وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

أسامة حراكي يكتب: لغة لأحاسيس البشر

إحسان عبد القدوس
غير نظرة المجتمع للمرأة والحب

من منا ينسى تلك الروايات التى قدمت جرأة في معالجة قضايا المرأة بشكل أدهش الجميع، تلك الروايات التي وجدت فيها السينما المصرية الملاذ لتقديم نظرة جديدة على شاشة السينما عن المرأة بدلاً من تلك الكسيرة الضعيفة التابعة للرجل، قدمت السينما المرأة القوية التى تبحث عن احلامها ومستقبلها المهني ولا ترضى بفتات الحياة، ولهذا اختارت لتجسيد هذه الشخصيات ممثلات بارعات يصلحن لهذه الادوار الخاصة مثل لبنى عبد العزيز وماجدة .

هي بلا شك رواياته مثل اين عمري ،أنا حرة ،الطريق المسدود ،والنظارة السوداء….
حملت كتاباته وجهة نظر خاصة بالمرأة وحريتها ومستقبلها وعرض بشكل راق، كيف أن المرأة لم تعد على هامش الحياة وأن من حقها أختيار حياتها والمشاركة في نهضة المجتمع وهو ماوضعه على قائمة أهم ادباء العصر في دعواته الجريئة والمتفتحة، وفسر البعض هذا الى تأثير والدته فاطمة اليوسف والتي سطرت هي الاخرى حياة مفعمة بالنشاط والانجاز .

في احد الأيام كتب رثاء في صديق له فقال:
“الحياة لا تذكرنا بالموت، ولكن الموت يذكرنا بالحياة، وعندما نفاجأ بموت انسان يكون رد الفعل الطبيعي للمفاجأة هو دائماً ذكر حياته، لا نذكر غيبته ولا نتصور انه انتهى، ولكننا بقوة المفاجأة نفسها نذكر حياته، ونذكر من تفاصيل حياته صوراً كثيرة لم نكن نذكرها قبل أن تصدمنا مفاجأة موته، انت لاتعد احجار البيت الذي تسكنه، ولكن عندما ينقص من البيت حجر تذكره وتبحث وراءه وتبكيه”.

كان في حياته محارباً ومتهماً، وعندما توفي مدحته نفس الأقلام التي انتقدته، وتذكر اصحابها انه كتب في السياسة كما كتب في الحب وعن مشاعر المرأة، فهو اول من كتب عن صفقة الاسلحة الفاسدة.

دخل قلوبنا بكتاباته، فحين نقرأ له لا نستطيع الفكاك من اثره حيث نشعر بإنسانيته على الورق وفي كل حرف وكل كلمة، يربطنا به حبل سري لا يُرى ولا ينفصم مع كل قراءة جديدة، كتب لنا لا من اجل المال والشهرة بل لإمتاعنا ادباً وفناً.

ولد في اول يناير عام 1919 ونشأ في بيت جده لوالده الشيخ رضوان وكان من خريجي الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جداً وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، وكانت والدته فنانة وصحفية، سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن، وكان يحضر وهو طفل ندوة جده حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوة أخرى على النقيض تماماً لما كان عليه.

ويتحدث اديبنا عن تأثير هذين الجانبين المتناقضين عليه فيقول: “كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه” .

ووالدته السيدة روزاليوسف واسمها الحقيقي فاطمة اليوسف وهي لبنانية الأصل، نشأت يتيمة إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها واحتضنتها أسرة نصرانية صديقة لوالدها والتي قررت الهجرة إلى أمريكا وعند رسو الباخرة بالإسكندرية طلب أسكندر فرح صاحب فرقة مسرحية من الأسرة المهاجرة التنازل عن البنت اليتيمة فاطمة ليتولاها ويربيها فوافقت الأسرة وبدأت حياتها في الفن، وتعرفت فاطمة اليوسف على المهندس محمد عبد القدوس المهندس بالطرق والكباري في حفل أقامه النادي الأهلي وكان عبد القدوس عضواً بالنادي ومن هواة الفن فصعد على المسرح وقدم فاصلاً من المونولوجات المرحة، فأعجبت به فاطمة وبعد قصة حب تزوجته، فثار والده وتبرأ منه وطرده من بيته لزواجه من ممثلة، فترك الابن وظيفته الحكومية وتفرغ للفن ممثلاً ومؤلفاً مسرحياً.

درس كاتبنا الكبير في مدرسة خليل آغا بالقاهرة 1927-1931م، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1942م وفشل أن يكون محامياً ويتحدث عن فشله هذا فيقول:”كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً”.

شارك باسهامات بارزة في المجلس الأعلى للصحافة ومؤسسة السينما، وقد كتب 49 رواية تم تحويلها إلى نصوص أفلام و5 روايات تم تحويلها إلى نصوص مسرحية و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية إضافة إلى 65 كتاباً من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والأوكرانية والصينية والألمانية.

عمل رئيساً لتحرير روز اليوسف من 1945-1964م. وكان قد تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف عام 1960م عقب تأميم الصحافة. ثم عين رئيسا لتحرير أخبار اليوم 1966ـ1974، وكان ايضاً من عام 1971 رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة، وعين رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام من مارس عام 1975 حتى مارس عام 1976م ، وبعدها كاتبا متفرغا في الأهرام حتى وفاته.

لقد علق في ذاكرتنا وكان مثل الشخصيات المهمة في حياتنا، فهناك اللطيف المحبوب الذي لا ننساه والآخر السمج الذي لا نود ذكره والآخر الذي يستشار ونعود اليه ونعجب دائماً بأرائه، بالنسبة لي فقد سطع نور العبارات امامي والتقط افكاري حين بدأت اقرأ رواياته، فكل رواية كتبها بعناية وحب ووضع فيها احاسيسه ومشاعره وحينما اقرؤها كأني في حوار حميم معه، ولم اتخيل في يوم ما اني سأدخل لمنزله حيث شرفت لدخوله مع الصديق خالد تليمة لمقابلة نجله استاذنا محمد عبد القدوس لأمر يخص موقع “يلا تغيير” حيث كان خالد مديراُ لتحريره والاستاذ مشرفاُ عاماً له، وكانت الحقيقة التي حدثت بالفعل لا محض خيال، ففي بيته عثرت عليه وسمعت صوت ذاكرته وقلبت في اوراقه المكشوفة امامي، وذلك من خلال صوره ومكتبته ومكتبه وسريره وكرسي جلوسه المفضل، وكان هذا إغراء يجذب فضولي، فالدينا جميعاً فضول لا يمكن تجاهله او محاولة اخفائه، ونرغب في فتح الخزائن السرية التي كانت مغلقة أمامنا.

انه كاتبنا الكبير احسان عبد القدوس الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم 12 يناير 1990 لكنه لازال بيننا بكتبه ورواياته.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن