قصة زهور بلا رحيق
بقلم أ/ إبراهيم عادل الديهي
وسيط اليوم
13/7/2023
طفلان يمشيان فى الشارع وقد ابتلعتهما ظلمة القهر تركا منزلهما جراء مشاحنات والدية بلغت التطاول بالأيدي واللسان حتى جذب الأب زوجه من شعرها وألقى بها خارج المنزل بعد أن سكب عليها سيلا من السباب واللعنات وسط تجمهر الجيران ،خرجت المرأة المكلومة بملابس ممزقة من كل جانب ، الجميع يطل برأسه من مسرح المعركة لا أحد يتدخل بلطف تعامل أو يحاول ولو لمرة أن يوصل حبال الود المتقطعة ، وسط هذا الغباء المتلاحظ وألسنة الضغينة المتصاعدة بكل سخف ،ثمة رجل بسيط يرتدى جلبابا قد أكلته الغيرة على المرأة المسكينة فهب مسرعا إلى شقته فى ذات العمارة وأحضر ملابس زوجته ليستر هذه المرأة من خجلها العارى ،شكرت المرأة الرجل وخرجت من فورها إلى بيت والدتها لكنها لم تدرك العاقبة التى لحقت تسرعها ،لقد ترك طفلاها المنزل فى صراخ واستغاثة على فراق أمهما ،كان الطفلان لم يبلغا سن السادسة حتى طرقا أبواب الشوارع
ومشاكلها المتلاحقة ، الأب يبكى ويلا على فلذتا كبده أين هما يا ترى؟ لا أحد يجيب عليه سوى هاجس يصدر من أعماق قلبه بنبرات الحسرة والندم ، مشى الرجل يحدث نفسه كالمجنون فى ذهول مرعب لم يتذوق وسن النوم أو يأكل لقمة حتى نحل جسده وذبل لونه ، ركب الرجل سيارته وانعطف فى الطريق المؤدى لمنزل أم زوجه أملا فى إيجاد ولديه ، وصل الرجل المكان المقصود وطرق الجرس حتى خرجت له حماته واستقبلته بكل لطف رغم أنه قد ضرب ابنتها ضربا شديدا حتى انكسرت ضلوعها ، وقالت له” خيرا
ما الذى حملك على القدوم إلينا ؟”
تنفس الرجل الصعداء ثم قال برفق ” هل الأولاد عندكم أم لا ؟
تعجبت المرأة وقالت له ” أليست زوجتك قد تركت ولديك هناك فى المنزل ؟ ثم ارتفع صوته بالأنين وتذكر كل ما حدث
وكيف دارت المشاكل بسبب أشياء تافهة ؟
الحقيقة أن الولدين قد غضبا حتى تركا المنزل هرولة؛ لأنهما لم يشعرا بالطمأنينة والاستقرار فى ظل سياج أسرى متهشم.
دارت رحى الشتات على حياة الولدين وارتسمت لهما حياة أكثر عبثية حيث توسد الأرصفة ليلا دون حساب ولا مسؤلية
كانت أم ضاحى تدير مجموعة من عصابات المخدرات والسرقة وكان لها رجالها المنتشرين فى ربوع المدينة وشاهد أحدهم طفلين يرتعدان من برودة الجو ولا غطاء يدفع عنهم قساوة الحياة ، كانت أسنانهما تصطك بسرعة كأن زلزال يخلع جدارها من قاعه، تحركت مشاعر الرقة و الحنين الأبوى لديه حتى حملهما على ظهره ووضعهما داخل سيارة ،هنا تمحى الذاكرة الأولى بما خلفته من طباع الأبوة الأولى وتترمم عوضا عنها ذاكرة لا تنسى كرم الشوارع وتعترف بالجريمة بضاعتها وقوتها ، انطلقت السيارة إلى منزل أم ضاحى وهناك تم تجهيز غرفة للصغيرين ودبت فيهما الحياة مرة أخرى وفى الصباح استيقظ الصغيران من نومهما ، ونزل الرجال إلى مخبأسري يعج ببضائع السوء ، تم تقسيم أفراد العصابة على كافة المناطق لترويج البضائع للشباب وجرت الأيام كشعاع البصر وكبر الطفلان فى بيئة خصبة بالفساد وكان أحدهما يتقلد مطواة وخنجر ويتصيد الليل لاستيقاف المارة واستلاب أموالهم وأغراضهم الخاصة بلا وازع من ضمير أو خوف من القدير ،علاوة على ذلك كان يربى كلابا مدربة على تثبيت الناس بمنظرها البشع وضخامة أجسامها والتى تشبه العجول فى شكلها المخيف، ومن يعترض أو يلمح لمجرد الرفض والا متعاض يجره الكلب من ثوبه حتى يتضرج وجهه بالدماء ويفترس لحمه وهو يتأوه صارخا ولا أحد يكترث .
والآخر يسطو على المحلات والدكاكين بسلاح آلى وخلفه عصابة مدججة بالسلاح والشر يخرج لهيبا من عيونهم المارقة
وذاع صيتهما فى جميع الأنحاء واستشرى الرعب بين الناس لأن أحد الرجلين قد قطع رأس شاب لأنه قاومه بالعصى وسط تجمع بشرى لا يصدق ، حقا إنها جريمة نكراء و ذئاب تأكل لحم بشرى بمنتهى الإسفاف والبذاءة ألا يستطيع أحد أن يضع حدا لهؤلاء المجرمين ؟ أم أن الدنيا قد تعرت كرامتها فلا صوت يصدح بالحق وهم يمكرون؟ شاهد شاب محمد هذه الجريمة البغيضة نصب عينيه فأقسم بين يدى الله أن يكف هذا الشر ولو زهقت روحه وكان طالبا فى المرحلة الثانوية وبعد أداء الثانوية العامة قرر محمد أن يقدم فى كلية الشرطة وبالفعل نجح فى الاختبارات موفقا والتحق بكلية الشرطة وغاص فى تدريباتها وعروضها حتى يوم التخرج ، وتدرج فى قسم المخدرات والسرقة وشاءت الأقدار أن يكون فى قسم قرب منطقة الحادث السابق ، وجمع معلومات عن كل المجرمين فى المنطقة وقام بحملة فجائية ليلا وقبض على معظمهم بعد تبادل إطلاق النار من كلا الجانبين، كان أحد الرجلين غارقا فى دمه والآخر لاذ بالفرار ، ركض الشرطى محمد خلفه وضرب عليه النار حتى نفذت الذخيرة وتبا دلا العراك فى حومة الاشتباك حتى أخرج المجرم مطواه وأخذ يغازل محمد بهايمنة ويسرة فى خلسة وألعوبة داهية وجرح بهازراعه فلم يجد محمد بد من المقاومة حتى نزع عنه حزامه وبادله الضرب باحترافية عالية حتى مزع جسده وظهرت فيه آثار الوجع وسقط دوخة ، أمر الشرطى محمد رجال البوليس بالقبض على المجرم الخطير وتكبيله بالأصفاد وزجه فى غياهب السجن ، كانت هى المرة الأولى التي يرى فيه المجرم ضيق الحياة وقبح الذل حتى خر باكيا يندم على ما قدم فى حياته وكان الشيخ واصل يصلي بالمسلمين صلاة المغرب حتى بلغ نهاية سورة الفجر” ياليتنى قدمت لحياتى” ، أدهش المجرم الخطير فى البكاء حتى أن لبكائه المصلون وبعد أن فرغ الشيخ من صلاته بادر الرجل تحدث يا أخى ما الذى يبكيك هكذا ؟ فأجابه وعينه ترمق للأرض فى خجل شديد
لقد قتلت الناس وسرقت وارتكبت أفظع الجرائم هل لى من توبة تمحو ذنوبي؟ كان الرجل مقطع جبينه والعبوس يصدع رأسه بأنه لا مغفرة ولا توبة حتى سال حديث الشيخ كالماء الجار ي الهابط على صدره ويملأهذه الهناجر القاحلة أملا طيبا
وتلا عليه قوله تعالى،” قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم
لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ” .
ظل الرجل يصلى لله ويبكى بحرارة يرجو من الله أن يصفح عنه ويلهج قائلا ” يا رب ، يا رب ،يا رب “
حتى فاضت روحه وختم له بحسن الخاتمة ، سبحان الله لا أحد يستطيع أن يقرر مصير أحد ولا ينوب عن الذات العلية فى الحكم على أحد من العالمين بدخول الجنة أو النار فهذا مرده له واحده تعالى
المزيد من الموضوعات
نسمااات .. الحب !!!!
رواية شادن. ستكون موجودة بقوة في معرض القاهرة الدولي للكتاب…
أبيات شعر تعبر عن حال الدنيا وتم تلخيصها في أربع أبيات.