وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

رحلتي إلى واحة الغروب.. سيوة

واحة الغروب

تقرير: أسامة حراكي

“قرأت كل شيء عن هذه الصحراء وعن سيوة قبل أن نبدأ الرحلة، كل ما جلبته معي من أيرلندا من كتب الرحالة والمؤرخين وكل ما استطعت أن أجده في مكتبات القاهرة، اعتقدت أني لن أكتشف جديداً ولن يدهشني شيء، درست كل المكتوب عن الطريق وعن الآبار والكثبان والعواصف، لكن الكتب لم تحدثني عن الصحراء الحقيقية، لم أعرف منها كيف تتغير الألوان فوق بحر الرمال عبر ساعات النهار، ولا وجدت فيها كلمة عن تحرك الظلال وهي ترسم سقفاً رمادياً نحيلاً على قمة تل أصفر أو تفتح بوابة داكنة في وسطه، ولم تعلمني كيف تنعكس السحب العالية الصغيرة فوق الكثبان أسراباً مسرعة من طيور رمادية، ولم تتحدث عن الفجر، بالذات الفجر، وهو يتحول من خيط رقيق أبيض في الأفق إلى شفق أحمر يزيح الظلمة ببطء إلى أن يتوهج الرمل بحراً ذهبياً مع أول شعاع للشمس، وساعتها تنفذ إلى أنفي رائحة لم أعرفها في حياتي أبداً من اختلاط ندى الفجر بالشمس بالرمل، رائحة شهوانية لا تنفذ الى أنفي وحده بل تتفتح لها مسام جسمي كله فأكاد لولا الخجل، لولا أصوات رجال القافلة الذين استيقظوا خارج الخيمة، أن أمسك بيد محمود وأقول “تعال هنا بسرعة! فوق هذا الرمل المبتل”. 

هذا ما جاء على لسان كاثرين في التحفة الأدبية الرفيعة “واحة الغروب”عروس بوكر الرواية العربية في دورتها الأولى لكاتبنا الكبير بهاء طاهر، التي تدور في واحة سيوة في صحراء مصر الغربية نهاية تسعينات القرن التاسع عشر، والذي استوحى موضوعها كما تشير هوامشها من حادثتين واقعيتين أولاهما: حادثة تفجير معبد آمون “أم عبيد” في واحة سيوة آخر القرن التاسع عشر والتي نُسبت إلى مأمور الواحة محمود عزمي، والحادثة الثانية: قيام الباحثة اليونانية “ليانا سوفالتزي” بالتنقيب عن مقبرة مفترضة للاسكندر الأكبر في الواحة في ثمانينات القرن العشرين إلى أن توقفت لخلاف مع مصلحة الآثار المصرية، ثم شرع في الاطلاع على بعض الكتب والدراسات التي عمقت وعيه بمفردات الواقع ومنحته المادة الخام اللازمة لعملية الخلق الفني.

استعدت في ذاكرتي الكثير من رواية واحة الغروب وأنا في رحلتي التي استغرقت 9 ساعات بالباص لواحة سيوة، وكانت هذه الرحلة هي جائزة حصلت على المركز الأول فيها كأفضل كاتب رحالة لعام 2016.

 

سيوة هي أحد منخفضات الصحراء الغربية التي شكلت واحة خضراء على مساحة 1088 كم، وتتبع محافظة مطروح إدارياً، وتبعد 820 كم عن القاهرة و65 كم عن الحدود الليبية و300 كم من الجنوب الغربي لمرسى مطروح و600 كم عن غرب وادي النيل، يحدها شمالاً سلسلة من الجبال الصخرية، وجنوباً سلسلة من الكثبان الرملية، وتتمتع بمناخ معتدل طوال فصل الشتاء، وتنخفض عن مستوى البحر 18 متر، ما يجعل مياهها الجوفية قريبة ويسهل الانتفاع بها، لذلك ينتشر في أرجائها الآبار والعيون التي تستخدم لأغراض الري والشرب وتعبئة المياه الطبيعية والعلاج، والتي يقوم عليها زراعة النخيل وشجر الزيتون التي تنتج تموراً وزيتوناً من أجود ما تنتجه مصر، إلا أن الزراعة بالواحة تقابلها مشاكل تهدد بقائها جراء تملح الأرض وارتفاع منسوب مياه الصرف الزراعي. 

حين وصلنا للفندق تم تسكيننا بالغرف، وبعد 3 ساعات راحة، استيقظنا لتبدأ اولى زياراتنا للواحة، في سيوة أربع بحيرات رئيسية هي، بحيرة الزيتون شرق سيوة وتبلغ مساحتها 5760 فدان، وبحيرة أغورمي أو المعاصر شمال شرق الواحة وتبلغ مساحتها 960 فدان، وبحيرة سيوة غرب مدينة شالي وتبلغ مساحتها 3600 فدان، وبحيرة المراقي غرب الواحة بمنطقة بهي الدين وتبلغ مساحتها 700 فدان، وتضم الواحة عدة بحيرات أخرى منها بحيرة طغاغين وبحيرة الأوسط وبحيرة شياطة، وتعد بحيرة فطناس من الأماكن الجاذبة للسياحة وتقع على بعد 5 كم غرب سيوة، وبها تقع جزيرة فطناس التي تحيط بها البحيرة من ثلاثة اتجاهات، ويقع أمامها جبل جعفر، يسود سيوة المناخ القاري الصحراوي فهي شديدة الحرارة صيفاً، أما شتاؤها فدافئ نهاراً شديد البرودة ليلاً، وأخطر ما تتعرض له سيوة هو السيول. 

رغم وقوع سيوة وسط الصحراء إلا أن المياه العذبة تنتشر في أرجائها في صورة عدد كبير من الآبار والعيون، يصل إلى 200 عين يتدفق منها يومياً 190 ألف متر مكعب من المياه، تستخدم لأغراض الري والشرب وتعبئة المياه الطبيعية والعلاج، ويختلف مقدار مياهها من بئر لآخر، وتتجمع أحياناً في منطقة واحدة، ومنها الساخن والبارد والحلو والمالح بالإضافة إلى العيون الكبريتية، ومن تلك العيون عين تجزرت، عين الدكرور، عين قوريشت، عين الحمام، عين طاموسة، عين خميسة، عين الجربة، عين الشفاء، عين مشندت، ومن أشهرها: 

عين كيلوباترا

وهي من أكثر مزارات سيوة السياحية شهرة، وتعرف أيضاً بعين جوبا أو عين الشمس، وهي عبارة عن حمام من الحجر يتم ملؤه من مياه الينابيع الساخنة الطبيعية، ويدعي البعض أنها سميت تيمناً باسم الملكة المصرية التي سبحت فيها أثناء زيارتها لسيوة، فيما ينفي البعض أن هذه الزيارة حدثت من الأساس. 

عين فطناس 

غرب سيوة وتقع بجزيرة فطناس المطلة على البحيرة المالحة ويحيط بها أشجار النخيل والمناظر الطبيعية الصحراوية. 

عين واحد

تسمى أيضاً “بئر بحر الرمال الأعظم” وهو ينبوع كبريتي ساخن على بعد 10 كم من الواحة بالقرب من الحدود الليبية في قلب بحر الرمال الأعظم. 

عين كيغار

من عيون المياه التي تستخدم للأغراض العلاجية من الأمراض الصدفية الروماتزمية، وتعد عين كيغار أشهر تلك العيون في العلاج حيث تبلغ درجة حرارة مائها 67 مئوية وتحتوي على عدة عناصر معدنية وكبريتية.

تشتهر سيوة بالسياحة العلاجية، حيث يتوفر بها الرمال الصفراء الناعمة النظيفة العناصر الطبيعية الصالحة لأغراض الطب البديل وعلاج أمراض الروماتيزم والتهاب المفاصل، ويعتبر الحمام الرملي هو الطريقة المتبعة للاستشفاء في وقت الضحى وقبل غروب الشمس، فيما تعتبر رحلات السفاري باستخدام سيارات الدفع الرباعي من الرحلات المحببة لزائري الواحة، يقضون خلالها ليلة سمر سيوية وسط الطبيعة الصحراوية الفريدة للمكان، والتي سعدنا بأن قمنا برحلة منها، وكانت من أروع رحلات السفاري التي قمت بها في كل سفرياتي. 

محمية سيوة 

تبلغ مساحة المحمية 7800 كم، وتنقسم إلى 3 قطاعات هي: القطاع الشرقي ومساحته حوالي 6000 كم، القطاع الغربي ومساحته حوالي 1700 كم، القطاع الأوسط الجنوبي ومساحته حوالي 100 كم، تم تصنيف المنطقة كمحمية طبيعية لما تزخر به من تنوع بيولوجي وتراث طبيعي وثقافي، حيث يقطن بها العديد من الثدييات والزواحف والطيور واللافقاريات والحشرات، ومنها الغزال ذو القرون النحيلة المهدد بالانقراض، الثعلب الفينيقي، الشيتا، القطط المهددة بالانقراض، ويجتمع على أرضها أنواع الطيور الشائعة كالحمام والطيور المهاجرة، بالإضافة إلى أشكال الحياة النباتية.‏ 

ضريح سيدي سليمان

هو إمام السيويين وأشهر شخصيات الواحة على الإطلاق، ويحكي أهل الواحة عن سيدي سليمان أنه كان قاضياً شديد الورع والتقوى، وأنه قديماً جمع أهل الواحة بالجامع وتضرع بهم إلى الله لكي يصد عنهم هجوم حملة أردات الإغارة على الواحة، فلم تصل الحملة وضلت الطريق وتاهت في الصحراء، ويحكى عنه أيضاً أنه شعر يوماً بالعطش الشديد فضرب الأرض بعصاه فتفجرت عين ماء، ويقال أن أمه قبل أن تلده كانت تحب أكل السمك فوقفت يمامه على شباكها وتركت لها سمكة، وهذا هو سبب العادة المنتشرة في سيوة حتى الآن حيث تأكل أم المولود سمكاً خاصة لو كان المولود ذكراً. 

جبل الموتى 

هو جبل يضم مجموعة من المقابر الأثرية التي تعود للفترة ما بين القرنين الرابع والثالث ق‏.‏م‏ والتي أعيد استعمالها خلال العصرين اليوناني والروماني‏‏، يبعد الجبل نحو 2 كم عن سيوة‏، واكتشفت المقابر فيه نتيجة لهروب أهالي سيوة إلى الجبل خلال غارات الحرب العالمية الثانية‏.‏ 

مقبرة باتحوت 

هي مقبرة كاهن للإله أوزيريس، حصل على لقب العظيم في مدينة العادل والمستقيم‏، وبالمقبرة نحت لنشيد موجه للإله تحوت‏،‏ بالإضافة إلى منظر لطقس ديني يعرف باسم سحب الثيران الأربعة‏.‏ 

مقبرة سي آمون 

هي من أهم مقابر الصحراء الغربية‏ الأثرية، والتي عثر بداخلها على عدد كبير من المومياوات‏، تتمثل أهمية المقبرة في توضيحها للتزاوج بين الفن المصري القديم والفن اليوناني‏، ومن أهم الصور الفنية بالمقبرة منظر قاعة محكمة أوزيريس‏، ومنظر للإلهه نوت ربة السماء‏. 

مقبرة التمساح 

هي أحد أهم المقابر الأثرية المحفورة بجبل الموتى، اكتشفت في عام 1940 وعرفت بهذا الاسم نظراً إلى اندثار اسم صاحب المقبرة وإعجاب أهالي سيوة بمنظر التمساح الموجود بالمقبرة، تزخر المقبرة بمناظر كتاب الموتى‏، ومناظر أخرى لصاحب المقبرة‏ وهو يتعبد لبعض الآلهة،‏ وعلى جانب المدخل صور ثلاثة آلهة ممسكين بالسكاكين وذلك لغرض حماية المومياء.‏ 

مقبرة ميسو ايزيس 

هي أحد المقابر الأثرية بالمنطقة ويوجد بها نص يصف الإله أوزيريس باسم الإله العظيم المبجل في ثات‏، ويرجح الأثريون أن يكون “ثات” هو الاسم القديم لسيوة. 

جبل الدكرور

هو عبارة عن سلسلة من التلال المتجاورة، يقع الجبل على مسافة 3 كم جنوب واحة سيوة، وله قمتان تسميان “نادرة وناصرة” في قمة ناصرة توجد مغارة منحوتة في الصخر تسمى “تناشور” وأسفلها يوجد أثر يسمى “بيت السلطان” مصنوع من الحجر الجيري النظيف، يشتهر الجبل برماله الساخنة ذات الخصائص العلاجية، واحتوائه على الصبغة الحمراء المستخدمة في تصنيع الأواني الفخارية السيوية، يتوافد إلى الجبل الزوار من المصريين والأجانب أثناء فصل الصيف للاستمتاع بحمامات الرمال الساخنة التي تتميز بقدرتها على علاج الأمراض الروماتيزمية وآلام المفاصل والعمود الفقري والأمراض الجلدية. 

قلعة شالي 

هي المدينة والقلعة القديمة في قلب واحة سيوة، وتعد من أشهر معالمها التاريخية، ويعود تاريخ المدينة القديمة إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وهي حصن قديم من الطوب اللبن، وقد تم بناؤها بين القرنين 12و 13 بهدف رد هجوم العرب والقبائل المتنقلة في الصحراء، حيث سادت الفوضى في الصحراء الغربية بعد عصر الامبراطورية الرومانية، فكانت القبائل تغير على بعضها البعض بهدف الحصول على الغذاء من مناطق الأبار المأهولة بالسكان، مما دفع أهالي سيوة لبناء قلعة عالية لحمايتها من الغزاة. 

معبد آمون

ويسمى أيضاً معبد الوحي أو معبد النبؤات أو معبد الإسكندر، وهو أحد أهم المعالم الأثرية في واحة سيوة، وأقيم في العصر الفرعوني لنشر ديانة آمون بين القبائل والشعوب المجاورة نظراً لموقع سيوة كملتقى للطرق التجارية بين جنوب الصحراء وشمالها وغربها وشرقها، يقع المعبد على مسافة 4 كم شرق مدينة سيوة، واشتهر بزيارة القائد المقدوني الإسكندر الأكبر بعد فتحه مصر في عام 331 ق.م ويشهد المعبد ظاهرة فلكية تسمى الاعتدال الربيعي حيث يتعامد قرص الشمس على المعبد مرتين كل عام في 20 أو 21 مارس وهو تاريخ الاعتدال الربيعي، و22 أو 23 سبتمبر وهو تاريخ الاعتدال الخريفي، وترصد الظاهرة اليوم الوحيد في العام، حيث يتساوى الليل والنهار بعد 90 يوماً من أقصر نهار في العام، وبعده بتسعين يوماً آخرين يقع أطول نهار في العام. 

أثناء زحف ملك الفرس “قمبيز” على نبته مر على طيبة واختار نحو 50 ألف رجل وأمرهم أن يتوجهوا إلى واحة آمون ويشعلوا النار في هيكل جوبيتر الذي يهبط فيه، أما هو فأخذ طريقه إلى نبته ومعه باقي الجيش، وبالفعل توجه الجنود إلى الواحة، ولكن لا يعلم أحد ماذا جرى لهم بعد ذلك ومن المحقق أن هؤلاء الجنود لم يصلوا، ويقول أهل سيوة أن هؤلاء الجنود هبت عليهم ريح شديدة غمرتهم بجبال من الرمال وأخفتهم جميعا وهكذا هلك جنود قمبيز. 

سر زيارة الاسكندر الأكبر لواحة سيوة 

دخل الاسكندر الأكبر مصر من الفرما بوابة مصر الشرقية عام 332 ق.م وتوجه الي منف ثم سار حيث بنى مدينته الاسكندرية، ثم توجه إلى سيوه حيث كان حلم الاسكندر الأكبر أن يسقط الأمبراطورية الفارسية ويحكم العالم كله، ولم يستطع أحد أن يتنبأ بمستقبله وقد نصحه كهنة آمون في المعابد المصرية “حيث كان آمون هو المعبود الرسمي في مصر” أن يذهب إلي معبد آمون في سيوه، أو معبد النبوءات حيث كان يطلق عليه، وأحياناً معبد الوحي، حيث أن في هذا المعبد تستطيع أن ترى وتعرف مستقبلك، فذهب الأسكندر وفي عقله أسئلة واستفسارات، فاستقبله كهنة آمون بالترحيب ونصبوه حاكماً لمصر، ثم دخل مع الكاهن الأكبر في غرفة الوحي وجاءته الاجابة عن تساؤلاته، سيسقط امبراطورية الفرس وسيحكم العالم كله ولكن لفترة قصيرة. 

آمن الاسكندر بالإله آمون ونصب ابناً لآمون كبير الآلهة المصرية، وألبسوه تاجه وشكله كرأس كبش ذو قرنين، فلقب بذلك “الإسكندر ذو القرنين” ثم تنبأ عراف معبد آمون بأن الأسكندر سيموت مسموماً في العقد الثالث من عمره، وقال له كاهن آمون ” سوف ترجع الى حضن أبيك آمون حيث تدفن في أرضه “وقد كان، فبعد موت الأسكندر الأكبر في الأغلب مسموماً، جهزوا جنازة كبيرة له وسارت بعرشه من بابل إلى مقدونيا، فتعرض لهم بطليموس الثاني وقطع عليهم الطريق، وحول المسير إلى منف عاصمة مصر حيث حنط الجثمان ووري الثرى، ولكن بعد ذلك غادر التابوت أرض مصر بأمر من بطليموس التاسع ولا أحد يدري إلى أي مكان ذهب. 

