النرجسيون
الصمت نعمة، وللصمت معنى مختلف يشمل جميع المفردات التي تعبر عنها الأفواه وينطق بها اللسان، كثير من الأحيان تواجهنا شريحة من بعض الفصائل، متطفلة تستهزىء بظرافة ولسان حالها، يتحدثون من غير تثمين المعنى والمفردة، يعبرون بإنشاءات سطحية وسخيفة، وتقتصر اهتماماتهم على أنفسهم ولا يشعرون بالآخرين وكأنهم غير موجودين، يكسون الشدة الطيب ليكسبوا منافعاً، وعند الرخاء واللين يكتسون الريبة وينكرون الجميل، كالحرباء التي يتغير ويتبدل لونها كل حين، فهم يجبروننا على أن نؤمن إيماناً تاماً بأن لا أحد يستحق بياض قلوبنا، ولا يستحقون أن نستهلك بياضها في سبيل إرضائهم، لأنهم حتى لو قدمنا لهم عيوننا فسيتهموننا بأنا ألصقنا أعيننا بهم فقط كي نتجسس عليهم.
فحب النفس الذي لا يبالي بالغير، مرض نفسي في تراكمات جرعات الحقد وحقن الكراهية، فهناك أشخاص عندما يشعرون بقلة وضعف أنفسهم وعدم قدرتهم على كسب الطموح، يسعون ويبادرون إلى تحطيم كل ماحولهم معنوياً وجسدياً ليكونوا هم الأفضل، فيروس النفس والأنانية مرض من الأمراض المزمنة التي يصعب علاجها، فكلنا نعرف الأنانيون الذين لا يحبون إلا أنفسهم، ونعرف قصة زهرة النرجس في الأساطير اليونانية، والتي من اسمها أخذ لفظ “نرجسي” للغة العربية، وتعني الذي لايحب إلا نفسه، ولا أقول أن الأناني هو من يحب نفسه، بل أقول الذي لا يحب إلا نفسه، لأن حب النفس أمر مطلوب ومهم، ويجب على كل إنسان أن يحب نفسه ولكن عليه أيضاً أن يحب الآخرين معه.
والأنانية في الحياة السياسية قرينة تتصل ببعض الأشخاص، سماتها مصلحتهم الشخصية بالمعنى الضيق، أي لا همَ له إلى اقتناص الفرص وتشويه أي شخص كان جاد، أو كل مخلص لحقائق علمية أو اجتماعية أو انسانية، وأيضاً من سماتهم الادعاء كذباً على من يخالفهم خصالهم الرديئة، أو يتوهمون ويبالغون في امكانياتهم الشخصية لحد الكذب، ومن صفاتهم أيضاً أنهم منافقون لا يظهرون قدرتهم إلا في ظل أسيادهم، وهناك مثل شعبي يقول: “كالجوارب لا تظهر قيمتها إلا في أرجل من يلبسونها” فيترعرعون بين الطحالب والأعشاب المتسلقة من بني طينتهم، ويمكن أن يعقدون معهم حلفاً لتحقيق الأهداف المشتركة، ولوضع استراتيجية في إقصاء الأعداء والقضاء عليهم بشتى الوسائل من الوشاية حتى الشائعة، والأعداء هم جميع من ليسوا في حلفهم، ويموتون من نجاح الآخرين ويشتاطون غيظاً وكمداً حين يمدح شخص ما أعداءهم، والغريب في الأمر أنه لم يكن لهم أعداء سوى نظام راحل، ومن بعده خلقوا أعداءهم بأنفسهم لأنفسهم، وبدأوا في محاربتهم وهم سيخسرون في النهاية، فهذه النوعية من النرجسيون الحاقدون، لا يحرقون ويدمرون إلا أنفسهم.
وظاهرة النرجسيون هي ظاهرة عالمية وزمانية، حيث نراهم في كل مكان وزمان، فحب الذات يخدعهم ويعمي أبصارهم، والأنانية سراب الضعفاء، وكذلك نصف المصائب من صنع الأنانيون، فقد قال بسمارك “الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، والذل يولد زوال الدولة والنعمة وهلاك الأمة”.
ومن بعض الأقوال عن النرجسيون الأنانيون:
حاربوا أنفسكم وحاربوا الأنانية.
الأنانية كريح الصحراء تجفف كل شيء.
تولد السعادة من حب الغير، ويولد الشقاء من حب الذات.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين