وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: “معنى السعادة”

معنى السعادة

عندما رأت فريدة زميلتها في المدرسة وهي فَرِحة لأنها اشترت تابلت للألعاب، وتطلب من فريدة أن تلعب معها، حينها بدأت فريدة تنظر إلي التابلت، وتتخيل أن تمتلك واحداً مثله.

عادت إلى البيت، أخبرت والدتها بهذه الأمنية، وطلبت منها أن تشتري لها حصالة؛ كي توفر كل يوم شيئاً من مصروفها، وبعد عام تفتحها وتشتري التابلت.

في اليوم التالي عند عودة فريدة من المدرسة، أخبرت والدتها بأنها اليوم صرفت نصف المصروف، وتركت النصف الآخر لتضعه في الحصالة.

قالت والدتها: عندما يعود أخيكي من الدرس، اذهبي معه إلى المكتبة ليشتري لك حصالة.

عند عودة أخيها محمد هرعت إليه؛ ليذهب معها لشراء الحصالة، وقد كان، وحين عادوا إلى المنزل كانت تحمل حصالتها في يديها كما لو أنها تحمل كنزاً، ودخلت إلى غرفتها دست ما لديها من بقية المصروف في فم الحصالة بفرحة غامرة، ووضعتها على رف في الخزانة.

مع مرور الأيام، صارت تشعر بسعادة وهي تدس كل يوم مبلغاً في فم الحصالة، حتى أن والدتها عندما تريد أن تدس شيئاً مما وفرته من مصروف البيت فإنها تتناول المبلغ من يدها وتدسه بنفسها، وفي المساء تخرج الحصالة وتداعبها قائلة: متى تمتلئين بثمن التابلت يا حصالتي الجميلة، لو تعلمين كم أنا بشوق كي أحمل التابلت.

مر عام وذات صباح أخبرتها والدتها أن مساء اليوم سوف يأخذها شقيقها عمر إلى السوق ليشتري لها التابلت، بدت كما لو أنها لا تصدق: صحيح يا أمي .. اليوم اليوم؟

نعم يافريدة، اليوم مضى عام على الحصالة، عندما تعودين من المدرسة، ويعود شقيقك من جامعته سيفتح الحصالة، ويأخذ النقود وتذهبوا للسوق كي يشتري لكِ التابلت.

في المساء تناول عُمر الحصالة وفتحها، وبعد أن فرغ من عد النقود قال لها: مبلغ جيد يا فريدة ويكفي لشراء نوع التابلت الذي ترغبين فيه، وناولها المبلغ، تناولته من يده ووضعته في حقيبتها الصغيرة.

بعد قليل غمرتها السعادة وهي تمضي مع أخيها إلى سوق الهواتف في قلب المدينة، وتتخيل أنها ستعود والتابلت في يديها، تتصفحه وتتصل به مع من تريد، وأنها غداً ستذهب إلى المدرسة وتُريه لزميلاتها.

عند وصولهما إلى السوق، صارت أشكال وألوان أجهزة التابلت تلفت نظرها، وبدت كما لو أنها في حلم، وهي تتنقل من محل إلى آخر وتنظر إلى أجهزة التابلت المعروضة خلف زجاج المحلات، وعندما يلفت نظرها تابلت تدخل المحل تشاهده ثم تخرج لتدخل إلى محل آخر لعلها تجد ما هو أجمل.

عند وقوفها أمام واجهة محل جديد وما إن وقعت عيناها على تابلت مُعين لفت نظرها حتى هتفت هذا هو يا أخي.

دخلت المحل وشاهدته عن قرب، نظرت إلى أخيها وقالت: إنه هو يا أخي ما رأيك أليس جميلاً؟

قال الأخ: جميل يا فريدة مبروك
ثم جربه وتأكد من اكسسواراته، وكانت فريدة تشعر كما لو أنها ملكت العالم، وفي تلك اللحظات وقع نظرها فجأة على سيدة مبتورة القدمين وهي تزحف على الرصيف بالقرب من باب المحل.

تقدمت إليها وسألتها: لماذا تزحفين على الرصيف يا خالة والطقس بارد؟ قالت: من الفقر يا بنتي لا أملك ثمن كرسي متحرك كي اشتريه.

اعتلت غصة إلى حنجرتها وصارت تنظر إلى قدميها المبتورتين تارة، ثم إلى قدميها السليمتين تارة أخرى، عند ذاك طلبت من السيدة أن تبقى في مكانها ريثما تعود.

تقدمت إلى أخيها الذي كان على وشك أن يدفع ثمن التابلت ويستلم فاتورته وضمانه، وراحت تنظر إلى التابلت، ثم تنظر إلى تلك السيدة مبتورة القدمين، فبدا التابلت يفقد بريقه أمام عينيها، كما لو أنه لم يكن ذات التابلت الذي جذبها قبل قليل.

أعادته إلى البائع و قالت انها لا تريده، وطلبت من أخيها أن يأخذها إلى محل لبيع الكراسي المتحركة لذوي الاحتياجات الخاصة.

عندما رأت الكرسي انتابها شعور بالسعادة فاق الشعور الذي انتابها عندما رأت التابلت الذي
تريده، اشترته بفرحة وأتت به مع شقيقها إلى حيث السيدة التي ما إن رأت الكرسي حتى رفعت يديها تدعو لها ولشقيقها، وقد انهمرت دموع الفرحة من عينيها.

نادت فريدة سيدتين كانتا تمشيان في الشارع، فتقدمتا وحملتا السيدة وأجلساها على الكرسي.

بعد ذلك مضت برفقة شقيقها إلى المكتبة، واشترت حصالة جديدة وهي تقول: عام آخر ليس بكثير يا أخي.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp