وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: وداعا زائرنا خفيف الظل

وداعا زائرنا خفيف الظل

هذا شهر الخير قد آذن واقترب بالرحيل، فما هي إلا أياماً معدودة حتى يغادرنا مودعاً، وقد كان شاهداً على ما قدمنا فيه من أعمال، وما تنافسنا فيه في التقرب إلى الله عز وجل، ولا يدري الإنسان أيكون هذا آخر مرة يزوره فيها شهر رمضان، أم يكون هناك رمضان آخر سوف يستقبله في العام القادم، رزقنا الله وإياكم طيلة العُمُر.

لقد مضى شهر الخير سريعاً ولم يشعر به أحد ويكأن أمس هو أول أيام الشهر الكريم، ولكنه مضى بآثاره الزكية الحسنة في قلوب الطائعين وتطهيره لنفوس الصائمين القائمين، وقد فاز فيه من فاز، وخسر فيه من خسر، فهنيئاً لمن عرف حقه وقدّره، فاغتنم فيه أوقاته وصبر على القيام بالطاعات والابتعاد عن المحرمات، محتسباً أجره على الله من الدخول من باب الريان في الآخرة وأن تكون له أوفى عطية وجائزة في صبيحة العيد.

فالطاعة تمضي مع تعبها والصبر على أدائها، ولكن يبقى ثوابها وأجرها في صحائف وميزان حسناتك بين يدي الله عز وجل، والمعاصي تذهب أيضاً مع حلاوة شهواتها وتفنى معها متعتها، ولكن يبقى عقابها وحسابها يقترب يوماً بعد يوم.

وفي آخر أيام رمضان حريّ بنا أن نقف مع أنفسنا وقفة إيمانية واعية، وأن نخلو مع أنفسنا خلوة نفكر فيها ماذا استفدنا من رمضان؟ وهل حدُث فينا من تغيير؟ وكيف سنكون بعد رمضان؟ لأن الخشية والخوف أن يعود الإنسان إلى سابق عهده في التكاسل عن أداء الطاعات، وأن يخالف عهوده التي عاهد الله عليها في التزام التقوى والعمل الصالح، وهذا أمر مؤلم كَون الأعمال الصالحة محلها فقط الجسد ولم تجسد طريقاً تتجذر وتسير فيه في القلب لكي تحدث تغييراً حقيقياً مستمراً.

فقبول رمضان سيظهر بعد رمضان؛ لأن من علامات قبول الطاعة هي أن تليها طاعة أيضاً، فمن أحس من نفسه التغيير والانطلاق نحو الأفضل فهي بشارة على القبول، وأنه كان من الصائمين حقاً والمدركين لحقيقة شهر الصوم، واعلم أنك قُبلت عند ربك، وأما إذا كان الأمر غير ذلك فهذا يعني أن الصيام كان عادة لا عبادة، فاللهم اجعلنا من المقبولين.

لنراجع أنفسنا قبل فوات الأوان، فما يزال هناك بُرهة من الوقت، فلنحسن ختام رمضان بنية مخلصة صافية عسى الله أن يتجاوز عن تقصيرنا فيه، فالأمور بخواتيمها، فلنجعلها خاتمة خير وبركة، وكما قال الامام ابن تيمية: “العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات” والأعمال بالخواتيم، فإننا إذا لم نحسن الاستقبال، لعلنا نحسن الوداع، فرمضان زائر خفيف الظل، أيامه قليلة وهداياه كثيرة، يأتي ويرحل سريعا، فاللهم بارك لنا فيما بقي منه.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp