وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

تحليل للصراع الدائر بين روسيا و الغرب في أوكرانيا…

تحليل للصراع الدائر بين روسيا و الغرب في أوكرانيا…

 

بقلم اللواء مهندس السيد نوار  

وسيط اليوم 

16/3/2022

 

لقد تناول العديد من الكتاب والمحللين الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا من خلال مواقفهم الشخصية والأيدولوجيه من الغرب والشرق، إذا افترضنا جدلا أن روسيا تمثل الشرق، ولقد تناوله أخرون من منطلق موقف روسيا والولايات المتحده من الصراعات الاقليميه، وما ذلك إلا دليل على أن الصراع ليس بين روسيا وأوكرانيا بل هو صراع بين روسيا والولايات المتحده على أرض أوكرانيا.

والبعض الأخر تصدى للأمر من منطلق حقوق الانسان والسلام العالمي ورفض الحروب، إلا أن هذا التناول غالبا ما ينطلق من منظور عاطفي وبدون النظر لمقدمات الصراع وخريطة عالم ما قبل الصراع وكيف ستكون بعده.

وكما هو الحال منذ الحرب العالمية الثانية يمتد الصراع ليشمل وسائل الإعلام، ونرى الاعلام يصور لنا أن الدفاع عن أوكرانيا وصد العدوان الروسي هو دفاع عن العالم الحر الذي أنتجته الحرب العالميه الثانيه والتي انتهت بتقسيم العالم على الخطوط التي توقفت عندها الجيوش المنتصره، مما قسم أوروبا ومن ورائها العالم إلى شرق وغرب، شرق تحت سيطرة الإتحاد السوفيتي وغرب تحت سيطرة الولايات المتحده، وكانت كتلة عدم الانحياز هي الميزان الذي أقلق القوتين.

إلا ان ذلك العالم قد أنتهى بسقوط الاتحاد السوفيتي الذي أسقطته المخابرات الغربيه والفساد الداخلي للدولة السوفيتيه. ولم يبقى من عالم ما بعد الحرب العالميه الثانيه سوى قوة امبريالية واحدة، الولايات المتحده، وجسم هش لا قيمه له يسمى الأمم المتحدة، والتي لم يكن لها أي دور إيحابي في أي صراع بل تسببت بعجزها في صراعات لم ولن تحسم.

وبإنتهاء عالم بما بعد الحرب العالميه الثانيه تم رسم خريطة جديدة للعالم، تحكم فيها ما بقي من إرث الإتحاد السوفيتي بالمافيا الروسية والأوكرانيه، والتي حلت محل المافيا القديمه التي سيطرت لفترة طويلة على الجريمة العالمية، ونشطت هذه المافيا الجديدة أكثر من سابقاتها، ونتج عنهما أقوى شبكات المخدرات والدعاره وتجارة السلاح وغسيل الأموال.

وللتعرف على أصل الصراع لا نحتاج للعودة لماضي بعيد، فقط علينا أن نراجع خطوات تقسيم الاتحاد السوفيتي، تلك الخطوات التي تركت وراءها جنسيات وأعراق متداخلة كقنبلة جاهزة للإنفجار في أي لحظة، فولدت تلك الدول وزرع داخلها ألية قادرة على إنتاج صراعات مستقبليه، مثل صراع أرمنيا وأذربيجان، وصراع جورجيا وروسيا، وكذلك صراع روسيا وأوكرانيا.

وقد أشتد صراع روسيا وأوكرانيا عقب الانقلاب الناعم الذي أسقط الحكم الحليف لروسيا وأقام دولة تابعة تبعيه كاملة للولايات المتحده، فبدأ هذا الصراع الأخير بظهور حركات الإنفصال من القوميين الروس داخل الحدود الأوكرانية مثل شبه جزيرة القرم “كيرميا” والتي أنفصلت بمساعدة الروس علم 2014، وكذلك دونيتسك ولوغانسك وااللتان لم تستسلما للحكومة المركزيه في كييف منذ 2014 وحتى الان. وإن كانت ساحة القتال قد بردت بتوقيع اتفاقيتي مينسك ١ و٢ في عامي 2014 و 2015 واللتان لم ينتج عنهما أي شيء غير وقف اطلاق النار ولم تنفذ أي من البنود الاخرى وتركت النيران تشتعل تحت الرماد حتى يحين وقت اندلاعها مرة أخرى.

وتزامن ذلك مع إتجاه أوروبا للغاز الطبيعي الروسي وتم إحراز تقدم كبير في مشروع نورد ستريم -٢ بعد نورد ستريم-١ والذي حاربته الولايات المتحدة من اليوم الأول حرب شديدة للغايه، حتى أنها قامت بفرض عقوبات على شركات حليفه لمشاركتها في ذلك المشروع العملاق الذي بموجبه تخرج أوروبا من الاحتياج للولايات المتحدة ومشايخ البترول في الخليج وتحصل على الغاز المسال كطاقه نظيفة وبسعر اقل، بالإضافة لكونه يمثل خطوة لقوة أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة.

وتواكب ذلك الموقف الأمريكي المتمثل في البلطجة المعتاده مع إفتعال الحديث حول إحتمال إنضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلنطي “الناتو” وللإتحاد الأوروبي، ويعلم الجميع أن ذلك يعبتر ولا شك خط أحمر لن تقبل روسيا أن يعبره أحد، وذلك بالطبع لأن دخول أوكرانيا هذان التجمعان يعني وضع موسكو تحت نيران الأسلحة التقليديه من عدو حقيقي “الناتو”، وكذلك وضعها تحت رحمة السيطرة الغربية والقدرة على خنق الاقتصاد الروسي وإمكانية فرض حصار اقتصادي في أي وقت، والمتابع للأمر يدرك أن هذا الحديث كان هدفه الأول اصطناع أحداث تضمن قتل مشروع نوردستروم-٢.

وبالرغم من حقيقة أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي الشيوعي ولكنها روسيا المافيا التي بنتها المخابرات الامريكيه، إلا انها دولة لها حساباتها التي قد تصيب وقد تخطئ، ولكنها لا يمكن أن تقبل أن يقف الناتو وتقف الكتلة الأوربية على حدودها، فلم تنسى روسيا أنها وُعدت عام 1990 بألا يمتد الناتو لحدودها وها هو قد أبتلع الغالبية العظمى لأوروبا الشرقية ولم يبقى منها إلا أوكرانيا وبيلاروس (روسيا البيضاء).

ومع إشتعال ذلك الصراع إنطلقت معه على التوازي حرب إعلامية شرسة بحملة يشنها العالم الغربي شملت التحكم في وسائل التواصل الإجتماعي وقطع وسائل الإعلام الرسمي والبديل حتى لا يتعرف المواطن العادي على أي وجهة نظر مخالفة لما أراد لنا الغرب أن نعرفها. حتى إنه ولأول مره لا تستاء الصهيونيه العالمية من تشبيه شخص ما بهتلر، وسُمح للإعلام بل والكيانات السياسية وبعض الرؤساء بتسمية بوتين بهتلر القرن الحالي، مع العلم أن الحركة النازيه تنمو وتتسلح في أوكرانيا.

وفي المقابل كان حال العرب شعوبا وحكومات على حد سواء غريبا للغاية، فكل يفلسف الأمر على هواه، وكل يربط الأمر بمقدار استفادته المباشرة أو ضرره المباشر من روسيا أو الولايات المتحدة، بالرغم من أن الأمر ليس له علاقة بالصراع العربي العربي أو العربي الصهيوني لإنه ببساطة شديدة فالفريقان الروسي والأوكراني قد ابتلعهما المشروع الصهيوني كما ابتلع النظم العربية.

وكذلك من الغريب أن يبنى البعض موقفه على أساس دور روسيا في سوريا أو ليبيا أو مصر أو اليمن، ومن دواعي السخرية أن يزايد البعض مثل الغرب على أغنية الديموقراطيه التي لا نعرفها نحن، والتي يستخدمها الغرب إنتقائيا فقط حين تتماشى مع أهوائه وتكون لمصلحته.

إن هذه اللحظه تستدعي منا أن نقارن بين الغزو الروسي لأوكرانيا وتشابه ذلك مع الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، بل نيكاراجوا وبنما وحتى فيتنام، بل وحصار كوبا الذي دام سبعين عاما بلا إنقطاع، وقد يساعدنا ذلك على فهم مقدار البلطجه والنفاق وإزدواجية المعايير التي يمارسها الغرب ليل نهار وننساق نحن ورائه حتى نبدو متحضريين في نظره، ولم أذكر هنا فلسطين المحرومه دوليا من حق المقاومة بالمقارنه بتهليل العالم والمطالبه بالمتطوعين من كل مكان للدفاع عن أوكرانيا.  

 

 

 

إن الإبتهاج الساذج بسقوط الإتحاد السوفيتي والذي حرم العالم من التوازن بين القوى الإمبرياليه، يتجسد اليوم للمرة الثانيه في التهليل لإحتمال نهاية روسيا والذي إذا حدث سيحرم العالم من التوازن يبن المافيا الشرقية والمافيا الغربية، ولن يتحرر العالم ولن تسود الديمقراطيه ولن يسود العدل.

 

 

إن الخاسر الأكبر في هذه الحرب الدائرة بين روسيا والولايات المتحدة على أرض أوكرانيا، هي أوكرانيا بلا شك التي كانت ومازالت هي الضحيه التي دفعتها الولايات المتحده لهذا الفخ الذي قد ينتهي بتدمير أوكرانيا.

 

 

 

والخاسر الأخر بلا شك هو روسيا التي إن دخلت الحرب أو لم تدخل فقد خسرت، فلو لم تدخل الحرب أتاحت للناتوالفرصة للوصول لحدودها وحوصرت إقتصاديا بالسلم، ولذا لم تجد روسيا بديلا عن دخول الحرب حتى ولو كان ذلك يشابه هدم المعبد.

 

 

 

وكذلك أوروبا ستخرج خاسرة لأنها في جميع الأحوال ستعود الى أربعينات القرن الماضي وتعود للإرتماء في أحضان المافيا الامريكية خوفا من هتلر أو شبيهه، وسندفع نحن الشعوب المستسلمة للعبة المافيا الثمن الكبير.

 

وعلى الجانب الأخر فالولايات المتحدة عي المنتصر في هذه الحرب، فالتاثير السلبي على الأقتصاد العالمي يعود دائما بالمنفعة عليها، فقد فُتحت أبواب مصانع السلاح على مصراعيها وتوقف مشروع نورد ستريم-٢ وقد يكون قد قتل تماما، وسيزداد إنتعاش اقتصاد مافيا الغرب بكل أنواعه، وستشاركها المافيا الروسية والأوكرانية لإعادة الإعمار وبناء ما دمرته الحرب.

 

هناك دروس كثيرة وتغيرات كبيرة ستنتج عن هذه الحرب التي مازالت في بدايتها والتي بلا شك تمثل خسارة شاملة لكل القيم وكل المبادئ التي يتاجر بها كل يوم في كل مكان على وجه الأرض.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن