أسامة حراكي يكتب: في اليوم العالمي للفن
“تكب الأمم العظيمة سيرتها في ثلاث مخطوطات، سِفر أقوالها، وسِفر أفعالها، وسِفر فنونها، ومن بين الأسفار الثلاثة نجد السِفر الأخير هو الوحيد الموثوق به”.
هذا ما أكده الناقد “جون رسكن” للدلالة على أهمية الأعمال الفنية كسجلات معتمدة وموثقة عبر التاريخ، تنبئنا عن أحوال الراحلين وتشي لنا عن أخبارهم وتدلنا على خصائص الزمان والمكان، فالعمل الفني هو ذاكرة الناس وعقلهم الباطن الذي يحفظ موروثهم الثقافي والحضاري والقيمي، ويودعون فيه آمالهم وآلامهم وأيضاُ أسرارهم وخفاياهم.
من خلال فهم تراث المنطقة وإنسان هذه الأرض، يستطيع الفنان أو الأديب أن يمتلك ثروة معرفية ومادية تدخله في مجال الإبداع، متصيداً لكل المفاهيم الوافدة في سبيل الدفاع عن ذاته، والتعبير عن هذه الذات من خلال تقنية فنية معاصرة، فإن خلاص الفن والأدب يكمن في الذات، فكلما كانت ذات المبدع شمولية من خلال الثقافة والمعرفة والتجربة، كانت أمامه مجالات جديدة للتعبير.
فالمبدع الأول في أي عمل فني هو المؤلف والمخرج معاً، والمبدع الثاني أدات التوصيل هو الممثل، وممكن استغلال أي ممثل بشكل جيد من خلال المخرج، وهناك ممثل التراكمات وممثل الصدمات، فممثل الصدمة سرعان ما ينتهي بعد أن يزول أثر الصدمة وتختفي الفرقعة، أما ممثل التراكمات فهو ينجح في إقامة علاقة جيدة مع الجمهور من خلال تراكم أعماله.
حتى الرسامين ينعكس الجانب الفلسفي في رسومات بعضهم، ما يخلق حالة من الشد لدى المشاهد ويعطيه قيمة تعبيرية، وبعض الرسامين تكون لوحاتهم في حالة تصادمية مع المشاهد ولهذا السبب تظهر لوحاتهم مُتعبة، وبعضهم يدخلون في لوحاتهم تجسيداً عملياً في جوانب الإنسان، ويستخدمون عناصر جمالية تخفف من الحدة الدرامية للعمل الفني، ومن مجمل الأعمال نشعر أنه لم يعد هناك مدرسة فنية محددة، كأن المدارس امتزجت واختلط بعضها ببعض، ولم يعد يُعرف إن كان الفنان سريالي أم تكعيبي أو تجريبي، امتزجت كل المدارس واصبحنا نرى في العمل الواحد أكثر من مدرسة، ربما يكون الهدف الوصول لأعمال تشكيلية أكثر تطوراً وتعبيراً.
والفن الحقيقي هو رقي وسمو وارتفاع، يلامس الوعي والوجدان برقي واحترام، ويرتفع بمتابعيه محلقاً في سماوات الوجد والإنخطاف الأسر، فالفن تناغماً يخلق عالماً من حالة، واللوحة التشكيلية كما القصيدة كما الكلمة، تتكون صدفة وتصنع تاريخاً في أفق الوحدة بين الزائل والخالد بين الأبدي الفاني، فالإبداع كان كلمة أو لوناً بالنسبة لنا هو الحياة، لأنها منسوجة بتكوينات الوجود.
وهناك شرائح تعارض الفن وتعتبره نشازاً لا ضرورة له، مدعية أنه يعارض القواعد الشرعية، علماً بأن التاريخي الإسلامي أنتج من الفنون مالم تدركه أمم كثيرة آنذاك، فالفنون هي من طليعة أدوات التعبير عن هوية الشعوب، وهي الأكثر إسهاماً في تهذيب الأفراد والجموع، لأنها ترتقي بالإنسان إلى أعلى وتساعده على حمل مشقات الحياة وأهوالها، ولا يمكن لشعب يسعى إلى النهوض وإستعادت مكانته أن يهمل الفنون، فعلينا الحث والحض على مزيد من الإبداعات التي تعيد للفن الراقي مكانته الحقيقية في مجتمعاتنا المحتاجة إلى الكثير من عوامل النهوض والتقدم نحو المستقبل، فالإنسان يبرع ويبدع حين يتخطى العوائق التي تحول دون إبداعه، ويتفزق عليها ويسجل إبتكاره مقدماً حلولاً مبتكرة تصبح علامة فارقة على صعيد التطور البشري.
ومن الأقوال عن الفن:
ـ الفن تركيز للطبيعة “بلزاك”
ـ كل فن يحمل نوراً إلى الآخر “فولتير”
ـ لا يمكن تحمل الفن الحقيقي “بيتهوفن”
ـ معبد الفن مبني على الكلمات “جاي جي هولاند”
ـ الفن العظيم ليس انعكاساً للواقع إنما هو تبشير بالمستقبل “غادة السمان”
ـ هناك فنان يستفيد من فنه، وفنان آخر يستفيد الفن منه “محمد عبد الوهاب”.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…