وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: رحلة البحث عن الكنز

رحلة البحث عن الكنز

‎عم سطوحي “غفير” المسجد الذي أُصلى فيه، رجل طيب منشأه الصعيد، حكيماً ضخم الحجم جاحظ العينين يدخن السجائر بشراهة.

‎كان نظره جيداً ووجهه قليل التجاعيد ربما لوزنه الثقيل، كانت ذاكرته ممتازة ولا تبدو عليه علامات الشيخوخة، كان بعد أن يأكل يشرب الكثير من الماء ثم يعقبه بالشاي.

‎كنت أجلس معه كثيراً أستمع إلي حكاياته ومغامراته، كان لا يتحفظ في كلماته، وفي إحدى الجلسات تطرقنا إلى الحديث عن الأثار والكنوز والمقابر الفرعونية.. ثم أسر لي بسره الدفين، بأنه اكتشف في شبابه مقبرة أسفل منزلهم في الصعيد، حيث وجد سرداب طويل سار فيه وأوصله إلى حجرة دفن ربما تكون ملكية، وأنه ما زال يحتفظ بالسر وانا أول من يخبرني به، وأنه يتمنى أن يسلم المكان للدولة لجعل المقبرة مزار سياحي أو نقله ما فيها للمتحف.

‎بعد فترة في إحدى سهراتنا تطرقنا في الحديث عن الكنز، كنت مبهوراً بحديثه وبتفاصيله، وأثناء حديثنا تعب العم سطوحي فجأة، وأحس أن أجله سينتهي، فطلب مني أن أعده بأني سأكون أميناً.

‎قطعت له وعداً أن أذهب للمكان ومن ثم أُبلغ وزراة السياحة والآثار ليتحقق حلمه، بدأ يصف لي المنزل الذي أعطاني عنوانه ومفتاحه، ثم بدأ يسعل بشدة وتمتم: السرداب موجود تحت المنزل، احفر تحت السرير ستجد بضع درجات، انزلها حيث سيكون السرداب، وسر داخله عشرين متراً ثم اتجه خمسة أمتار نحو مغرب الشمس، ستجد رسمة حورس أمامك، ثم أخرج جوهرة أعطاني اياها وقال: عندما تصل تضعها في وسط العقد المنقوش بلوحة حورس، ثم اضرب البلاطة الموجودة بأسفلها بقوة حتى يفتح جدار حجرة الدفن، وتمتم بكلمات غير مفهومة ثم توفي.

‎بعد وفاة العم سطوحي باسبوع ذهبت إلى الصعيد، الرحلة كان لها مذاق مختلف، لأنني ولأول مرة كنت أشعر بثقل المهمة، فلربما أصل إلى مكان الكنز ولا أجد شيئاً أو ربما تكون الحكاية كلها هذيان، لكنني واصلت رحلتي وبحثت عن منزل العم سطوحي حتى عثرت عليه ووصلت إلى المكان، منزل يبعد عن المدينة عشرة كيلو مترات.

‎حرصت على إتمام المهمة، أزحت السرير ونزلت السلمات القليلة، ثم بدا لي السرداب الذي كان مظلماً طويلاً فلم أستطع تقدير طوله، أشعلت مصباح البطارية وسلطة الإضاءة فوجدته طويلاً جداً، فعرفت أنني يجب أن التزم بتعليمات العم سطوحي دون اجتهاد مني، حسبت عشرين متراً، ثم اتجهت خمسة أمتار نحو الغرب فوجدت نقش الاله حورس على الجدار، وقفت أمام الرسمة وتمعنت فيها، ووضعت الجوهرة في منتصفها، وضربت الأرض فوق البلاطة التي أسفلها، فاحسست بالأرضية تتحرك تحت قدمي..  

‎فُتح الجدار ودخلت حجرة الدفن، فإذا بها مقبرة واسعة للغاية، وجدرانها عليها أرفف مليئة بالتماثيل الذهبية والحجرية، والأواني والأطباق الفخارية، ولفائف ومخطوطات من ورق البردي..

قلت وأنا أُحدث نفسي، يجب على الفور إبلاغ السلطات ليهنؤني على النجاح في اكتشافي للمقبرة.. ولم أُكمل جملتي حتى أُغلق علي جدار حجرة الدفن وأنا فيها وانطفأ مصباح البطارية، فرحت أصرخ بأعلى صوتي أخرجوني من هنا…

‎وفجأة سمعت صوت هاتفي يرن، ففتحت عيناي فإذا بي على سريري، وفتحت هاتفي وإذا بزميلي يقول لي: “صباح الخير ياباشا، متتاخرش بقى علينا عايزين نكمل النهاردة باقي جولة المتحف المصري اللي ملحقناش نخلصها كلها بزيارتنا امبارح”. 

لقد كان حلماً لنبوءة ما زلت انتظر تحققها..

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp