كنت مخنوق بفكرة ابتداء الرواية، وجاء السباك وأصلح حنفية الحمام وحنفية خيالي، وبدأ الماء يجري كالحروف المتدفقة كنبع للكتابة الفوارة، كاتباً روايتي على طريقتي أقود شخصياتها حيثما أريد……
كنت أحب الكتابة بالأقلام السوداء، حيث أشعر أنني أكحل بها عيون الورق الأبيض، كأنني أجمل هذه الوجوه البيضاء كالموت، وأعيد إليها شبابها ونضارتها، بكريمات الحروف، وأمسد وأدلك مشاعرها بزيوت الكلمات، وأعطرها بحبر الكتابة اليومية.
أحب الكتابة كنهر، كنبع فوار بعيداً عن فوران الغرائز، ومنذ فترة لم أستخدم الورقة والقلم في الكتابة، فالإلكترونيات سرقت من تفاصيلنا وغيرت من عاداتنا الجميلة الكثير، وزرعت بيننا وبين الأوراق والأقلام فجوة واسعة.
فكتاباتنا البعض ينتظرها، والبعض مدقق لغوي ينتظر زلاتنا، والبعض عدو متخفي يستفزنا وينتظر ردود أفعالنا ليرمينا بخيانة الوطن والفسوق وربما الردة.
لكن حين نريد أن نكتب يتبخر الكلام وتتقلص الأفكار، وعندما نريد أن لا نكتب تمتلىء الجرار أمامنا بنفائس الأفكار والمفردات، وأحياناً نكتب عن شيء نعتقد أنه بديهي وأننا جميعاً نتشارك فيه، ثم نجد من المحترفين من يقول لنا كيف غابت عني هذه الفكرة .
أدرك جيداً أن كثيراً من الكتاب يمرون بما أمر به، ولكنهم يكابرون ولا يعترفون كما اعترف، والمتابع يستطيع أن يلمس معاناتهم من خلال كتاباتهم، فالكتابة مرآة الكاتب، ومهما حاول تلوين جُمله بشتى الألوان، لا بد أن يعلن عن نفسه في جملة من جمله، أو أن يلجأ إلى اجترار أفكاره القديمة وإعادة تقديمها بثوب أخر.
أصبحت الساحة تعج بالأقلام الشابة الجميلة المتدفقة، التي تقدم أفكاراً جديدة وأساليب كثيرة من الأسماء القديمة، وهي التي يجب أن تتصدر المشهد الكتابي، وأن تنال فرصتها في البروز، وهي الأولى بالرعاية والاهتمام من قبل الكتاب القدمى، ومن قبل منابر التعبير على حد سواء، نريد أن نرى جديداً باهراً لا قديماً معاداً، وأن نرى اقلاماً مبدعة تكتب للكتابة لا للمادة أو أمور أخرى.
أقفلت درج مكتبي ولكن لم يوقف ضجيج الأوراق، ولا الشخصيات الورقية التي كتبتهم، وهم يختنقون من الغبار في كهوف الأدراج ، كمخطوطات لها أشعار وقصص وحكايات حب، استلهمتها من امرأة غادرة ولم تغادرني، فرحت أفتح كل الأدراج وأحرر الأوراق والشخصيات وأقول حان وقت الحرية وغداً سيبدأ النشر.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين