السباحة بين الكواكب

تقرير: أسامة حراكي

بصيتوا قبل كده ع السما وشفتوا ملايين النجوم؟
طب شفتوا المجرات والشهب بالعين المجردة؟

محمية وادي الحيتان بالفيوم:

“السما حلوه و اللي يعرفها يسعد” وسماء القاهرة مش بتخلينا نشوف أي حاجة في السما، علشان كده احنا طلعنا نشوفها من الصحراء برعاية الجمعية المصرية لعلوم الفلك، اتحركنا من القاهرة وقمنا في الطريق باستراحة وزيارة لجبل المدوّرة وبعدها تابعنا طريقنا، حتى وصلنا وادي الحيتان الموجود داخل محمية وادي الريان والتي تغطي مساحة 1759 كيلومتر بمحافظة الفيوم على بعد 150 كيلومتر من القاهرة، وعثر في وادي الحيتان على 13 هياكل عظمية كاملة لحيتان كانت تعيش في تلك المنطقة قبل نحو 40 مليون سنة، حيث كانت جزءاً من محيط كبير يشمل شمال إفريقيا، وفي عام 2005 تم تصنيف منطقة وادي الحيتان كمنطقة تراث عالمي واختارتها اليونسكو كأفضل مناطق التراث العالمي للهياكل العظمية للحيتان.

أخذنا استراحة قصيرة ثم جولة لزيارة معالم الوادي، و الساعة 7 مساءاً كان العشاء عبارة عن “فراخ ورز وخضار وسلطة” 9 مساءاً بدأ برنامجنا الفلكي المتميز بعيداً عن أضواء المدينة، وهو رصد نجوم الشتاء وكل واحد كان معاه كشاف يدوي.

من هناك قدرنا نشوف في السما ملايين النجوم والمجرات والشهب بالعين المجردة، ورصدنا حركة نجوم الشتاء وأهم المجموعات النجمية الموجودة: كاسيوبيا ـ البيجاسوس ـ المرأة المسلسلة ـ الدلو ـ الحوت ـ الحمل ـ الثور ـ الجوزاء ـ الجبار ـ الثريا ـ السرطان ـ الأسد ـ العذراء ـ الدب الأكبر والأصغر ـ درب التبانة Milky Way حركة سماء الليل، واتعلمنا كيفية تحديد الاتجاهات ومعرفة القبلة بالنجوم، واستخدام خرائط السماء وتطبيقات الهواتف الذكية، وكيف نفرق بين النجوم والكواكب، ورصدنا بالتليسكوبات الأجرام التالية: مجرة اندروميدا، سديم الجبار، كوكب المشترى واقماره الجاليلية، كوكب الزهرة، وعلمنا أن هناك كوكبة كبيرة وحديثة يتم تمثيلها على شكل رجل يمسك بثعبان، ويعتبر الكوكبة الثالثة عشر هو “الحِواء” أو الأفعى، وفقاً لاتحاد الفلك الدولي الذي حدد أن هذه الكوكبة تقع وراء الشمس بين 1 ديسمبر إلى 18 ديسمبر .

قضينا ليلة فلكية لا تنسى و 7 صباحاً تحركنا للعودة إلى القاهرة، وفي طريق عودتنا تذكرة عالمة الفيزياء الفلكية “جوسلين بيل بورنيل” ونجومها النابضة، ربما كان من سوء حظ جوسلين المولودة في إيرلندا الشمالية، أنها حققت أهم إنجازاتها، وهو اكتشاف النجوم النابضة وهي طالبة في مرحلة الدكتوراه، حيث كانت تعمل تحت إشراف “أنتوني هويش” في جامعة كامبريدج عندما رصدت إشارات غامضة ودورية من الفضاء الخارجي، اقترح “هويش” أنها ضوضاء تجريبية، بينما أصرت هي على أنها إشارات حقيقية، وحتى تتأكد من مصدرها، انتظرت لثلاثة أسابيع ثم أعادت الرصد، لتتأكد نتائجها. ورغم أنها هي من قامت بالاكتشاف، وكانت شريكاً أساسياً في الورقة التي نشرتها دورية “نيتشر” (الطبيعة) عام 1968 لم تحصل على الجائزة، وحصل عليها “أنتوني هويش” مناصفة مع السير “مارتن رايل” عالم الفلك في جامعة كامبريدج عام 1974.

حرمت جوسلين من جائزة كانت تستحقها، وقال عنها “أنتوني هويش” في خطاب الجائزة إنها لم تكن أكثر من مساعده له.

قاد اكتشافها كل من راسيل هالس وجوزيف تايلور لاكتشاف نوع جديد من هذه النجوم، واستخدما ما يعرف بالنموذج الثنائي للنجوم النابضة، لإقامة الدليل على وجود موجات الجاذبية (وهي إحدى تنبؤات نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتين) وهو الإنجاز الذي حصلا بموجبه على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1993.

ومما يؤسف له أن منصة التتويج التي وقف عليها أربعة بسبب اكتشافها للنجوم النابضة لم تتسع لها، وفي كلمة لها عام 1977قالت جوسلين: إنها لم تشعر أنها تستحق الجائزة، وكتبت في مقال نشرته مجلة العلوم الأمريكية، في عام 2004 أنه ربما كان نوعها وكونها كانت طالبة، هما أقوى أسباب تجاهل الجائزة لها.

من المستبعد أن تمنح لجنة نوبل جائزة ثانية لاكتشاف النجوم النابضة، ما يعني أن تبقى “جوسلين بيل بورنيل” واحدة من أكثر العلماء الأحياء استحقاقا للجائزة دون أن تحصل عليها.

جوسلين تعمل الآن أستاذاً للفيزياء الفلكية بجامعة أوكسفورد وتكتب الشعر، وتعيش اليوم حياة هادئة متسامحة مع الماضي، وتنتقد من يتاجرون بقصتها مع نوبل.