وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

إلغاء العلوم الإنسانية: هل نحن مستعدون للتضحية بهويتنا الثقافية؟…

إلغاء العلوم الإنسانية: هل نحن مستعدون للتضحية بهويتنا الثقافية؟…

كتبت :امل سلامه

وسيط اليوم

18/8/2024
في عصر تتسارع فيه الخطى نحو التقدم التكنولوجي والابتكارات العلمية، يبدو أن العلوم الإنسانية قد أصبحت ضحية لهذا الزحف المادي. لكن هل فكرنا حقاً في التبعات المترتبة على إقصائها من مناهجنا الدراسية؟ إن إلغاء هذه العلوم قد لا يبدو مسألة ذات أهمية في البداية، لكنه في الواقع يمس صميم ما يجعلنا بشرًا.
العلوم الإنسانية، بما تتضمنه من فلسفة وتاريخ وأدب، تمنحنا القدرة على استكشاف أعماق الثقافة البشرية وتجاربها. إنها تتيح لنا فهم جذورنا وهويتنا الثقافية، وتساعدنا على الحفاظ على التراث الذي يشكل نسيجنا الاجتماعي. تخيل مجتمعًا يفقد قدرته على الرجوع إلى ماضيه لفهم حاضره، ويعيش في جهل بأصوله الثقافية. من دون هذا العمق التاريخي، قد نجد أنفسنا في حالة من الانفصال عن جذورنا، مما يؤدي إلى ضياع الهوية وضبابية في القيم المشتركة.
لكن الأثر لا يتوقف عند حدود الهوية الثقافية. إن العلوم الإنسانية تلعب دورًا حاسمًا في تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي. من خلال تحليل النصوص والبحث في الأفكار الفلسفية، يتعلم الأفراد كيفية التعامل مع المشكلات المعقدة وتقديم حلول مبتكرة. إلغاء هذه العلوم يعني فقدان هذه الأدوات الضرورية التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية وفي اتخاذ قراراتنا المصيرية. دون هذه الخلفية، قد نعاني من نقص في القدرة على التفكير بعمق وإيجاد حلول فعّالة للتحديات التي نواجهها.
وإذا انتقلنا إلى النسيج الاجتماعي، نجد أن العلوم الإنسانية تسهم في تعزيز التفاهم والتواصل بين مختلف الثقافات والخلفيات. من خلال دراسة الفروقات الثقافية وتقدير تجارب الآخرين، نبني جسوراً من الاحترام والتفاهم. إلغاء هذه الدراسات قد يؤدي إلى تفشي الجهل والانعزالية، مما يعمق الانقسامات الاجتماعية ويؤدي إلى تزايد التوترات والصراعات.
اضف إلى ذلك، أن العلوم الإنسانية تعزز فهم القيم والأخلاق، مما يساعد الأفراد على التعامل مع القضايا الاجتماعية بطرق مدروسة ومسؤولة. إلغاء هذه المواد يمكن أن يؤدي إلى ضعف في تقدير القيم الإنسانية الأساسية، مما يؤثر على نوعية التفاعل الاجتماعي ويضعف التماسك بين الأفراد.
في الختام، إن إلغاء العلوم الإنسانية يمثل تهديداً حقيقياً ليس فقط لمستقبل التعليم، بل أيضاً لتماسك المجتمع وتقدمه. إنها ليست مجرد تخصصات أكاديمية، بل هي الأساس الذي نبني عليه فهمنا للعالم والآخرين. الحفاظ على هذه العلوم وتطويرها هو ضرورة لضمان مستقبل غني بالمعرفة، متماسك ثقافياً، ومبني على قيم إنسانية راسخة.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp