أسامة حراكي يكتب: أميرتي
فى ليلة حالكة ساقنى الحزن إلى أعتاب الكرب، اتسعت فيها ذاكرتى فغمرتنى نشوة من الأحزان وفاض قلبى واعتصر ما فيه من الآلام، وسمعت همساً فى أذناى يدفعنى إلى أن أنهض وأبحث عن شىء ينقصنى، حاولت أن أعرف ما ينقصنى فيئست، وقمت إلى ورقى وقلمى وأخذت أخط رسالة إلى حبيبتى.
لا أعرف ما أقول ولا من أين أبدأ ولا أجد ما أسميك به سوى أميرة قلبى أنا، الآن عرفت أن هذا الهمس هو همس الحب، وذلك الصوت هو صوت الماضى الذى لا أظن أنه أصبح ماضياً، أشعر بأنفاسك تحيطنى وتلفنى من كل اتجاه، لقد شاهدت القمر ليلة المساء مضيئاً، فتمنيت أن يضىء هذا القمر ليل كل العاشقين، وأن يكون مناراً لكل التائهين.
أيها القمر الذى ينير ليلى لا تبتعد، فأنتى يا حبيبتى قمرى، سهرت ليال طوال أنتظر ضوءه، أنتظر أن يذوب فى عمرى وأذوب فى رؤيته، فستبقين بالنسبة لى القمر الذى عشت أنتظر حبه وضاعت سنين عمرى فى محرابه.
أيها القمر هل تشعر بالذى أحسه تجاهها، هل تسمع صوت دقات قلبى، لقد طال الشوق إليها وإلى لون عينيها وبسمة شفتيها والحنان من لمسة يديها، لقد تعلمت الحب فى خصلات شعرها، فى نبضات قلبها، فى همسات شفتيها، فى بريق عينيها.
مضى زمن على يوم أسدلتى ستاراً بينى وبينك، ومنذ ذلك اليوم لا تزال كآبة الدنيا فى وجهى وحول قلبى، لم يقفل الهم لى بابه، ولم تفتح لى السعادة شباكها، لا تزال دنيا الناس من بعدك غريبة عنى، لا يزال ضجيج ضحكات الشامتين فى قلبى، لا تزال جراحه تنزف بالآلام وتحترق فى نار لا يطفؤها تقادم الأيام، ولا يخفف من لظاها وطأة اليأس ولا نسيم الأمل ولا هاجس الأحلام.
أتذكرين ذلك اليوم الذى قلتى لى فيه، أريدك أن تنسى ما كان وما قلناه، والوعود التى كانت والحب الذى كان، أريدك أن تكون أخاً وصديقاً لا أكثر، إن الصداقة من السهل أن تتحول إلى حب، لكن من الصعب أن يتحول الحب إلى صداقة، أنا أذكر ذلك اليوم وهذه الحظة بالذات، هذه اللحظة التى طعنت فيها، لا أعرف ما الذى فعلته ولا الذنب الذى اقترفته، هل هو أنى قدمت لك كل الإخلاص والحب والمودة، أم أن هناك شيئاً أغضبك وجعلك تغيرين كل ما كان، أم كنتى مخطئة حين بادلتينى الشعور الذى كنت أبادلك إياه، أعترف أنى أخطأت من البداية حين صارحتك بحقيقة أحاسيسى تجاهك وحبى لكى، كان ذلك الوقت غير مناسب ولكننى رأيت حولكى الكثير من المعجبين، فخفت أن يسبقنى أحد فصارحتك وقبلتى، كم أذكر ذلك الحب الذى كنتى تقدمينه لى، والوعود التى كنتى تعديننى بها، كل ذلك نسيتيه أم تناسيتيه، لماذا لم تقولى هذا من البداية، هل كنتى تخدعيننى وتتسلين بى، هل تذكرين حين كنتى تشكين لى عن متاعبك، فأقول لكى لا تجعلى كلام الآخرين يضايقك وثقى بنفسك ولا يهمك كل ما يقال، كم كنت أصفك وتقولين لا أرى فى نفسى ما تقول، فأجيبك بل أنت أكثر من ذلك، كم أقارن الذى كان بالآن، فالآن حين أقول لكى ذلك تقولين أعرف أنى هكذا ولا أحتاج لرأيك فكم من المعجبين يتمونون كلمة منى، آه يا حبيبتى كم أصبحتى مغرورة، لم تعودى أنتى التى أعرفه، آه يا حبيبتى، تلك الآه تخرج من صدرى ويخرج معها غبار تراكم داخله من بعد ما هجرتينى.
من بعد ذلك اليوم عادت الدنيا تدور دورتها كأن شيئاً لم يكن بالنسبة لكى، أما بالنسبة لى فقد تابع الزمن مساره وتابع الناس معه رحلتهم، لكنى بقيت وحدى غريباً بينهم، شارداً عن طريقهم، أراقبهم من حولى فأراهم منغمسين فى لهوهم وأفراحهم، متعانقين سعياً وراء أمانيهم وغاياتهم، فلا أجد نفسى إلا كضائع بينهم غريب عنهم، أجلس وأسير معهم ولكن مثل سحابة صيف، أو مثل غصن من بقايا الخريف تتقاذفه مياه النيل، لا أرى الدنيا إن ضحكت إلا وهى مغموسة من حولى بالكآبة والسواد، كأنها لا تزال حبيسة منذ ذلك اليوم الذى شيعتى فيه أحلامى.
الناس يهربون من ذكرياتهم وأحزانهم إلى المرح والنسيان، أما أنا فلا يحلو لى إلا أن أهرب من المرح والنسيان إلى ذكرياتى وأحزانى، لا يؤنسنى إلا الحديث عنك، ولا يحلو لى إلا استرجاع ذكرياتى معك، لكن ماذا يفعل من فقد حبيبه سوى أن يستعيد ذكرياته معه، لقد نسيتينى وأصبحت عندك مجرد أصداء ماض طواه بئر الزوال.
أميرتى: هل تذكرين الزهور الحمر التى زرعناها معاً، هل تذكرين كم كنتى تحبين ألوانها، هذه الزهور التى كانت تترجم فرحة وأمل المستقبل لنا، هذه الزهور التى كانت ملونة بخجل حبنا البرىء الطاهر النقى، للأسف لقد ذبلت هذه الزهور وماتت، ولكن إن جفت أرض زرعناها معاً سأرويها بدموع ذكرياتى.
هكذا انقلبت جنتى التى عرفتك فيها إلى صحراء قاحلة، وتحولت الدنيا التى كنت أراها من خلالك حدائق وينابيع، إلى سجن يصنع المزيد من آلامى ويزجنى فى المزيد من الغربة عن أيامى، وعادت دنيا الوفاء مهجورة كعادتها، غير أنى سأتخذ من هذا العالم المهجور مهجعى وقرارى، وسأجعل من قلبى ساحة للعهد والوفاء لا أفارقها إلى يوم لقاء ربى، وسأتوج حب قلبى بنار الصبر، إن بكيت فسأبكى لأسقى ما فى قلبى من زهور الوفاء، وإن تألمت فهى آلام لا تساوى شيئاً من دنيا فانية.
لقد حاولت انتزاع حبك من قلبى لكنى بقيتى غالية، وأغلى ما يذكرنى بكى ويمزجنى بدفء حبك الذى كان، ذكريات من أرق العبارات وأعزب كلمات الحب التى كنتى تسمعيننى إياها، لا أزال أذكر أصابعك الرقيقة التى كانت تداعب جبينى، أصابعك التى كانت دائماً تنام بين كفى فأشعر أننى أملك الدنيا.
هل تذكرين حين كنا عائدين أنا وأنت وبعض الأصدقاء من نزهة، كنا نغنى وفجأة سألتينى هل ماتزال تحبنى، فصعقت لذلك السؤال وقد كنتى طلبتى من قبل أن لا نفتح هذا الموضوع، فأجبتك لما لا نتكلم فى موضوع آخر، فقلتى أنت تعتقد أن هناك شخصاً غيرك، لكنى أقسم أن هذا غير صحيح، فقلت لكى لا يهمنى أن أعرف، فى هذه اللحظة رأيت فى عينيكى الحزن فلم تهونى على، فتنازلت عن كبريائى وقلت لكى أنتى تعرفين ما أنت بالنسبة لى، فقلتى ماذا تقصد؟ فقلت نعم لا أزال أحبك وسأبقى، فى هذه اللحظة ابتسمتى وأنا أعلم أنكى تقصدين بذلك إسماع صديقاتك لا أكثر.
كم ناقشت هذا الموضوع معك بعدها وكم كنتى تخذليننى دائماً، أذكرك بالوعود وما أنت والوعد الذى تعديننى إلا كمر سحابة لم تمطر، وإن ذكرتك تقولين لا أذكر ذلك، ليس صحيحاً فأنتى تعلمين جيداً الحقيقة، لقد دمرت نفسى وخسرت أشياء كثيرة، فبسببك جرحت كثيراً من الأصدقاء، وكم كنت أرجوكى أن تعودى لكنكى كنتى ترفضين ذلك، أعلم أنك تقولين الآن لا تجعلنى الشماعة التى تعلق عليها أخطائك، فهل كان حبى لكى خطأً؟
لقد كان قلبى حصناً منيعاً حتى جئتى أنتى واقتحمتيه وتربعتى داخله، وأصبح مكانك الذى تملكينه، طننت أنكى قد بنيتى لى داخل قلبك قصراً، كنت واهماً فقد كانت جدرانه من الخداع وطوابقه من الكذب، كان قصراً من الرمال فى شاطىء الوهم على بحر عينيكى الكاذبتان اللتان قالتا لي، سنعيش على حب ونموت على حب وستبقى ذكرانا، وجاءت أول موجة أطاحت بهوانا، كان حلماً لم يدم فعصفت بأحلامى رياح الغدر، فقد طورتى أكاذيبك وتوجتى ألاعيبك بكلماتك الحلوة وبيانك الرائع، هل كان كل هذا نفاقاً، آهٍ لقلبى الهيمان وسط جنة نارك، يا للضلوع المستعرة على جنباته.
أميرتي: إننى أرتل نجواك وأردد كلماتك فى محراب ذاكرتى بدموع غالية، ما أحببت فيكى مجرد شكلٍ جميل مع أن الله منحك منه الكثير، ولا مجرد أنوثة مما تهفو إليه الرجال ، لكن الذى علقنى بك ، ما كنت أعتقده من صفاء روحك وسمو احساسك واشراقة قلبك وحبك الرائع الذى كان ، وعيونك التى ملؤها الحب والأمل ، لقد وجدت نفسى بين يديكى فكيف لا وأنتى صانعة الحب، لقد كنت من غيرك كمركب تمزق شراعه ألقت به الأمواج حيث لا يعلم، كنتى الغد المشرق بأيامي، والفجر الذى أنار ظلامى وأصبحت الدنيا من غيرك ظلاماً.
يا منية النفس وتوأم الروح وأنشودة الفلب، يا من كنت أعتقد أنها النبع الذى أرتوى منه والمنارة التى تضيء دربي، يا من كنت أعتقد انها أنيسة العمر ورفيقة الدرب، يا من قدمت لها كل الإخلاص والحب وقدمت لى كل الأحزان، هل هذا جزاء صدق حبى لكي؟
حبيبتى الخالدة إعلمى أنك حتى الآن باقية حبيبتي، وزدت حباً لحبك ولسوف يبقى حبى لك فى ازدياد حتى نهاية عمري، لن ينبض قلبى لغيرك، وربما يوماً أقابل غيرك أو أعيش مع امرأة سواك، لكن لن تكون لها نفس ملامحك ولا مثل لمسة يدك، ولن تكون ذكرياتى معها مثل ذكرياتى معك، أعدك آلا تغيب شمس حبك عن دنيتي، لن أنسى ذلك الحب الذى استولى على قلبي، ستبقى أطيافه تلاحفني، لن تغرق أحلامى داخل بحر النسيان، لن تطفئ شجونى نيران قلبى الملتهب، ستظلين دوماً حبيبتى وقمرى الذى يضىء ليلى، وسيظل حبى وشوقى وأشعارى لكى أنت، وستبقين فى نظرى طفلة الأمس ببراءتها ولعبها وفتاة أحلامى الرقيقة، وعقد الفل حول رقبتى ونقطة الماء العذب التى تروينى، وسيكون طيفك جليسى ومؤنسى يذكرنى بك، فملامحك محفورة بقلبى وصوتك دائماً فى أذناى.
اعلمى أن قلبى وهبك حبه ولا يريد منك شيئاً سوى أن ترفقى به، فرفقاً بمن أحبك ولم يطلب سوى أن يظل بقربك يراك من بعيد، يشاركك أفراحك وأحزانك، ويتمنى لك حياة مليئة بالفرح والسعادة، فسلام من قلبى ولكن ليتكى تقبلين سلامى، فلو أنصفنى قلبك ما كان باعد بينى وبينك وأغرقنى فى بحر نسيانك، كنت أود أن أحادثك بنفسى لأن حديث اللسان أعزب وأقوى فى البيان مما تخطه الأقلام.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين