إن العهد كان مسؤولا
يُحكى أن ملكاً عاد إلى قصره بعد سفر في ليلة باردة، فشاهد أحد الحراس واقفاً على بوابات القصر مرتدياً ملابس لا تقيه برودة ليل الشتاء، فسأله الملك مستغرباً: ألا تشعر بالبرد أيها الحارس؟
فأجابه الحارس: نعم يا مولاي أشعر بالبرد ولكني لا أملك معطفاً، فلا بد لي من التحمل قدر الإمكان، فوعده الملك أن يرسل له معطفاً مع أحد الخدم ليدفئ به جسده ومضى إلى داخل قصره، فاستقبله من في القصر استقبالاً رائعاً فرحاً بقدومه مما أنساه أمر الحارس والوعد الذي وعده به.
في الصباح وجد ذلك الحارس المسكين قد فارق الحياة متجمداً من البرد، وكان قد كتب رسالة للملك بحروف مرتجفة قال فيها: أيها الملك قد كنت أتحمل البرد كل ليلة صامداً، ولكن وعدك لي بالمعطف سلب مني قوتي وصبري وشدة تحملي.
فوعودنا التي نعطيها للناس قد تعني لهم أكثر مما نتصور، فنحن بوعودنا قد نبني لهم آمالاً قد تهدمها ظروف ما، ونفتح أمامهم أبواباً قد أوصدتها وواجهتها وقابلتها عوائق ما، ونشرق في سمائهم شمساً قد حجبتها الغيوم، وهذا الوعد قد يكون حبل النجاة الذي ينقذهم مما هم فيه.
فعدم الوفاء بالوعد سيكون خيبة أمل وصدمة تطفئ النور الخافت المتبقي في صدر الإنسان الموعود، وتجعله يتجرع مرارة اليُتم الإنساني، إذ يجد نفسه وحيداً كالطفل اليتيم الذي فقد والديه فلا معيل له، او رجل ابتعد عنه أصدقاؤه فلا ناصح أو سند له.
من اعتاد الإخلاف بوعوده أو تساهل في الوفاء بها دون تقدير لمشاعر الآخرين، ينسف بكل بساطة مصداقيته الأخلاقية تجاههم ويهدم بناء ثقتهم به، فالوعد بين الناس إنما هو ميثاق والتزام أخلاقي، ولنتذكر في حديث الرسول الكريم الذي نبه فيه وحذر عن الإخلاف بالوعد حين أخبر عن المنافقين بخصال ليحذرنا منها حتى نبتعد عنها بقوله ﷺ: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” فيحذرنا من إخلاف الوعد، ومن الكذب في الحديث والأخبار، ومن الخيانة في الأمانة، وأنها من خصال أهل النفاق نعوذ بالله فيجب الحذر منها.
وأيضاً قول الله عز وجل في كتابه العزيز : {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً}.
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…