الحاقدون
قال علي بن أبي طالب: “المرء مخبوء تحت لسانه” أي أن ما يقوله الإنسان إنما يعبر عما فيه قبل أن يعبرعما سواه سواء أكان القول جميل أم قبيح، حيث أن المرء يرى الدنيا ومن فيها من منظار نفسه، كما قال أحد الشعراء: كن جميلاً تر الوجود جميلا.
وقال ابن المعتز:
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
للأسف البعض الآن يعتاشون على التقليل من شأن الآخرين، فما أن يأتي أمامهم ذكر أحد الشرفاء، حتى يشوهونه ويتكلمون عنه السوء ويصفونه به، ويحاولون البحث عن نقط ضعفه لإبرازها مقابل حجب نقط القوة، فهذا ما يفعله ضعفاء النفوس لا أغنياؤها، لأن غنى النفس يجعل صاحبها في مقام نبيل وسامٍ مترفع عن الصغائر والضغائن والأحقاد.
وكما قال أستاذنا رجاء النقاش: من أصعب الأمور في هذه الدنيا وأقساها، أن يتعامل إنسان صاحب نية طيبة واضحة ومستقيمة، مع إنسان آخر صاحب نية سيئة غامضة وملتوية، فأصحاب النيات الحسنة يميلون إلى تصديق ما يسمعونه، ولا يفعلون شيئاً في الخفاء أو الظلام ولا تقبل نفوسهم أن يلعبوا بالحقائق أو يحاولوا تغييرها حتى تصبح الأمور سهلة أمامهم، أما أصحاب النيات السيئة، فهم يستمدون قوتهم وقدرتهم على تحقيق النجاح من الكذب والتلفيق والمناورة والاستهتار وبرود المشاعر في نفوسهم وقلوبهم، فهم من عشاق العمل في الظلام والطعن في الظهر والاحتيال والتآمر، فهم يعتمدون على زاد لا ينفد من الأخلاق السيئة والتي لا يخجل صاحبها من الاعتماد عليها مادامت تحقق له منفعته وتصل به لهدفه.
فهناك اناس لم يعرف النجاح طريقاً لهم، يتعالون على غيرهم، ينتقدون من هم أفضل منهم، يبحثون عن موضوعات أشبه بالفتنة ليسهموا في إشعالها، يمارسون دور القاضي والجلاد، ومتعتهم هي الإساءة للآخرين، ويتوهمون أنهم بكتابة مقال غاضب أو أو تصريح محرض يكونوا قد اتخذوا موقفاً إنسانياً وبطولياً، ويخيل إلينا من صراخهم أنهم يقفون على أبواب فلسطين وعلى وشك تحريرها، ولو بحثنا في مواقفهم لوجدناها مخجلة، فهم يعتقدون أن الثقافة والقوة والبطولة هو الشتم والتشهير والإساءة لأساتذة وإعلاميين كبار هم قامة في الصحافة، ولمناضلين هم من قاموا فعلاً بالثورة، فمن يهاجم هؤلاء، مثلهم كمثل صناع الإعلانات، يقولون ويشيرون في نهاية إعلانهم تطبق الشروط والأحكام، لكي يتجنبوا المساءلة القانونية حين يتبين زيف إعلانهم، ذلك لأن قلوبهم مليئة بالكره والبغض، فلهم ألسنة وأقلام يستهدفون بها كل شخص ناجح، يكيلون له النقد في تصرفاته ولا يقدمون الحل للمشكلات التي تعاني منها مصر، فالذي لا يعجبه تصريح أو دراسة أو نشاط أحد لمحاولة النهوض بمصر وأبنائها، يعتبرون ما يفعله منظرة وحباً في نشر صورهم، فهم لا يعرفون أصحاب القلوب العامرة بالحب والخير، الذين علينا أن نشجعهم ونشعرهم بقيمتهم، لأنهم أنقياء بالفطرة، لا يبتسمون من أجل مصلحة ويمتدحون من أجل مال، وإن لم يجدوا انفسهم في الصفوف الأولى للسلطه، ولا يقفون خلفها كي يعرقلون بصوت الباطل مسيرة إعادة بناء مصر، فهم يحزنون لحزن شعبها ويفرحون بفرحهم، فالبلد عندهم عائلة ممتدة من الغفير حتى الوزير، لا يستعرضون علمهم وثقافتهم بتتبع عورات جهل سواهم وأخلاقهم عندهم قبل علمهم، فهم لا يدسون ألسنتهم باسم الثقافة ولا يستعرضون عضلاتهم باسم السياسة، ولا يجيدون الخبث والكيد والدسائس وليس لمكر الثعالب في أخلاقهم أثر، ولا يجيدون استعمال الأقنعة، ولا يغرسون مخالبهم في جسد من وثق بهم، فهم لا يغضون البصر عن حاجة الضعيف ولا يتراقصون على بقايا انكساره، ولا يغلقون أبوابهم في وجه من أساء إليهم إذا ما ألقت به رياح الأيام يوماً على أبوابهم، فهم يكتبون برُقي ويناقشون ويختلفون برُقي، فمن ينتقدونهم هم مغرورون يعانون من الظمأ الإجتماعي ويحتاجون لجرعات من الحب والنشاط والنجاح، ليكون نقدهم هادفاً يؤدي لرسالة، فجميل أن يكون لدينا طموح، ولكن من المؤسف أن نفقد المقدرة.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين