وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

عمر الشريف يكتب: المكتوب إليه

المكتوب إليه

بمناسبة معرض الكتاب الذي انتهى منذ أيام، هناك من الكتب ما هو هام ومطلوب، وهناك من الكتب ما هو جذاب وشيق وممتع، ومنها ما هو مؤثر وملهم، ومنها ما يمنح قارئه وقتاً جميلاً، لكن الأفضل هو ما يجمع تلك العناصر كلها معاً.

فالأفضل يمنح القارىء دفقات شعورية ويثري ويثير أفكاره، ويمتعه بجمال أسلوبه ويبهره بقوة بنائه،ثم بعد ذلك وربما قبل ذلك، يضيف إضافة متميزة للحياة الثقافية ويمثل ضوءً يشير إلى اتجاه يجب السير فيه، فيتبعه آخرون على هدى أقدامه.

وأظن أن معظم من يكتب أدباّ يكون في مخيلته واعياّ أو غير واعٍ مكتوب إليه، وقد يكون المكتوب إليه أحياناً فقط شخص ما، لكن من الصعب على الأديب أن يفلت من تخيل جمهور عام يحمل قيماّ وأفكاراّ ومعايير أحكام سيستقبل بها انتاجه الأدبي.

وفي هذا يتباين الأدباء، منهم من يضيق خياله وتعبيره إلى حدود الرسالة الشخصية لشخص ما أو الرسالة العامة، لكنها لجمهور يعرف أنه محدود الأفق ضيق الصدر قاسِ، فيضيق حدود انتاجه الأدبي إلى القدر الذي يراه مناسباّ لجمهوره المكتوب إليه.

ومن الأدباء من هو بطبعه وفكره يهوى الصدام، فنجد هذا المكتوب إليه في مخيلته كلوحة نيشان يصوب لها ما يستفزها، ينتظر رد الفعل بل يستثيرها، وينتظر الجدل والمعارك، وهذا النوع من الأدباء يزهو بتجاوزه لفكرة الجمهور، لكنه في الحقيقة أسير لجمهوره ولو بشكل عكسي، وهذا الارتباط بفكرة الجمهور يعكس في جانب منه رغبة ملحة داخل الأديب، لتلقي رد فعل ينتظره ويتمناه، فهو يخاطب من يرى انهم سيردون على ما يكتب، فيتأكد موقعه كأديب له جمهور، ويسمع صدى كتاباته عالياً ومبتغاه شهوة الاحساس بالذات، لا أرفض هذا، فهو طبيعي وإنساني، ويمكن لأصحاب المواهب أن ينتجوا لنا أدباً قيماّ، حتى وهم أسرى أو شبه أسرى لتلك الحدود.

لكن هناك من المبدعين الاستثنائيين من يتجاوز ظل هذا الآخر المهيمن على انطلاق الخيال وعلى انطلاق القلم، سواء كان هذا الظل حوله أو بداخله، هؤلاء يصلون إلى مساحات فريدة من الابداع، لأنهم يبدعون لأن الابداع ذاته هو حياتهم وهو مكافأتهم الحقيقية التي يسعون إليها.

لكن الكتب التي تتحدث عن حياة الطفولة بها فخ لمؤلفيها إذا لم يتحلوا بالنضج الفكري وانضباط العاطفة، فكثيراً ما تصبح مجرد تغني بالذكريات وبطفولة كانت فيها الحياة أبسط وكانت النفوس أصفى، وهذا مطلب نفسي للكُتاب والقراء خاصة في أيامنا الحالية المأزومة، يدفعهم للإنطلاق في تلك الفضاءات النوستالجية، فنقرأ كُتباً قد تمتعنا، لكنها لا تضيف شيئاً لمعرفتنا.

“النوستالجية: مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلى الماضي، وأصل الكلمة يوناني”.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp
× اتصل الآن