وسيط اليوم

جريدة الكترونية عربية

رحلتي إلى بلاد تستدعي التأمل.. «سلطنة عُمان»

تقرير: أسامة حراكي

بعد أربع ساعات قطعتها الطائرة من مطار القاهرة، وصلنا لسلطنة عُمان بدعوة من وزارة الثقافة لحضور إفتتاح الدورة الـ 24 لمعرض مسقط الدولي للكتاب، وقد شهدت هذه الدورة زخماً ثقافياً كبيراً، إذ ضم المعرض نحو 523 ألف عنوان، بمشاركة 882 دار نشر من 30 دولة، وتميزت مصر بأكثر المشاركات في المعرض، حيث وصل العدد إلى 154 مشاركة، بما نسبته 35% إصدارات حديثة، بينما شاركت لأول مرة في معرض مسقط كل من الصين وبلغاريا وكندا وسيرلانكا.

سلطنة عُمان تطل على ثلاثة بحار هي بحر العرب، وبحر عُمان، والخليج العربي، ورغم أن موقعها الجغرافي بالغ الأهمية على المحيط الهندي ووسط صراعات النفوذ بين الدول، تبقى عُمان مستقرة هادئه بشكل يستدعي التأمل، ففيها حالة سِلم إجتماعي غريب، فالشعب العُماني حالة متفردة بين الأمم في عبقريته بالحفاظ على السلم الداخلي برغم التعددية المذهبية (أباضية وسنة وشيعة) رغم أنها تقع بين السعودية السلفية المتشددة وإيران الشيعية، و”الإباضية أحد المذاهب الإسلامية، سمي بهذا الاسم نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي، بينما ينسب المذهب إلى جابر بن زيد التابعي، الذي كان من تلامذة السيدة عائشة وابن عباس، وتنتشر الإباضية في سلطنة عُمان حيث يمثلون حسب بعض الإحصائيات ما يقارب 70% من العُمانيين” والأباضية أقرب للسنة وعندهم كتاب لجمع الحديث منسوب للحبيب بن الربيع، ويُقدم على البخاري عند علماء الأباضية لأنه جمع الحديث قبل البخاري بـ 100عام.

أهل عُمان بحارة قُدامى، يرجع نسبهم إلى قبائل الأزد التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب، وبرغم العدد الصغير لكنهم من أكثر الشعوب تأثيرا في العالم، على سبيل المثال التأثير العماني الثقافي التاريخي نقل إلى شرق المحيط الهادي، فمن زار إندونيسيا وماليزيا سيلاحظه عند المسلمين هناك، ومن زار افريقيا سيجد التأثير الثقافي وصل لبعض دولها، فالطاقية العمانية “الكُمة” منتشرة في أفريقيا من تنزانيا شرقاً إلى الكاميرون غرباً، و”الايزار” وهي قماشة تلف حول الخصر، سنجدها في الهند وباكستان وبنجلادش وإندونيسيا التي تنتشر فيها أبضاً “الكُمة” الطاقية العمانية.

اللغة الساحلية لغة متداولة في عُمان بجانب العربية وهي لغة مطورة، خليط بين العربية والافريقية والبرتغالية وقليل من الصينية، وهي لغة البحارة في كل المواني، والبحارة العمانيون شاركوا في تطويرها، وساهم العمانيين في علم تنظيم الشعر العروض وفي تنقيط حروف اللغة العربية وينسب إليهم الخليل ابن أحمد الفراهيدي.

سلطنة عُمان دولة لها تاريخ وتراث طويل جداً، وعُمان الحالية هي بقايا إمبراطورية حكمت المحيط الهندي بالتجارة والسلم، الغريب أنها الإمبراطورية الوحيدة في التاريخ الإنساني التي قامت بلا دماء، كل المناطق كانت تحت السيطرة التجارية وليس العسكرية، التوابل كانت سلع نفيسة جداً وأغلى من الذهب في القرون الوسطى، احتكارها العُمانيون بالكامل في المحيط الهندي، وكثير من التوابل اكتشافات عُمانية، وتاريخياً كانت مسقط الميناء التجاري الرئيسي في منطقة الخليج العربي، ومن بين أهم الموانئ التجارية في المحيط الهندي، وكانت جزيرة زنجبار مركز تجاري عماني عالمي، والبحار العُماني أحمد ابن ماجد، هو من دل “فاسكو دي جاما”على طريق رأس الرجاء الصالح والتاريخ نسب الاكتشاف للأخير، باكتشاف الطريق البحري جنوب أفريقيا، فتح هذا الممر البحري أبواب جهنم على الشرق كما حصل مع الهنود الحمر بعد اكتشاف الأمريكيتين، الأسبان توجهوا إلى أمريكا والبرتغاليين توجهوا للمحيط الهندي لتبدأ المواجهات، وبدايتها كانت مع ناصر ابن مرشد أول من وحد الجهود ضد الغزاة في سلسلة معارك استمرت 200 عام لولاها كان مصير الشرق سيكون مثل الهنود الحمر، ثم في عهد السلطان سعيد بن سلطان 1820 توسعت الدولة وأصبحت إمبراطورية، تحكم شرق أفريقيا من مدغشقر إلى الصومال وسواحل الهند ومنطقة بندر عباس في جنوب إيران، وأحمد بن نعمان الكعبي كان أول سفير يزور الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تقيم كثير من الدول الأوربية علاقات دبلوماسية مع الدولة الوليدة، فمن أواخر القرن الـ 15 كانت سلطنة عُمان إمبراطورية قوية تتنافس مع المملكة المتحدة والبرتغال على النفوذ في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي، وصل إلى ذروته في القرن الـ 19 حيث زاد النفوذ العُماني وسيطرته التي امتدت عبرمضيق باب السلام إلى العصر الحديث الإمارات وباكستان وإيران وجنوباً حتى زنجبار، ثم إنخفضت قوتها في القرن الـ 20 وأصبحت السلطنة تحت تأثير المملكة المتحدة، وبعد انهيار الامبراطورية استقر معظم الشعب العُماني في الهند و شرق افريقيا.

سلطنة عمان ليست دولة ديمقراطية لكن لا يوجد معتقلين سياسين، وتقارير حقوق الإنسان فيها بيضاء، وفي تدرج سلطة قائمة على العُرف و التحالفات القبلية، عام 2011 قامت المظاهرات مع الربيع العربي وانتهت بلا عُنف وتم تنفيذ المطالب بالتفاهم وتغيير الحكومة وكل الرموز المكروهة وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى، وهم الشعب الوحيد الذي خرج للمظاهرات وهم يحملون صور للسلطان مع المطالب.

السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد آل بوسعيدي، سلطان سلطنة عُمان التاسع ورئيس مجلس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والحاكم الثاني عشر لأسرة آل بو سعيد، إذ كان يطلق على الحاكم لقب إمام قبل أن يطلق عليه لقب سلطان، ولد في 18 نوفمبر 1940 يعد حالياً صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب والثالث في العالم من الذين مازالوا على قيد الحياة، السلطان قابوس رجل حكيم وقامة عظيمة يُلجأ لها لحل الأزمات الدولية، ورقم هام في توازانات منطقتنا العربية… “اثناء زيارتي كان السلطان قابوس هو الحاكم، وتوفي بعدها بعام وخلفه ابن عمه السلطان هيثم بن طارق”.

في 18 نوفمبر يحتفل العمانيون باليوم الوطني الذي يحمل الكثير من المعاني السامية في نفوس الشعب العُماني على تعاقب أجياله، ففي اليوم ذاته من عام 1650م حرروا أراضيهم وطردوا البرتغاليين، وأصبحت بلادهم أقدم دولة مستقلة في العالم العربي، وفي عام 1970 أقر السلطان قابوس بن سعيد هذا اليوم ليكون يوماً وطنياً يحتفل به كل عام تقديراً لجهود أبناء عُمان في العمل يداً بيد مع قيادتهم، لمواكبة التطوّرات وإحداث التغيرات لوضع السلطنة في مصاف الدول المتقدمة، ويحرص العمانيون على التعبير عن فرحتهم بذلك اليوم، لكونه يصادف ذكرى ميلاد السلطان قابوس الذي حكم السلطنة منذ عام 1970 وأحدث نقلة نوعية متطوّرة في كل مجالات الحياة.

على المستوى الدبلوماسي:
ـ هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع مصر عام 1978 بعد اتفاقية كامب ديفيد.
ـ الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، وتوازنات السعودية والخليج مع إيران بفضل الدبلوماسية.
ـ رفضت دخول حرب اليمن أو مقاطعة قطر. وهذه مواقف قوية في ميزان السياسة وليست مواقف سلبية، إنما هي سياسة الحياد الايجابي.

على مستوى البيئي:
سلطنة عمان كلها تقريباً محمية طبيعية، ولها تجارب كثيرة في إعادة الحيونات المعرضة للانقراض مثل غزال المها وأسد الجبال العربي والوشق الصحراوي، وقوانينها في الحفاظ على البيئة والصيد هي الأكثر تشدداً في العالم، ويكفي أنها متقدمة على أوروبا في مجالات البيئة.

على مستوى السياحي هي بلد سياحي جميل وزرنا منها:

مسجد السلطان قابوس
يقع على الطريق المؤدي إلى قلب مدينة مسقط، يبرز دوره كمصدر علمي وفكري للمعرفة عبر العالم الإسلامي، وقد استغرق البناء 6 سنوات، وافتتح في عام 2001 ويبلغ إجمالي سعة المسجد 20 ألف شخص، ويمكن لصالته الرئيسة وحدها استيعاب 6500 شخص، ويغطي مساحة تقدر بحوالي 416,000 مترمربع، وللمسجد قبة مركزية يصل ارتفاعها إلى 50 متراً، وتُضفي مئذنته المميزة عليه طابع فريد من نوعه، وقد نقشت جدران المسجد والساحة الداخلية بشريط من الآيات القرآنية بخط الثلث، وكتبت أسماء الله الحسنى على الجدران الأمامية للممرات، وجدران المصلى الرئيسي تتوج بشرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العمانية خاصة، ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عموماً، فيما يتميز جدار القبة بكوة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة، ويلف القبة شريط من الزخارف الكتابية يتضمن آيات قرآنية بخط الثلث بألوان جذابة، كما أن للقبة غشاء مخرماً متشابكاً منمقة خطوطه بشعرية ذهبية، وتتجلى من خلال شفافية هيكل القبة الثانية المكسوة بقشرة من أحجار الفسيفساء الذهبية بأكملها.

يفرش بلاط المصلى سجادة عجمية بقطعة واحدة، تبلغ أبعادها أكثر من 60 × 70 متراً، وتغطي مساحة 4263 متراً مربعاً، والسجادة مؤلفة من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طناً، تصل جودة عقدتها إلى 40 عقدة في كل 6.5 سنتيمتر، واستغرقت صناعة السجادة وإنتاجها أربع سنوات، استغرق منها 15 شهراً لإعداد التصاميم والخيوط والصباغة وإقامة ورش الحياكة الخاصة بها، أما عملية الحياكة فبلغت مدتها 27 شهراً متواصلة تبعها فترة 5 أشهر في الإنهاء والقطع والغسيل التقليدي، وعدد القطع المؤلفة للسجادة 57 إضافة إلى سجادة خاصة بالمحراب متصلة بها، وتمت عملية تجميع التوصيل والحياكة لأطراف السجادة وحواشيها وضبطها داخل قاعة المصلى، وتمت حياكة السجادة في نيسابور، على أيدي 600 امرأة “بالفارسية نيشابوروهي مدينة في مقاطعة خراسان شمالي شرق إيران قرب العاصمة الإقليمية مشهد”.

يوجد بالجامع مصلى للنساء مزخرف بالأحجار المصقولة والمنقوشة والمحفورة يدوياً يتسع لأكثر من ثماني مئة مصلية، ويقع مصلى النساء خلف المصلى الرئيسي عبر الصحن الداخلي ليشكل امتدداً له، والمصلى مجهز بشاشة عرض لمشاهدة خطبة الجمعة والمحاضرات من قاعة المصلى الرئيسية.

دار الأوبرا السلطانية
دار الأوبرا السلطانية بمسقط هي أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي وفي الجزيرة العربية،حيث تم البدء في الأعمال الإنشائية للمبنى في عام 2007م وافتتح في 12 أكتوبر 2011م وشيدت على مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع، وتبلغ المساحة المبنية ما يقرب من خمسة وعشرين ألف متر مربع بمبنى متعدد الاستعمالات، وتعتبر تحفة معمارية شيدت من 8 طوابق تقع 3 منها تحت الأرض و5 فوقها، ويمتد مبنى الأوبرا من شمال الموقع إلى جنوبه، ويقطع المبنى رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي، ويتناغم فيها التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة، المبنى يمكنه أن يستضيف فعاليات مختلفة كحفلات الاوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحيات، إضافة إلى المؤتمرات والعديد من الملتقيات الثقافية والفنية، و لدى دار الأوبرا القدرة على استيعاب الحد الأقصى من 1100 شخص، ويتكون مجمع دار الأوبرا من مسرح الحفل وقاعة وحدائق رسمية، والسوق الثقافية والمطاعم الفاخرة ومركز الفن للإنتاج الموسيقي والمسرحي والأوبرالي.

قصر العلم
أو القصر السلطاني، وهو قصر للسلطان لا يعيش فيه، ولكنه يستقبل فيه ضيوفه.

قلعة الجلالي
أو الكوت الشرقي أو القلعة الشرقية، وهي قلعة أثرية تقع على صخور مطلة على خليج عُمان شمال شرق مسقط، بُنيت من قبل البرتغاليين عام 1588م لتحل محل بناء قديم يعتقد بأنه كان مرصداً في شكل أبراج أقامها أهل مسقط، استخدمت كسجن وكموقع دفاعي يتم من خلالها مراقبة المدينة من مختلف الجهات.

قلعة الميراني
وتعرف أيضاً باسم سان خاو، بناها البرتغاليون عند قاعدة صخرة الميراني وكانت حوضاً للسفن ومعقلاً على مستوى البحر عام 1610م، زودوه ببطارية مدافع على مستوى منخفض للحيلولة دون وقوع هجوم من المراكب التي تبحر قرب الشاطئ تحت مستوى المدافع الموجودة.

مطرح
منطقة منحنية فيها مسارات مرصوفة ومقاعد استراحة جميلة مع إطلالات خلابة على المياه والجبال، تطل على شاطئ بحر عُمان الذي يتربط تاريخياً وجغرافياً بالهند والصين وبلاد فارس وشرق أفريقيا، هو ما جعلها منطقة تجارية هامة عبر التاريخ، بها أهم الموانيء بالبلاد وهو ميناء السلطان قابوس الذي يعج بحركة نقل وتصدير واستيراد السلع بمختلف أنواعها، والمكتظ بالمراكب المحملة بالأفواج السياحية القادمة للإستمتاع بما تكتنزه هذه المدينة من قلاعٍ وأبراج عتيقة وأزقة ضيقة وسوق به عبق التاريخ.

سوق مطرح
يُعتبر من أقدم الأسواق في سلطنة عُمان ويقع في منطقة مطرح، يرجع تاريخ نشأة هذا السوق إلى حوالي 200 عام ولا يمكن رؤية السوق من الخارج، فهو امتداد عميق داخل المدينة، يبدأ ببوابة تواجه بحر عُمان وطريق مطرح البحري، وينتهي ببوابة أخرى على المدينة القديمة من الجانب الذي تستقبل منه زوارها القادمين من غالبية القرى والمدن العمانية.

Follow by Email
Instagram
Telegram
WhatsApp