السد الإثيوبي: هوس في أديس أبابا وقلق عارم في القاهرة
بقلم د محمد مطاوع عندما يكتمل بناء سد النهضة الإثيوبي سوف يصبح ضعف طول تمثال الحرية وبعرض جسر بروكلين الشهير في نيويورك، وستكون بحيرته بحجم العاصمة البريطانية لندن، وهو أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الهيدرو-كهربائية في إفريقيا، إذ سينتج 6,000 ميجاوات من الكهرباء، وهو أكثر من ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي. وبقليل من التعاون بين الدول الثلاثة (أثيوبيا والسودان ومصر) يمكن أن يكون السد نعمة- لا نقمة- للمنطقة كلها، لكن الأمور ليست كذلك، على الأقل بالنسبة لمصر.
فقد نشرت صحيفة “الأهرام ويكلي” القاهرية الناطقة بالانجليزية تقريرًا عن السد الإثيوبي بعنوان “التهديد الوجودي” على صدر صفحتها الأولى هذا الأسبوع، نقلت فيه عن وزير الخارجية سامح شكري قوله إن مصر تعتمد على مياه النيل للحصول على 90% من استهلاكها منه. ولا تكاد مطبوعة مصرية تخلو من الإشارة إلى خطورة هذا السد وسط امتعاض شعبي من النتائج الهزيلة للمفاوضات التي أجريت مع إثيوبيا على مدار عقد كامل، مما يشير إلى الضغط الذي يشكله هذا الأمر على الإدارة المصرية. ويشير الخبراء إلى أن حد الفقر المائي- الذي حددته الأمم المتحدة- هو 1,000 متر مكعب للفرد سنويًا، ونصيب الفرد في مصر (100 مليون نسمة) هو 570 مترًا مكعبًا قبل تشغيل السد، ومن المحتمل أن ينخفض نصيب الفرد في غضون خمس سنوات إلى 500 متر مكعب.
وعندما بدأ بناء السد عام 2011، بحث مسئولون مصريون تخريب السد، ووصل الأمر بمرسي إلى عقد اجتماع- تحول إلى فضيحة فيما بعد- أوصى المشاركون فيه بقصف السد، وفي الشهر الماضي اتهمت أثيوبيا القاهرة برعاية هجمات سيبرانية لتخريب المشروع.
وفي أجواء الاهتمام الإعلامي المحموم بهذه القضية المصيرية في مصر، يتزايد الضغط على رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لاتخاذ موقف أكثر تشددًا حيال القاهرة، كما يريد الأخير الحصول على عائد سريع للمشروع الذي تكلف 5 مليار دولار، وبالتالي فإن هناك تصميمًا على ملء بحيرة السد (الذي اكتمل 70% من بنائه) سواءً تم التوصل إلى اتفاق مع مصر أو لم يحدث ذلك. وزادت التصريحات الصحفية للمسئولين الإثيوبيين في الفترة الأخيرة التي تقول إن على مصر نسيان فترة هيمنتها على مياه النيل، وإن نصف الشعب الإثيوبي غارق في الظلام وينتظر كهرباء السد فيما اعتاد المصريون إهدار مياه النهر على مدار سنوات طويلة (80% من مياه النيل تستخدم في الري في مصر، في حين أن الري لا يستهلك أكثر من 50% من المياه الصالحة للشرب في الأردن وإسرائيل المجاورتين لها)، وإن المعاهدات التي أبرمتها بريطانيا باسمها وفرضتها على دول المنبع لصالحها أصبحت في ذمة التاريخ.
وفيما تريد أثيوبيا أن يكون الاتفاق متغيرًا، سنة بعد أخرى، فإن مصر تريده اتفاقًا دوليًا، له جهات تقاضٍ وإجراءات تحكيم وآليات لفض المنازعات. ورغم تدخل الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة الحالية، فإن مسئولي القاهرة يعتقدون أن الاتحاد الإفريقي سوف يعطي أولوية لإثيوبيا التي يتخذ من عاصمتها مقرًا له.
ورغم نشر بعض التصريحات لمسئولين سودانيين يعبرون فيها عن تضامنهم مع مصر في أزمتها بشأن السد الأثيوبي، فإن الواقع يقول إن السودان يدعم أثيوبيا، لأنه سيحصل منها على كهرباء بأسعار رخيصة عندما يعمل السد الذي يبعد عن حدوده 20 كيلومترًا فقط.
وفي ظل العلاقات المتوترة بين البلدين، ترسم الصحف المصرية أثيوبيا بصورة سارقة مياه النيل، في حين تصف وسائل الإعلام الأثيوبية مصر بالقوة الاستعمارية الجديدة، وتدعو إلى اتفاقية موسعة تشمل دول حوض النيل بالكامل (لتشمل الدول التي يقع فيها النيل الأبيض وبحيرة فيكتوريا لا النيل الأزرق فقط).
وتجدر الإشارة إلى أن الإمبراطور هيلا سيلاسي هو من أول فكر في إنشاء سد على النيل الأزرق في الستينيات، فجامله الرئيس عبد الناصر بجعل أديس أبابا مقرًا لمنظمة الوحدة الإفريقية (التي أصبحت “الاتحاد الإفريقي” فيما بعد). وتحولت الفكرة إلى حقيقة في عهد رئيس الوزراء ميليس زيناوي الذي انتهى حكمه الطويل عام 2012، إذ طلب من الإثيوبيين تمويل بناء السد بالتبرع له وشراء سندات رخيصة القيمة منه بعدما وجد البنك الدولي والمستثمرين الأجانب غير راغبين في دفع ما يحتاجه من مال. ورغم الدعاية التي تقول إن كل إثيوبي أصبح صاحب سند في بناء هذا السد، وأن الجماهير تطوعت للتبرع له، فقد كانت “التبرعات” تقتطع من مرتبات الموظفين وتم فرضها على البنوك والشركات الخاصة (بملايين البيرات- وهي العملة الإثيوبية). وعندما وصل أبي أحمد إلى سدة الحكم عام 2018 انتقد هذا المشروع على أساس أنه مجرد مشروع سياسي وأنه لا يزال أمامه عقد كامل حتى يتم الانتهاء منه. وبعد وفاة المهندس الرئيسي للمشروع عام 2018 (وهي الوفاة التي قيل عنها رسميًا إنها انتحار)، وبعد التشكيك في مدى إخلاص أبي أحمد والتزامه بقضايا بلاده الوطنية، فاجأ الأخير مستشاريه فطرح جانبًا خطابًا تم إعداده سلفًا ليلقيه عقب لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليقسم في مؤتمر صحفي إنه لن يؤذي مصر وشعبها. وأصبح السد بمثابة هوس في الشارع الإثيوبي: فأصبح الجامع المشترك الذي يوحد المواطنين من أطياف وعرقيات شتى، وقارنه مذيعو التلفزيون الحكومي بمعركة عدوة التي نشبت بين الإثيوبيين والإيطاليين عام 1896، وأطلق تيدي أفرو- وهو أشهر مغن شعبي إثيوبي- أغنية عن النيل أواخر الشهر الماضي. ومن ناحية أخرى، فإن أزمة سد النهضة الإثيوبي تأتي بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر بسبب وباء فيروس كورونا، وتدخل قوات تركية في ليبيا مما استلزم تدخلًا ضدها، وغير ذلك من القضايا والأحداث الضاغطة على صانع القرار المصري، وبالتالي فهناك حاجة إلى تدخل قوى دولية لوضع حد لطموحات إثيوبيا التي ستكون مضرة بمصالح غيرها.
المزيد من الموضوعات
الجولة الأولى للمشاورات السياسية بين مصر وجنوب أفريقيا بالقاهرة…
مجلس الوزراء يوافق خلال إجتماعة اليوم برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي علي قرارات …
استقبل الرئيس السيسي اليوم وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي بجنوب أفريقيا “رونالد لامولا”