رسالة إلى كل محب
الحب هو زهرة صغيرة تحتاج لتربة خصبة تزرع فيها، ويد حنون ترويها وتعتني بها، الحب شيء جميل وانجذاب روح لروح، وهو خيط غير مرئي يربط طرفين، وانفعال من الانفعالات اللاإرادية، والحب معانيه تحس قبل أن توصف، ولا أحد يستطيع أن يصفه إلا إذا غرق فيه، والإنسان دائماً يبحث عمن يحبه، أن يبادله الحب وأن يرعاه ويعرف ما يضايقه وما يفرحه، فيتجنب ما يضايقه ويحاول ان يفرحه، ويظل الإنسان يبحث عمن يحبه حتى يجده.
الحب صديق لا يفارق الإنسان منذ بدء رحلته في الحياة إلى أن يصل لمحطة الموت، وهو يتجاوب مع الكيان الإنساني ولا يتخلى عنه في أي مرحلة من مراحله، ولدى أي رغبة من رغباته، فالحب ثوب للكيان الإنساني كله، عقلاً وقلباً ووجداناً، وهو الغذاء السليم عندما يتأمل ويفكر، وعندما يعبر عن رغباته، فإن في القلب عواطف ووقود من الأشواق التي لا يقدر على وصفها أي بيان.
ومشاعر الحب عند الإنسان مثلها كمثل مصباح يضيء مكان، إذا انطفىء ساده ظلام دامس، وإذا بالغنا في زيادة إضاءته تحول لنار تحرق ما حولها، وإن المصباح المتقد بين الضلوع ينفث أحياناً آلاماً مبرحة ومشاعر كاوية، ويخفق بخفقات تذهب بنوم العين وراحة الفكر، وستجد ذلك من خلال دمع العينين وآهات القلب، فكم من تعساء حيل بينهم وبين حبهم لكنهم عاشوا سعداء على ذكرى الحب نفسه، برغم أنهم معذبون يقضون هدوء الليل في حسرات كاوية، سعداء بذلك العذاب أكثر ممن ينام مستغرقاً في أحلامه، فهل في الدنيا عذاب أجمل من عذاب الحب، وهل سمعتم عن نار تنشر عبقاً كلما زادت غير نار الحب.
الحب ليس كلمة يهمس بها شاب في أذن فتاة، ولا لمسة يد ولا لثمة شفاه، الحب مسؤلية يتحملها الشاب والفتاة معاً، فالحب علاقة تدوم وليس متعة زائفة ووقتية، الحب سر من أسرار القلوب يربي فينا الفضائل ويغرس في نفوسنا بذور الرحمة والإنسانية، ويقتلع من جذورنا الأنانية ويكون لنا خير مهاد لبناء الأسرة، وأفضل روح لإطلاق ينابيع الحكمة والأدب.
البعض يحبون الحب أكثر مما يحبون الحبيب، فالذي يحب الحب يجيد الأحاديث الشائقة حتى يظن من يسمعه أنه الإنسان المناسب، والذي يحب الحب يحتفظ بالاطار ويغير الصورة، خصوصاً عندما يطلب منه أن يغير إطار الحب إلى إطار الزواج، فالذين يحبون للحب فقط لا يفصحون عن مشاعرهم الحقيقية، فيظهرون دائماً بمظهر جذاب وفي صورة مرحة كأن هموم الحياة لا تعنيهم، وهذه الطائفة نوعان، نوع يحب الحب للهروب من المسؤليات المادية التي لا يمتلكها، يحب نعم.. يتزوج لا، والنوع الثاني يمتلك الامكانيات المادية، لكنه يريد أن يستمتع بالحب مع شخصيات متعددة حتى وإن كان متزوجاً، وهؤلاء لديهم براعة في التخطيط للوصول إلى ما يريدون وإن كان تخطيطاً مزيفاً، وهم في علاقة حبهم لا يريدون أن يطفؤا شعاع الحب، فيستخدمون ألاعيب غير منطقية في حبهم للطرف الثاني، ليشعلوا نار الحب، فبدلاً من أن يسأل المحب محبوبه سؤال مباشر ويستمع إلى إجابة واضحة، يراوغه بسؤالاً غير مباشراً ليوقعه في خطأ الإجابة فيغضب ويثير غيرة الآخر، والغضب والغيرة يشعلان نار الحب، فيكونان في طريقة حبهما كمن يلعبان الشطرنج، كل منهم يستطيع أن يعرف كيف يفكر الآخر بتحريك القطع لكنه لا يستطيع أن يعرف مشاعره.
يقال إن وراء كل عظيم امرأة، مقولة صحيحة فاعمال الرجال العظيمة بنيت فوق حب النساء، فهن اللاتي زودن الرجال بعواطفهن، كان الرجال يفكرون ويبتكرون لأن النساء كن يبذلن عواطفهن لهم، فعرفت النساء أن الرجال يحتاجون لحبهن، لكن معظم الرجال يتجاهلون حاجة النساء للحب أيضاً، ومازالت النساء مشغولات بالحب ولا يستطعن الحياة من غيره، لأن توازن حياة المرأة ونجاحها فيها يعتمد إلى حد كبير على توازنها العاطفي، الرجل أيضاً تتوازن حياته العملية إذا توازنت حياته العاطفية، وهناك من الشباب من يخفي مشاعر الحب، حيث تعلم منذ صغره على عدم إظهار مشاعره وعواطفه الحقيقية، كا لاتبكي فالرجل لا يبكي، وهذا خطأ كبير لأن ذلك يصنع حاجزاً من الدفاع عن رجولته، فيتحول هذا الحاجز أحياناً إلى نوع من الغطرسة واللامبالاة.
إذا تعلم الشاب منذ صغره أن عاطفة الحب مسؤلية حقيقية لن يخشى البوح إذا شعر بها، بل سيشعر أنها تضيف لرجولته ولا تنقص منها، وتعلم المسؤلية في الحب من السنين الأولى يعلم المسؤلية في الحياة.
ومن يقول إن الزواج ينهي الحب نقول له الألفة تحييه، فأحياناً تكون الألفة بين الزوجين طبيعية وتأتي بينهما سريعاً، وأحياناً تكون بحذر وتأتي بعد فترة، وأحياناً لا تكون سبباً في نجاح علاقة الزواج، فالبعض يجدون النجاح بما يناسب ظروفهم مثل الاستقرار في الزواج والصداقة بين الزوجين، وهما لا يحتاجان للألفة، لكن بالنسبة للكثير لا تكون الحياة في الزواج مكتملة بدون الألفة، فالألفة بين الزوجين ليست جسدية، فهي أكثر من رد فعل العاطفة، الألفة الحقيقية تعتمد على معلومات كل منهما عن الآخر، ففي العلاقة الزوجية التي يراد لها الدوام، يحاول كل من الزوجين أن ينظر نظرة أبعد من الحب والجاذبية الجنسية إلى شيء أفضل، فمعرفة الزوجين لبعضهما وعن بعضهما قبل الزواج قد لا تكون كافية، وبعد فترة من الزواج يجدان أنهما ليسا غريبين عن بعضهما لكنهما لا يعرفان بعضهما تماماً، وعندما تبدأ معرفة بعضهما تبدأ العلاقة الزوجية في التعمق وتصل إلى مشاعر الألفة، وتزداد عندما يكون الإخلاص والصدق لبعضهما وتصل لقوتها عندما تُزال كل الحواجز بينهما، عندما ترجح الثقة على الأكاذيب، وعندها لا تحتاج المشاعر للاختباء، فالألفة بين الزوجين تجعلهما بعيدين عن التكلف وأكثر حرية وراحة مع بعضهما، وأكثر احتراماً لبعضهما، فعندما تتوطد الألفة بين الزوجين يستمر الحب الذي جمعهما قبل الزواج ويحمي علاقتهما في الظروف السيئة والمشاكل.
وفي النهاية أتمنى أن يكون الحب ما يزال موجوداً في قلوب الجميع وعليهم البحث عنه ويجب أن يكتشفوه.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين