أسامة حراكي يكتب: سنة أولى جامعة
بفارغ الصبر تشرق شمس يوم إعلان نتائج الثانوية العامة، فهناك من يتلقى خبر صادم، أو نجاح بمعدل بسيط أو متوسط، أو نجاحهم بمعدل مرتفع، توصف تلك اللحظة بالقول: تعبهم يتلاشى عندما يرون دموع الفرح على وجنتي أولياء امورهم، وتعم الفرحة البيت، وبين تهنئة وأخرى يُطرح سؤال واحد، ماذا قررتم أن تتخصصوا أو تدخلوا؟
الإجابة عن هذا السؤال هو من أصعب القرارات التي يجب على الطلاب أن يتخذوه، لأنه قرار سيُبنى عليه مستقبلهم كله.
دهشة وحماسة وقلق، خطوات مرتبكة وملابس لافته للانتباه، كلها تعلن على الملأ داخل أسوار الجامعة “أمامك طالب سنة أولى” فعند مدخل الجامعة يرمي الطلاب عنهم شغب الطفولة ويحلمون بأيام الجد والاجتهاد، يدفعهم شوق وخوف، شوق إلى مستقبل منتظر، وخوف من مجهول لا يعرفونه.
تعتبر السنة الأولى في المرحلة الجامعية خطوة تحول مهمة في حياة الطلاب الذين ودعوا بالأمس القريب الطابور الصباحي وجرس نهاية الحصة والزي المدرسي، إذ ليس هناك لباس مدرسي يخنق رغبة الطلاب في التغيير، ولا من يلاحقهم ليوبخهم على حمل التليفون المحمول، فمساحة الحرية الشخصية لدى الطلاب تكبر عند الخروج من عنق المرحلة الثانوية والوصول إلى الحرم الجامعي، وعندما يتعلق الأمر بالسنة الأولى في الجامعة، فإن الاستقلالية والاعتماد على النفس والمسؤلية والتأقلم مع عالم جديد، ستكون على قائمة الاهتمامات التي سوف تشغل أفكار معظم الطلاب، الذين يظنون أنهم سيبدأون حياة الحرية بعيداً عن ضغوط المدرسة، ليجدوا أنه حان وقت الجد والاجتهاد وتحمل مسؤلية دراسية كبيرة، محاضرات يومية تبدأ منذ الصباح حتى نهابة اليوم، وكمية معلومات يومية تحتاج أسابيع للدراسة، ضغط هائل يزداد مع المضي قُدماً في قاعات الجامعة.
شعور طلاب الجامعة في سنتهم الأولى يشبه شعور العابر على جسر مرحلة جديدة من حياته، إذ يكون مزيجاً من القلق والترقب، ونقطة تحول محوري في حياة الطلاب، وبها تكتمل شخصيتهم وترسم ملامح جديدة لها، حيث ينتقل الطلاب إلى مرحلة النضج والرشاد والمسؤلية، بعتبارهم مقبلين على شكل مختلف من أشكال العلاقات الاجتماعية والمسؤليات الجديدة، خاصةً إذا حددوا لأنفسهم هدفاً، مثل اختيار الجامعة التي يريدونها والتخصص الذي يرجون دراسته، مما يجعلهم يشعرون بتغير مرحلي مهم في حياتهم.
السنة الأولى في الجامعة تمثل أيضاً للطلاب مرحلة يستمتعون فيها بمزيد من الحرية والاستقلال، ويعملون على بناء عالمهم الخاص لينفصلون عن الوصايا والقيود المدرسية، لكنهم يحتاجون فيها أيضاً إلى الدعم والرعاية بدلاً من المراقبة وإصدار الأوامر، باعتبارهم لا يزالون صغار وعلى الأسرة مساعدتهم بطريق غير مباشر، ويجب أن يكون هناك صداقة بين الطلاب وأسرهم، وأن يتناقشوا معهم بأسلوب الأصدقاء الذي يتسم بالحب والاهتمام والتفاهم الجيد، لأن هذا الأسلوب في المعاملة يمنحهم مزيداً من الثقة التي يحتاجونها بينما يدخلون في مجتمعهم الجامعي، فيزول توترهم ويشعرون بالراحة في المرحلة الجديدة.
طلاب السنة الدراسية الأولى في الجامعة يقبلون عليها بكثير من الخوف والحذر من الانفتاح على البيئة الجامعية، ونجدهم أكثر ميلاً إلى التشبث بمفاهيم اعتادوها في المدرسة، مثل مراقبة الأهل وسرد التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالدرس، وذلك بسبب أنهم جاؤوا من مدارس ذات طبيعة تقليدية في مجتمعنا، وكذلك من أسباب هذا التوجس تعاملهم مع هيئة أكاديمية جامعية تختلف تماماً عن المدرسة، تتسم بعلاقات أقل بين الأساتذة والطلاب وبين الطالب وزملائه، إضافة إلى ذلك أن متطلبات الدراسة ذات الطبيعة البحثية والقراءة المستمرة والتجارب، تخلق لديهم قلقاً بشأن استيعاب المطلوب منهم، وعلى الطلاب أن يعملون على اكتساب مهارات جديدة ويهتمون بتثقيف أنفسهم في شتى المجالات، وألا يكتفون بأن يكونوا ملمين بدراستهم الأكاديمية فقط.
وعلى كل جامعة أن تسعى إلى جعل بيئة الطلبة جاذبة يسهل الاندماج في جميع مرافقها، ولا يتم ذلك إلا بكون جميع العاملين من أكاديميين وإداريين ذوي كفاءة وذكاء اجتماعي وتعليمي، ولديهم الخبرة والمهارة لاستيعاب هؤلاء الطلبة وتدريبهم تدريجياً لرفعهم إلى مستوى جامعي في التعامل والتخاطب والتفكير، فإن إحدى ركائز النجاح تتمثل في وجود أُسس إدارية، كلجنة القبول والتسجيل ووحدة شؤن الطلبة والوحدات الإدارية الأخرى، التي تسهم بشكل فعال في امتصاص خوف الطلاب والتعامل معهم بشكل احترافي وودي، وتوضيح الأمور التي ستواجههم أثناء وجودهم في الجامعة، وإرشادهم للتحدث إلى ذوي التخصص حال واجهتهم أي تحديات، حيث يتعين على المتعاملين مع الطلبة أن يكونوا على دراية بالتعامل معهم، وأن يعملوا على بناء الثقة المطلوبة لدى الطلاب المستجدين، فالجامعة تلعب دوراً حيوياً في جعل القوانين الأكاديمية والإدارية واضحة لدى الطلاب منذ اليوم الأول، وأن لديهم القدرة على الوصول إليها عبر وسائل التواصل المختلفة.
الجامعة والمدرسة مرحلتان مختلفتان، لكن ثمة أشياء متشابهة بينهما، والأمر الوحيد المختلف هو طبيعة العلاقات بين الزملاء، فهي تتصف بكونها أنضج وأكثر عمقاً في المرحلة الجامعية.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين