ليلة رأس السنة
التصق وجه الطفلة بائعة الفل بزجاج باب المطعم الكبير، أطلت على قلبها الدنيا الساحرة، ووجوه متألقة بسيدات يصل عبير عطورهن الرقيقة إلى أنفاسها، رغم الباب الكبير الذي يفصلها عن جنتهن، كأنهن آلهات للجمال بتسريحات الشعور التى تزينها الورود والقبعات، والملابس التي تطل منها “النحور أو الأعناق” المتألقة والأذرع البيضاء.
رجال في ملابس أنيقة، وسجائر تطلق موجات كثيفة من الدخان، كأنه بخوراً يتمدد إلى السقف العالي المليىء بنقوش ذهبية، تضيىء الرخام الثمين الذي يغلف المكان.
وإلى الجانب عازف “البيانو” الذي لا تصل إليها موسيقاه، لكنها تراها أنغاماً مُوزعة بين الحاضرين والحاضرات، يتمايلون ويرقصون ويتحاضنون، فتتمايل وترقص وتحتضن المشهد كله حضناً عميقاً.
ترى النادل قادماً نحوها، بنظرة جدية يشير إليها ألا تقف هنا، فتلمحها إحدى السيدات الجالسات وهي ملتصقة بزجاج الباب، فتشير إليها بأن تدخل، وتطلب من النادل أن يُدخل الطفلة ويأتي بها.
فتح لها النادل الباب، فدخلت تقودها خطواتها المتمهلة نحو الطاولة التي تجلس عليها السيدة.
تطلب السيدة منها عقداً من الفل وتسألها عن اسمها فتجيبها، ثم تجلسها معها على الطاولة وتطلب لها عشاءاً.
تنقلت عيناها في المكان، السقف المرتفع، الأعمدة والجدران وزخارفها الذهبية، الاضاءة الخفيفة المنبعثة من ثريا ضخمة، تنتبه لرائحة أخذت تتنفسها بعمق وتتنهد، فقد وصل العشاء، فتأكل على استحياء، وهي تراقب العازف الجالس وراء “البيانو” وهو يعزف ويدندن بألحان وأغاني جميلة.
كانت عيناها تطوفان في المكان وهي تشاهد الرجال المتأنقين، والسيدات الفاتنات، والفتيات الراقصات والشبان والشابات العاملين.
كانت جالسة في الركن البعيد، حين انطفئت الأنوار ودقت الساعة دقاتها الاثني عشر دقة، وحولها كل هؤلاء ومن وراء الزجاج كانت تشاهد عالمها الذي ينتظرها بالخارج في ليلة رأس السنة.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…