدرين بأن يحصل عليه صناع المكونات المغذية للمشروعات الكبيرة خاصة التى يتم استيرادها من الخارج ويمكن لأصحاب هذه المشروعات الكبيرة وأن يؤسسوا مراكز للبحوث والتطوير داخل مصانعهم لتعليم شباب المهندسين وخريجي المعاهد التكنولوجية كيفية التصميم لهذه المكونات وتصنيعها كما فعلت الصين ودوّل جنوب شرق آسيا على أن تجد هذه المراكز البحثية تشجيعا من الحكومة لتحفيز انتشارها.
ترموستات وتايمر
أما حمدى عبد العزيز- رئيس إحدى الشركات المغذية لمصانع السيارات ورئيس غرفة الصناعات الهندسية السابق فيرى أن الجهات الحكومية تعد أكبر مستورد للأجهزة البسيطة فى التصنيع والأكثر مخالفة للقانون رقم 5 لسنة 2015 الذى يلزمها باستخدام 40% كمكونات محلية فى المشروعات التى تنفذها والدليل على مخالفتها لهذا القانون استيراد الكابلات الكهربائية ومستلزمات الأبواب ( الأوكر والكوالين ) والرخام المستورد وكذلك لوازم الشبكات الكهربائية بالرغم من أن الهيئة العربية للتصنيع ومصانع الإنتاج الحربى تعد قلاعا صناعية ضخمة مؤهلة لتصنيع مثل هذه السلع البسيطة والمعقدة وتنقل هذه التكنولوجيات إلى مصر للتوسع فى الصناعات المغذية التى تعد الملاذ الآمن لزيادة النمو الاقتصادى بل إنه يمكن شراء التصميم للسلع وتنفيذ صناعتها فى مصر وما يطلق على الصناعات المغذية للسيارات يطلق على عربات السكك الحديدية التى يتم استيرادها بنسبة 100% فى حين تقوم المصانع المحلية بتصنيع سيارات النقل الثقيل بنسبة 70% مكون محلى بإستثناء الموتور والفتيس اللذين يتم استيرادهما من الخارج .
أجهزة رياضية بمليار دولار
فى هذا الاتجاه يؤكد هانى قسيس – وكيل المجلس التصديرى للكيماويات – أن جميع أنواع الصناعات البسيطة التكوين يمكن تصنيعها داخل مصر على سبيل المثال فإن حجم استيراد الأحذية والأجهزة والمعدات الرياضية وإطارات التوك توك والعربات الكهربائية الصغيرة المستخدمة داخل المنشآت السياحية والمستشفيات وغيرها يتعدى المليار دولار سنويا.
وأشار قسيس – إلى أن بعض المصانع المصرية تقوم بتصنيع هذه المعدات ورغم ذلك يتم استيرادها رغم أن إنتاجها أكثر جودة وسعرها منخفض وفى سياق متصل يؤكد قسيس – أن إجمالى ما كانت تستورده مصر من الكشاكيل والكراسات من الصين سنويا كان يتجاوز 350 مليون دولار، وتقوم مصر الآن بتصنيعها مما أدى إلى توقف عملية استيراد الكشاكيل والكراسات الصينية والورق الأبيض الكوشيه نهائيا مع تزايد المصانع المحلية لأكثر من ألف مصنع التى تنتج هذه المنتجات.
وطالب الحكومة بتقديم تسهيلات للمصانع المصرية فى إصدار التراخيص وتوفير الأراضى الصناعية المرفقة، وأن يكون هناك صدى حقيقي لتصريحات المسئولين على أرض الواقع لبناء المصانع، وتعويم المتعثر منها.
التابلت المدرسى
ويكشف المهندس خليل حسن – رئيس الشعبة العامة للاقتصاد الرقمى والتكنولوجيا بالاتحاد العام للغرف التجارية – أن إحدى الجهات الحكومية استوردت كميات ضخمة من جهاز إلكتروني أنتجته إحدى الشركات العالمية وكان من الممكن تصنيع أجزاء منه محليا وتوفير عملة صعبة للبلاد ، مشيرا إلى أن المصانع المحلية تصنع مكونات أكثر جودة لكن المصانع تعانى من ركود ومحدودية الطلب على منتجاتها نتيجة اللجوء للاستيراد حيث تنفق المئات من الملايين من الدولارات سنوياً على استيراد مكونات البرمجيات رغم توفيرها فى المصانع المحلية.
إبر وخيوط
أما حمادة القليوبي – رئيس جمعية مستثمرى ومصدرى الغزول والمنتجات القطنية فيرى أن البعض من المستوردين فى الخارج يشترط خامات معينة مستوردة من دول بعينها كشرط أساسى لاستقبال الصادرات المصرية فى البلد الاجنبى المتلقي للمنتجات المحلية، موضحاً ان عملاءه فى ألمانيا واليابان وعدد من الدول الأوروبية يشترطون استيراد الـ ( زراير) من هونج كونج و(التيكنكال فايبر) أى الخيوط الرفيعة المستخدمة فى تصنيع وحياكة الملابس الجاهزة وحشو الياقات وإذا ما حاول مستثمر وطنى أن يصنع هذه الخامات فى مصر فإنه لن يستطيع التواصل فى الإنتاج لأن التكلفة ستكون مرتفعة للغاية لكن مع الانتاج الغزير ستنخفض وهو ما يصعب إجراؤه من جانب المستثمر المصرى مؤكداً أن استخدام خامات مرتفعة السعر يفقد منتجاتنا القدرة التنافسية فى السوق العالمية ويسرى ذلك أيضاً على استيراد إبر الماكينات والتريكو.
شمعة الإشعال
يقول المهندس تامر فهمى – صاحب مشروع صغير لتصنيع شمعة الإشعال الذاتى فى البوتاجازات – إن الحكومة قدمت لأصحاب المشروعات الصغيرة أساليب متعددة لدعمهم لكنها لم تحمهم من مزاحمة المستوردين من دول جنوب شرق آسيا حيث يتمتع الصناع فى هذه الدول بكافة ألوان الدعم المادى والمعنوي بما فيها الإعفاء من الضرائب ورغم إن منتجاتهم تتمتع بالمنافسة السعرية على المستوى المحلى والعالمي الا انه وزميلا له لديهم معا 3 مصانع تكفى الاستهلاك المحلى بل ويصدرون منتجاتهم الى مختلف دول العالم لكنهم فوجئوا بالبعض يستوردون شمعة الإشعال الذاتى من الصين بأسعار تحرق منتجاتهم وتغلق مصانعهم التى تستوعب ما يقرب من 800 عامل وفنى وأن تكلفة هذا الانتاج المستورد تصل إلى 5 ملايين دولار سنوياً لإستيراد هذه الشمعات التى يمكن ان يكون بها مخالفات فى عملية التصنيع تسبب كوارث فى البيوت والمحلات المصرية لذلك لابد للحكومة أن تحميهم من هذه السلع الدخيلة.
وفى النهاية يعلق بهجت الداهش على هذه الأمثلة السابقة قائلا: كل هذه الصناعات يمكن أن نطلق عليها الصناعات المغذية وقد نالت اهتماما كبيرا من جانب الصينيين حتى أصبحت تغزو العالم بأسره مما دعا الحكومة الصينية أن ترفع الدعم المادى والتكنولوجي عن هذه الصناعات بعد أن وقفت على قدميها وسرعان ما غزت هذه الصناعة العالم الخارجى لدرجة أن هؤلاء المصنعين الصينيين يقدمون عروضا بمساعدات فنية ومالية لمن يرغب فى نقل وتقليد هذه الصناعات المغذية لبلدهم وقد حظى عدد من المصنعين الشبان المصريين بمثل هذه العروض وتم تنفيذ بعضها بنجاح.
ويضيف الداهش أن الحكومة الصينية استبدلت الدعم الذى كانت تقدمه للمشروعات المغذية ووجهته إلى المشروعات التى تستخدم التكنولوجيا المتطورة وسلكت أمريكا وعدد من دول جنوب شرق آسيا هذا الأسلوب لأنه يخلق فرصا للعمل ويرشد عملية الإستيراد مما يوفر العملات الأجنبية. وأخيرا هل يتوقف المصريون عن استيراد هذه السلع التى يمكن بقليل من الجهد تصنيعها محليا؟!.
المزيد من الموضوعات
اسعار الصرف للجنيه المصري محول العملات
أسعار الذهب اليوم في مصر و الدول العربية
اسعار الصرف للجنيه المصري محول العملات