وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: مع النيل

مع النيل

وقفت على كورنيش النيل أتأمله وأتأمل ما حوله، فوجدت نفسي وسط زحامه غريباً حتى عن نفسي، وأشفقت على قلبي الذي امتلأ بالأحزان، فشكيت للنيل أحزاني لأخفف عما في قلبي وأنفث أهاتي في مياهه، لكنه أعرض عني ولم يشأ أن يسمعني، فطويت الآهة في صدري وأعدت اللوعة لقلبي وأثرت السكوت.

جلست أتأمل اللوحة الساحرة الي أقامها الخالق حول ضفتيه، تلك اللوحة التي تجمعت فيها كل ما تملكه الطبيعة من مظاهر السحر والجمال، الأشجار التي تكاثفت بين أحضانه، والخضرة الفاتنة التي تتمايل مع مياهه، إن كل عاشق يرى هذه اللوحة يتخد منها نجوات أشواقه.

سبحانك ربي متعت أعين العشاق بالزهور وأنطقتها لهم بلغة الحب، وأنعشتهم بعبقها ليغسلوا قلوبهم من غبار الغريزة، وجعلت من هذا النهر جليساً لكل العشاق يؤنسهم ويناجيهم ويتأثر لأناتهم ويبعث فيهم الأمل، الأمل الذي أسمعه من تمايل الأغصان وحفيف أوراقها، يامن خلق الأمل واليأس وقدر الموت مع الحياة، يا باعث النور بعد الظلام ومخرج الفرح من الأحزان، يا من سر لطفك إحسانك، كيف أيأس وأنت ربي، كيف لا ينعشني الأمل وانت حسبي.

بعد قليل أحسست بأن النيل يصغي إلي ويسمعني، فسمعت في صمته العميق أرق ألحان الحب والحنان يصبه في أذناي، فأحسست بسحره وسمعت في هذا الصمت خفقات قلبي، أه من هذا القلب يخفق ويحس ويحن ويئن، سبحان من أودع فيه الحب، كل جاه الدنيا ومالها لا يساوي شيئاً مقابل خفقة من خفقات قلب محب، ونعيم الدنيا لا يساوي شيئاً أمام خفقة فرح في قلب حزين.

إن الحب الذي يأتي به القلب ربما يذهب مع صحوة من العقل، فهذا سهل، والحب الذي يأتي به العقل ربما يذهب مع عاطفة من القلب، فهذا سهل أيضاً، اما الحب الذي يأتي به القلب والعقل معاً، فهو داء لا يذهب إلا بجنون أو موت، ورحمة الله لمن كان يعاني مثل هذا الداء.

بعد قليل رأيت صفحة النيل وكأنها تقول لي وقتك انتهى ودع غيرك يحدثني، ووجدت نفسي مرة ثانية وسط ضباب الوحدة، لكني اكتشفت أن صديقي الوحيد الذي لا يتحدث، بل يسمع ويكتم ولا يبوح، والوحيد الذي كبرت معه ولم يرحل.. النيل .

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن