المرأة المصرية بين الماضي و الحاضر
قلم اللواء/ سيد نوار
أبدأ مقالي الأول عن المرأة المصرية بين الماضي و الحاضر بالموضوع الأول يليه مقالات متتابعة حتى العصر الحديث و دورها في المجتمع المصري عن :
” المرأة المصرية في مصر القديمة “
كان للمرأة المصرية مكانة رفيعة في المجتمع المصري القديم باعتبارها الشريك الوحيد للرجل في حياته الدينية والدنيوية طبقًا لنظرية الخلق ونشأة الكون الموجودة في المبادئ الدينية الفرعونية، من حيث المساواة القانونية الكاملة وارتباط الرجل بالمرأة لأول مرة بالرباط المقدس من خلال عقود الزواج الأبدية.[1] وكانت تبدو هذه المكانة عصرية بشكل مفاجئ وذلك عند مقارنتها بالمكانة التي شغلتها المرأة في معظم المجتمعات المعاصرة آنذاك وحتى في العصور السابقة.
وعلى الرغم من أنه تقليديًا يحظى الرجال والنساء في مصر بامتيازات مختلفة في المجتمع، فإنه من الجلي عدم وجود عوائق لا يمكن حلها في طريق من أراد الخروج عن هذا النمط.[2] كان المصريون في هذا الوقت لا يعترفون بالمرأة ككائن مساوي للرجل بل كتكمله له. ولكن بالرغم من هذا كله، فقد استفادت المصريات من الموقف الذي وضِعوا فيه في بعض المجتمعات.
لقد عبرت الديانة المصرية القديمة والأخلاق عن هذا الرأي. ويتضح هذا الاحترام تمامًا في الدين واللاهوت كما في الأخلاق. و كان من الصعب تحديد درجة مطابقتها في حياة المصريين اليومية. ويُعد ذلك، بطبيعة الحال، بعيدًا جدًا عن المجتمع اليوناني وأثينا القديمة، حيث تُعتبر فيه المرأة قاصرة قانونيًا مدى الحياة. ومن جانب آخر، لا يتردد الأدب المصري في تقديم المرأة كطائشة وغريبة الأطوار ولا يمكن الاعتماد عليها.
و لقد تجاوزت المرأة المصرية في التاريخ الفرعوني هذه المكانة حتى وصلت لدرجة التقديس، فظهرت المعبودات من النساء إلى جانب الآلهة الذكور، بل إن إلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، والإلهة إيزيس كانت رمزًا للوفاء والإخلاص. وجعل المصريون القدماء للعدل إلهة وهي ماعت، وللحب إلهة هي حتحور، وللقوة سخمت. كما حصلت المرأة المصرية على وظيفة دينية في المعابد مثل كبيرة الكاهنات وحتى الملكة حتشبسوت حصلت على لقب يد الإله.
استطاعت المرأة الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة، وشاركت في الحياة العامة، وكانت تحضر مجالس الحكم، وكان لها حقوق رضاعة الطفل أثناء العمل، ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد، فقد تولين المُلك في عهود قديمة، مثل حتب، أم الملك خوفو؛ وخنت، ابنة الفرعون منقرع؛ إباح حتب، ملكة طيبة؛ وحتشبسوت؛ وتي زوجة إخناتون؛ وكليوباترا. كما عملت المرأة بالقضاء مثل نبت، حماة الملك تيتي الأول من الأسرة السادسة ، والعمل في مجال الطب مثل بسشيت، والتي حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب مديرة، رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية، سيدة الأعمال، كاهنة.
كانت المرأة المصرية تحيا حياة سعيدة في مجتمع يبدو فيه أن المساواة بين الجنسين أمر طبيعي كان الإنسان المصري يعتبر أن المساواة أمر طبع عليه بالفطرة، كما وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة باعتبارها هي ربة بيت والمتحكم الأولى فيه، بالإضافة لحقها الكامل والمتساوي مع الرجل فيما يختص بحق الميراث، كذلك كان لها ثلث مال زوجها في حالة قيامه بتطليقها بدون سبب. كما كان المصري القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه في مقبرة باعتبارها شريكته في الحياة الدنيا وبعد البعث أيضًا. و من ألقابها مصر القديمة ” طاهرة اليدين ’ العظيمة في القصر’ سيدة الحب، سيدة الجمال’ عظيمة البهجة “
كان النظام القانوني الذي يُطبق في مصر يُشير إلى أهمية مشاركة المرأة فيه، حيث أنها غاية قد تحققت لها في القليل من الثقافات. و قد أدت قيمة المرأة ومعرفتها في مختلف المجالات المهنية إلى أنها كانت مؤثرا هاما في السياسة المصرية القديمة .
كان الزواج في مصر القديمة يمثل رباطًا مقدسًا يجمع بين المرأة والرجل فقد قدس المصري القديم الزواج، وحفظ للمرأة المصرية جميع حقوقها الزوجية. وكانت المرأة هي التي تبدأ بخطبة الرجل وعرض الزواج عليه. وهناك أوراق بردية تدل علي أن الزواج من واحدة كان معروفًا حتى في عصر ما قبل الأسرات، أي قبل سبعة آلاف سنة. وكان ذلك بمثابة الدليل على أهمية الزواج ومدى قدسيته، والتي تظهر في إحدى الأساطير التي تفسر ظاهرة فيضان النيل. فكان المصريون القدماء يؤمنون بأن مياه النيل تزداد عندما تتذكر الإلهة إيزيس وفاة زوجها أوزيريس وتجلس عند شط النهر وتبكي، فدموعها كانت تنزل إلى النهر وتزداد المياه فيأتي فيضان النيل.
كانت تساعد في تدبير شئون البيت والصيد البري وصيد الأسماك والطيور. و تُعد المرأة المصرية دعامة رئيسية لجميع الشئون المنزلية والسياسية. وكانت المرأة تستيقظ في الصباح الباكر لإعداد الإفطار لزوجها وأبنائها، وينصرف الزوج وأكبر الأبناء إلى العمل، ويذهب الأبناء الصغار مع الماشية والأوز، أو تذهب الأم بهم إلى المدرسة للتعلم. وكان الرجل كثير التنقل بين عدد من الأماكن لممارسة الرعي أو الزراعة، أو أية حرفة أخرى تحقق له الرزق، بينما كان على الزوجة تنظيم بيتها، وتهيئة السعادة والرفاهية لزوجها، والعناية بتربية أبنائها. وكانت تخرج إلى الترعة المجاورة لتملأ الجرة وتغسل الملابس، وتعود إلى منزلها مزوّدة بما يكفي من الماء لبقية اليوم. وخلال الدولة القديمة، وعلى الرغم من أن مكانة المرأة كانت هرمية وبحجم أصغر عن مكانة زوجها، إلا أن أهميتها الاجتماعية كانت مميزة وكذلك، توارثت خصائص المرأة المصرية من الأم إلى بناتها. وغالبًا، فإن الأطفال كانوا يحملون اسم الأم حيث أن اسم الأب كان ثانويا. وكان هناك صلة كبيرة بين أجيال العائلة، وبدا منطقيًا أن الأبناء يحمون أسلافهم. في الأسر الميسورة الحال، كان للمرأة إقامتها الخاصة، حيث كانت تعيش مع أبنائها وخدمها. واهتمت المرأة بالتنزه في الأماكن الخلوية والحدائق العامة والاستمتاع بالزهور في كثير من المناسبات. وأحبت البيئة وحرصت على نظافة كل ما فيها.
كان للمرأة بموجب قانون الملكية في مصر القديمة ثلث ممتلكات زوجها بعد الزواج. وكان لديها الحق في التصرف في الممتلكات التي آلت إليها بعد الزواج كالمهر أما في حالة وقوع الطلاق، فكانت ممتلكاتها تعود إليها، إضافة إلى التسوية التي كانت تتم بعد الطلاق. أما في حالة الوفاة، فكان لديها الحق في ميراث زوجها بنسبة الثلثين، فيما كان يُقسم الثلث بين الأطفال وإخوة وإخوات الشخص المتوفي وفي بعض الحالات، كان الزوج ينص في وصيته علي إمكانية تمكين زوجته من الجزء الأكبر من نصيبه أو السماح لها بالتصرف في جميع الأموال.
كان الزنا ممنوعًا، وكانت المرأة تعاقب عليه بالموت، وبالمثل، فإن الخيانة من الزوجين كانت أيضًا ممنوعة. إضافة إلى ذلك، كان الحب شائعًا في مصر القديمة،
كان الشهود يوقعون على وثيقة الطلاق كما توقع وثيقة الزواج غير أنهم كانوا في وثيقة الطلاق 4 شهود بينما في عقد الزواج كانوا 16 شاهدًا، وكانت صيغة الطلاق تكتب نصا ” لقد هجرتك كزوجة لي، وإنني أفارقك، وليس لي مطلب على الإطلاق، كما أبلغك أنه يحل لكِ أن تتخذي لنفسك زوجًا آخر متى شئتِ “
كان الأطفال هم الأكثر أهمية في العائلة، وكانت المرأة سيدة المنزل، وكانت تحصل علي أجر كأجر الرجل مقابل إنجاز ذات العمل؛ كانت مواطنة شأنها شأن الرجل، تعيش في وطن يعترف بحقوقها كاملة حتى إنها كانت تستطيع أن تقاضي أباها أمام المحاكم حتى تتمكن من حماية أملاكها الخاصة. وكانت المرأة المتزوجة تتمتع باستقلال قانوني ومالي كامل. ويُمكن للنساء التحكم في ميراثهم الخاص أو يكونوا متصدرين للتجارة, كما كانت نفرتيتي في الدولة الحديثة، ويستطعن أيضًا أن يكن طبيبات مثل السيدة بسشيت إبان حكم الأسرة الرابعة. وبالزواج، كانت المرأة تحتفظ باسمها مع إضافة كلمة زوجة كذا، والذي هو أمر طبيعي لأن الزواج لا يسجل كفعل إداري، ولم يوجد أيضًا برهان ديني. ببساطة، كان يتم التصديق على واقع أن الرجل والمرأة أرادوا التعايش، وهذا في حالة عمل عقد الزواج، الذي لا يحتاج أكثر من تحديد الآثار الاقتصادية لكي يُميز الإرث من شخص لآخر.
” المقال القادم بحول الله عن المرأة المصرية في القصص الديني “
المزيد من الموضوعات
عمر الشريف يكتب: ليتني أعود طفلاً
أسامة حراكي يكتب: في يوم الطفولة العالمي
امسية ثقافيه وندوة ادبية بمقر حزب الوفد بطنطا…