معبد أم عبيدة

هو معبد آمون الثاني بالواحة ويقع بالقرب من معبد الوحي‏، شيده الفرعون المصري نكتنابو الثاني أو نختانبو الثاني من الأسرة الثلاثين، ويتميز بصورة للفرعون وهو يركع للإله آمون، اختلفت الروايات حول كيفية تدمير المعبد، فبعضها يشير إلى أن زلزال حدث عام‏ 1881‏ تسبب في تدمير المعبد، والبعض الآخر يورد أنه تم تفجير المعبد في عام 1897 على يد مأمور سيوة محمود عزمي الذي كان قد نُقل إلى سيوة بعد الثورة العُرابية لتعاطفه معها، كما ذكرنا في البداية وما جاء في رواية واحة الغروب، حيث يتم نقل ضابط البوليس محمود عبد الظاهر ليشغل منصب مأمور الواحة كنوع من الترقية المصحوبة بنقل تأديبي عقاباً له على تعاطفه مع “العصاة” الثوار أيام “الهوجة ” الإسم الذي أُطلق على الثورة العرابية بعد فشلها واحتلال الانجليز لمصر، والذي استهل الكاتب روايته بذلك الحوار الكاشف بين الضابط الذي تقرر نقله ومستشار نظارة الداخلية الإنجليزي مستر هارفي، ومن خلال الحوار الذي يعمد خلاله كل طرف إلى استفزاز الآخر يمكننا أن نتعرف على شخصية محمود عبد الظاهر كمصري مخلص كاره للاحتلال الانجليزي، وله مواقف وطنية مشهودة جعلته على قائمة المضطهدين وهو يمتثل لقرار نقله بشجاعة لاتقل عن شجاعة زوجته الأيرلندية كاثرين التي تصر على مصاحبته رغم المخاطر العديدة التي تنتظرهما هناك، “يقول لي زوجتك إمرأة شجاعة ، كأني لا أعرف كيف هي زوجتي، أليست ذاهبة معي برضاها إلى الخطر؟ حدثوني عن قوافل عديدة تاهت في الصحراء وابتلعتها الرمال، قوافل صغيرة ضاعت وجيش فارسي جرار هزمته الصحراء في الزمن القديم وطمرته الرمال إلى الأبد وهو في طريقه ليغزو الواحة، محظوظة هي القافلة التي تنهي الرحلة قبل أن ينفد زادها من الماء وقبل أن تغير الرياح معالم الطريق فتبني تلالاً لم يكن لها من قبل وجود وتدفن الآبار التي يعولون عليها في سُقيا الجمال، قيل ذلك وغيره فلم أهتم به، أعلم جيداً أني ذاهب إلى المكان المنذور لقتلي وربما لمقتل كاثرين معي، ذلك إذن من بين ماكان يلمح إليه المستر هارفي في مقابلة اليوم ؟ دخلت مكتبه مصمماً أن أستفزه، ماالذي بقى لأخسره؟”… 

متحف البيت السيوي 

أنشئ المتحف بالتعاون مع الحكومة الكندية في حديقة مجلس المدينة على مساحة ثلاثة أفدنة، على طراز البيت السيوي التقليدي باستخدام الطوب اللبن وجذوع النخيل، ويجمع بين أرجائه تاريخ الحياة السيوية وتطورها على مدى مراحل زمنية مختلفة، ويحوي العديد من المقتنيات التي تعبر عن التراث السيوي الأصيل، والتي جمعت بالجهود الذاتية لأهالي الواحة مثل المجوهرات الفضية والآلات الموسيقية وأزياء الأفراح والسلال والأواني الفخارية وأدوات الزراعة، ولا يخضع المتحف لإشراف وزارة الثقافة، ولكن يشرف عليه مجلس مدينة سيوة، ويتولى الإشراف الفني لجنة مكونة من شيوخ القبائل وعدد من الأعضاء من أهالي سيوة من الجامعيين، وينفق المتحف على نفسه من خلال رسم الدخول المفروض على الزوار. 

مركز سيوة لتوثيق التراث 

هو مركز يتبع مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، التابع لمكتبة الإسكندرية ومدعم من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يهدف المركز إلى توثيق كافة جوانب التراث السيوي من عادات وتقاليد وحرف وصناعات يدوية وفن قديم وموسيقى وشعر ونحت، والمحميات الطبيعية، وطرق الري والبناء القديمة، يتعاون المركز مع عدة جهات منها مجلس مدينة سيوة، جمعية تنمية المجتمع المحلي، جمعية أبناء سيوة، مديرية الآثار بسيوة، مؤسسة كوسبي الإنمائية الإيطالية، جمعية البوغاز بمدينة طنجة بالمغرب، برنامج التراث الأوروبي المتوسطي التابع للاتحاد الأوروبي. 

العصر الإسلامي 

ظلت سيوة مستقلة في حضارتها وأسلوب حياتها بعد الفتح الإسلامي لمصر، وقد حاول القائد موسى بن نصير فتحها في عام‏ 708‏م خلال العصر الأموي بصفته حاكم شمال أفريقيا، فتحرك إليها فوجد مدينة يحيط بها حصن عظيم له أبواب حديدية،‏ ولكنه وجد صعوبة في دخولها فتركها، ومن المرجح أن دخول الدين الإسلامي إلى سيوة كان قبل نهاية القرن الأول الهجري‏،‏ وفي عام 969م استولت الجيوش الفاطمية على الواحة. 

العصور الحديثة 

في فبراير 1820 جهز محمد علي باشا تجريدة من 1300 جندي بقيادة حسن بك الشماشرجي لفتح سيوة، ونشب قتال بين القوات وأهل الواحة انتهت بانتصار قوات محمد علي واعترافهم بالولاء للحكومة المصرية، وفي العصر الحديث دخلت جيوش المحور الواحة واحتلتها في 20 يوليو 1942 وجلائهم عنها في 8 نوفمبر 1942 بعد انكسارهم في معركة العلمين.. 

تزخر سيوة بآبار المياه طبيعية على اختلاف أحجامها وأعماقها والتي تعد من أنقى مصادر المياه في مصر، وتعتبر سيوة مصب للخزان النوبي المصري، وهو أكبر خزان مياه جوفية في مصر، ينبع من النوبة وأسوان ويمر بمناطق صحراوية وواحات صغيرة ويصب في سيوة، جذب هذا الخزان الطبيعي للمياه عدة استثمارات محلية وأجنبية في قطاع المياه الجوفية، أقامت مصانع لتعبئة المياه الطبيعية والتي تشتهر بـ “المياه المعدنية” من بينها مصنع مياه سيوة ومصنع مياه حياة وصافي ومياه أمان سيوة، وتنتشر الملاحات والمحاجر التي تنتج عدة أنواع مختلفة من الملح لأغراض الاستخدام المحلي والتصدير، ويتميز ملح سيوة بمقاييس عالمية وتختلف أنواعه ما بين ملح صخري أو غيره والتي جعلته صالحاً للاستخدام في الدول الأوروبية لأغراض إذابة الثلوج من الطرقات والمطارات، كما يدخل في صناعات عديدة منها الصابون والحرير الصناعي وتكرير الزيوت، والغزل والنسيج والكلور والصودا الكاوية والزجاج ومعجون الأسنان والمنظفات الصناعية، وعمليات التبريد ووقود الصواريخ والبارود والطوب الحراري وفي معالجة الصرف الصحي وغيرها، ونظراً لتميز سيوة بإنتاجها الزراعي عالي الجودة، فقد اجتذبت عدة استثمارات لمصانع إنتاج وتعبئة التمور بجميع أنواعها وإنتاج الخل والدبس “العسل الأسود” والخميرة الطازجة والعلف الحيواني، كما يضم مصانع لإنتاج وتعبئة زيت الزيتون، ويخرج من هذه المصانع منتجات تنافس في السوق المحلية وصالحة للتصدير. 

للعمارة في سيوة طابع خاص ومميز حيث تبنى المنازل التقليدية بحجر الكرشيف الذي يتكون من الملح والرمال الناعمة المختلطة بالطين، وتصنع الأبواب والنوافذ من أخشاب شجر الزيتون والنخيل، وتستخدم مادة “الطفلة” للصق الأحجار، بعد خلطها بالرمال، وتنسجم تلك البيوت مع الجو القاري للمكان، ففي الشتاء تكون دافئة وفي الصيف تكون رطبة، إلا أنه مؤخراً ارتفع معدل البناء الخرساني بالواحة ما أدى إلى تراجع البناء التقليدي، بسبب احتياج الأبنية المعتمدة على الكرشيف لصيانة سنوية، بسبب ارتفاع منسوب المياه.

يقطن سيوة حوالي 35 ألف نسمة، يعمل أغلبهم بالزراعة أو السياحة، تسكنها قبائل من أصول أمازيغية وهي الزناين، الحمودات، الحدادين، أولاد موسى، أغورمي، الجواسيس، الشرامطة، السراحنة، المراقي، الشحايم، أم الصغير، الشهيبات، ولكل قبيلة شيوخ وعوائل وأفراد، والشيخ هو رأس القبيلة، ويكون من أكبرهم ومن الميسورين وحسن الخلق، وفي الغالب تكون المشيخة متوارثة، أما عوائل القبيلة فهم أعضاء مجلسها ويشترط أن يتمتعوا بحسن السيرة، ويختلف الباحثون حول أصولهم ما بين أصول شرقية عربية حميرية أو كنعانية أو أوروبية أو إغريقية أو هندأوروبية، إلا أن أغلب الدراسات ترجح الأصل الإفريقي للأمازيغ، وترجح الحفائر الأثرية أن الأمازيغ دخلوا مصر في العصر الفرعوني المتأخر وكونوا فيها أسرهم وأطلق عليهم المصريون القدماء اسم “المشوش” وحكموا مصر على يد زعيمهم “شيشنق الأول” وسقط حكمهم مع مرور الزمن وانحصروا في واحة سيوة واحتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، ولأهل سيوة عيد خاص وهو عيد الحصاد الذي يحتفلون به عند اكتمال القمر بالسماء في شهر أكتوبر من كل عام.

 

يتحدث السيويون بلهجة تاسيويت المنشقة عن اللغة الأمازيغية أو لغة البربر، والتي ترجع إلى حام بن نوح، ويتحدثها كل طفل في سيوة بحكم الميلاد والنشأة، ثم يتعلم اللغة العربية خلال مراحل الدراسة، إضافة إلى لهجتهم المصرية الحديثة. 

من تقاليد الزواج في سيوة أن تخطب الفتيات منذ صغرهم في سن التاسعة أو قبل ذلك، وحتى تتم العروس سن الزواج ليس من حق الشاب أن يرى خطيبته إلا في الأعياد فقط ويكون ذلك بحضور والدها أو أخيها، وتمتد مراسم الزواج إلى 3 أيام وتتزين العروس بعمل 99 ضفيرة، تحمل كل ضفيرة اسم من أسماء الله الحسنى، وتضع على شعرها زيت الزيتون وتلونه بالحناء، ويتم أيضاً تزيين ثوب الزفاف الذي يتميز بالحلي، وأغطية الرأس والأحزمة والطرح المشغولة وأقنعة الوجه المليئة بالعملات الفضية أو الذهبية، وترتدي العروس سبعة فساتين مختلفة فوق بعضها، الأول أبيض شفاف، والثاني أحمر شفاف، والثالث أسود، والرابع أصفر، والخامس أزرق، والسادس من الحرير الوردي، والسابع الخارجي يكون مطرزاً بكلف حول الرقبة، ولأوقات الولادة طقوسها الخاصة فإذا كانت عسرة يطلق الزوج مع جيرانه طلقات نارية بجوار زوجته لطرد الجن والتعجيل بالولادة، وعند ميلاد الأطفال تجمع النساء حليهن في وعاء به ماء ويرفعنه ثم يترك ليسقط على الأرض متهشماً مرددين الدعاء للطفل اعتقاداً بأن ذلك لطرد الأرواح الشريرة، وعندما تضع الأم مولودها تستلقي على كليم مفروش على الأرض لمدة أسبوع أو عشرة أيام، وتأكل السمك المملح، كتقليد موروث، ويعتقد أهل الواحة أن عين المرأة التي يموت زوجها تجلب الحسد، لذا تعيش في عزلة لأربعين يوماً، ولا تتزوج قبل مرور عام على وفاة زوجها، وتشارك الفتيات حتى سن الثانية عشرة في الاحتفالات الشعبية كاشفة نصف شعرها بينما لا يسمح للمرأة المتزوجة بأن تخرج للطريق إلا إذا غطت كل جسدها ووجهها بملاءة زرقاء تسمى”طرفوط”.‏ 

يعتبر الناي المعدني هو بطل الموسيقى السيوية، ويسود الغناء الجماعي كسيد الغناء الشعبي السيوي، وهو غناء طقوسي يرتبط بمواسم ومناسبات مثل الزواج والميلاد ومواسم الحصاد، والغناء في سيوة ليس طربياً، لكن معظم موضوعات الأغاني حول الغربة والهجر والحب والحكمة، فيما يعد فن التطريز بالواحة ذو طابع خاص، وتقوم على صناعته نساء الواحة ويتميز بتصاميم ملابس العروس، والملابس اليومية للنساء والرجال، والمفروشات والسجاد والكليم، ويستخدم في التطريز الألوان الخمسة الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والأسود، وتحافظ التصاميم السيوية على التراث المتوارث منذ آلاف السنين. 

للمطبخ السيوي خصوصيته وأكلاته المميزة ومن أشهر الأكلات السيوية “السلق” و”المخمخ” و”أبو مقدم” ويسمى الشاي السيوي “شاي زردة” حيث يضاف له أعشاب الزردة ويقدم في براد مع عدد من الأكواب الصغيرة، وكم استمتعنا بتلك الأكلات وشرب الشاي الزردة بعد كل حمام غطس كنا نأخذه في تلك العيون الكبريتية الدافئة. 

تعد الصناعات الفخارية اليدوية من أميز الحرف التقليدية بالواحة، والتي يأتي على رأسها طحون الطاجين، وأواني الطهي الصحراوية ذات الشكل الهرمي التقليدي والمزخرفة بشكل جميل، فيما تتميز صناعة الحلي السيوي بتصميمات راقية وبسيطة في نفس الوقت، ويستخدم في تصنيعها مواد مختلفة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة والجلود والخيوط. 

تضم سيوة 26 مدرسة لمراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي (العام، الفني، الزراعي) موزعين على مختلف قرى الواحة، إلا أنه رغم وجود المدارس بأنواعها المختلفة إلا أنها تعاني عجزاً بأعضاء هيئة التدريس، بسبب قلة المدرسين من أهل الواحة، وعزوف المدرسين المغتربين عن السفر للعمل بالواحة، بما يؤثر سلبياً على سير العملية التعليمية. 

تندر الخدمات الطبية بالواحة، حيث تضم مستشفى مركزي مجهز بالإمكانيات والمعدات إلا أنه يعاني من نقص في عدد الأطباء بسبب عزوف الأطباء المغتربين عن السفر للواحة لموقعها النائي، وفي حالة عدم توفر أطباء لعلاج الحالات أو إجراء العمليات يتم تحويل المرضى إلى مستشفى مطروح لإجراء الجراحات اللازمة. 

يوجد بالواحة محطة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية بقدرة 10 ميجاوات نهاراً بالتكامل مع محطة كهرباء مركزية تعمل بالديزل، وتغطي المحطتان احتياجات المدينة بالكامل من الطاقة الكهربائية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بالواحة سياحياً وتنموياً. 

يوجد بالواحة قرية أوليمبية رياضية مزودة بصالة مغطاة واستاد رياضي، شيدتها القوات المسلحة المصرية بهدف تنمية الواحة وخدمة أبنائها. 

يوجد بالواحة فرع لبنك القاهرة الحكومي مبني على الطراز السيوي التقليدي، ويقدم جميع الخدمات المالية لأبناء الواحة. 

وينتشر بسيوة الفنادق والمنتجعات بدءاً من فنادق الثلاث نجوم، وحتى منتجعات الخمس نجوم، حيث تضم الواحة 32 قرية وفندق سياحي يغلب عليها طابع التمدن التي تنسجم مع الطابع البيئي للواحة، وتحرص على أن يكون أثاثها ومفروشتها وتصاميم غرفها في اتساق تام مع التراث السيوي، ويستخدم حجر الكرشيف في البناء، ومن أشهرها فنادقها فندق “أدرير أميلال” المبني على طراز المنازل السيوية التقليدية، بنيت حوائطه من حجر الكرشيف الذي يتكون من الملح والرمال الناعمة المختلطة بالطين فيما صنعت الأبواب والنوافذ من خشب الأشجار والنخيل، يقع الفندق في وسط صحراء سيوة ويبعد حوالي 16 كم عن الواحة، ويتميز ببعده عن المظاهر الحضارية مثل الكهرباء، ويحظر على النزلاء استخدام الهواتف المحمولة خارج الغرف، يتكون الفندق من 40 غرفة ويتسم تصميمه بالانسجام مع طقس الصحراء، وتتم الإضاءة ليلاً عن طريق الكشافات والشموع وضوء القمر، ويحيط به 7 بحيرات ملحية وأشجار زيتون على امتداد 25 كم، يعد الفندق من أغلى فنادق العالم حيث يبدأ سعر الغرفة فيه من حوالي 460 جنيه استرليني لكل ليلة، وأقام فيه من قبل الأمير تشارلز وزوجته كاميلا في غرفة سعرها 1420 جنيه استرليني. 

وتشير بعض الإحصائيات إلى أن سيوة تستقبل حوالي 30 ألف سائح سنوياً من المصريين والأجانب، وصنفها عدد من المواقع الأجنبية والعَربية ضِمن أكثر 9 أماكن عُزلة على كوكب الأرض، نتمنى من الدولة أن تنشىء مطار بسيوة لأن اقرب مطار لها هو مطار مطروح الذي يبعد 300 كيلو عنها، فوجود مطار سيساعد على زيادة عدد السياح لسيوة.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن