تقرير: أسامة حراكي
في تمام الساعة الثانية ظهراً حطت بنا الطائرة بمطار “كيفلافيك” حيث ستكون زيارتنا لمدة ثلاث أيام إلى بلاد سواء كنتم ستبادرون بزيارتها خلال فصول الصيف أو الشتاء، ستجدون صعوبة في مقاومة سحرها، فهي أشبه بجنة رائعة لعشاق المغامرة، فحين تغظي الثلوج منازلها وتتجمد أنهارها، يظهر الشفق القطبي الساحر في سمائها، وتفترش الأرض بغطائها الجليدي، إنها أرض النار والجليد صاحبة التراث الثقافي الفريد، آيسلندا بلد خيالية الجمال تقع بالقرب من القطب الشمالي، لا أجد الكلمات لوصفها، ووصف عجائب الطبيعة فيها من جبال وشلالات وبحيرات وكهوف وأخاديد وأجراف وبراكين وثلوج وبحار وشواطئ الرمال السوداء، وأضواء الشفق القطبي الخضراء.
جمهورية آيسلندا هي إحدى الدول الاسكندنافية “دول شمال قارة أوروبا”، تتكون من ممالك الدنمارك والنيرويج والسويد وفلندا وايسلندا وجزر فارو، وذلك للتقارب التاريخي والحضاري والعلاقات الثقافية التي تربط هذه الدول ببعضها” وهي دولة جزرية أوروبية نشطة بركانياً وجيولوجياً في شمال المحيط الأطلسي على الحافة وسط الأطلسي، عاصمتها ريكيافيك وهي أكبر مدنها، حيث أنها والمناطق الجنوبية الغربية موطن لأكثر من ثلثي سكان البلاد، يتألف بر البلاد من هضبة تتميز بحقول الرمال والجبال والأنهار الجليدية، بينما تصب العديد من الأنهار الجليدية في البحار عبر الأراضي المنخفضة، يقوم تيار الخليج بتلطيف مناخ آيسلندا مما يجعله معتدلاً ومناسباً للحياة رغم موقعها على حدود الدائرة القطبية الشمالية.
ريكيافيك: هي عاصمة آيسلندا وأكبر مدنها، تقع جنوب البلاد علي شواطئ خليج فاكسافلوي الذي يتميز بالمضائق والمنافذ والأرخبيلات، ريكيافيك مركز الحكومة والاقتصاد في آيسلندا، يعتقد أن أول من سكن المنطقة النرويجيون عام 870 م، اسم ريكيافيك يعني “خليج الأدخنة” وسبب هذه التسمية كثرة البراكين الموجودة هناك، تتوسط المدينة قلب الجانب الشمالي في آيسلندا، وتعد صورة حية لتباين الألغاز الجغرافية المليئة بالمفاجآت التي لا حصر لها، فعلى الرغم من صغر مساحة هذه المدينة مقارنة بمعظم عواصم العالم، إلا أنها أكبر المدن في هذه الدولة، فهي تقع على خط عرض 64 درجة و 8 درجات شمالاً، ما يجعلها من عواصم العالم التي تقع في أقصى الشمال، ومن أكثر المدن الصديقة للبيئة على مستوى العالم نظراً لكونها لا تستخدم سوى الطاقة الحرارية الأرضية والحرارية المائية، كما تحرص ريكيافيك حتى في إطار هذه المساحة الصغيرة على تقديم الترفيه لمواطنيها وزائريها من خلال طاقتها الثقافية المتميزة وتنوع المناظر الطبيعية فيها، فثقافة مدينة ريكيافيك منفتحة وفعالة، وتتضمن الكثير من مشاهد الموسيقى والفنون الراقية، وإن ما تتميز به من ثقافة عالمية نابضة بالحياة وأناس ودودين ومحبين للمرح، وروحانية طبيعية ومأكولات شهية وحياة ليلية مفعمة بالنشاط، يجعلها من المدن التي لا بد من زيارتها.
الأوروا: هي أضواء الشمال القطبي وهي أضواء طبيعية تتكون أغلب الأحيان في مناطق الشمال القطبي وبالتحديد في المناطق الاسكندنافية بحيث تزين هذه الأضواء سماء تلك المناطق ببراعة، ويتكون الشفق القطبي عندما تخترق الرياح الشمسية الناتجة عن النظام الشمسي المجال المغناطيسي المحاط بغلاف الكرة الأرضية، والذي يؤدي إلى تغير مسار الأجسام المشحونة في كل من رياح النظام الشمسي والمجال المغناطيسي، بحيث تكون هذه الأجسام على شكل إلكترونات وبروتونات، ويتم إرسال هذه الأجسام إلى الطبقة العليا من الغلاف الجوي بحيث تفقد طاقتها هناك، ونتيجة لتأين وإثارة العناصر الأساسية للغلاف الجوي، فإنه يتم إطلاق إشعاعات ضوئية بمختلف الألوان الجميلة والتي يطلق عليها “أضواء الشفق القطبي” وتكون موجودة أكثر بالقرب من المناطق القطبية والتي تعتمد على كمية التسارع المنقول للأجسام المشاركة، وتنتج الإنبعاثات البصرية كنتيجة من البروتونات المشاركة في هذه العملية من خلال تصادم ذرات الهيدروجين بعد حصولها على إلكترونات من الغلاف الجوي، وأضواء الشفق القطبي الناتج عن البروتونات يتم رؤيتها على مدى منخفض في أغلب الأحيان، والانبعاث الناتج عن الأكسجين يكون بألوان الأخضر أو البرتقالي المائل للأحمر، ويعتمد ظهور هذه الألوان على كمية الطاقة الممتصة، والانبعاث النتاج عن النيتروجين يكون بألوان الأزرق، والذي ينبعث كنتيجة لرجوع الإلكترون له بعدما حصلت له عملية التأين، أما انبعاث اللون الأحمر فيكون نتيجة لرجوع الإلكترون من مستوى طاقة عالي إلى مستوى منخفض، وظاهرة الشفق القطبي تنشط في آيسلندا من شهر سبتمبر الى شهر ابريل، ويظهر في الليالي الصافية، ولمحبين رصد أنشطة الشفق القطبي من الممكن الاتفاق مع مراصد فلكية ومواقع متخصصة في الرصد الفلكي.
ينابيع بحيرة بلو لاغون الساخنة: آيسلندا تعد بوابةً للاستمتاع بخيارات المغامرات الجريئة المتاحة بها، وممارسة أنشطة تعتمد على المطاردات في الهواء الطلق داخل أحد ينابيع المياه الحرارية الجوفية العديدة بالمدن، أو أحد منتجعات الصحة العلاجية الداخلية الفاخرة، وينابيع بلو لاغون الساخنة، هي واحدة من مناطق الجذب الأكثر زيارة في آيسلندا حيث يتم تسخين المياه بشكل طبيعي مع النشاط البركاني بالجزيرة والينابيع، خاصة في فصل الشتاء وموسم الثلج، وتتميز مياهها بلونها الأزرق اللبني وهي مليئة بالسيليكا والطحالب والمعادن الجيدة للبشرة، وتقع بحيرة بلو لاغون بالتحديد في وسط الطريق بين العاصمة ريكيافيك والمطار الدولي لها، قريبة من مدينة غريندافي، وهناك خدمة حافلات من محطة الحافلات بريكيافيك، كما توجد حافلات تنقلكم من الفندق وتشمل أسعارها تكلفة الدخول إلى البحيرة، ويمكن الدخول إليها مقابل دفع مبلغ مالي يقدر بحوالي 50 يورو، وهناك العديد من النشاطات التي يمكن القيام بها خلال الجولة، فمثلا يمكن السباحة في المياه الدافئة، أو وضع طين السيليكا حول الجسد بالكامل فهو نافع جدا، ويمكن أيضا الاسترخاء والطفو فوق المياه، والاقتراب أكثر من الصناديق الخشبية، وهي المناطق الأكثر حرارة في البحيرة، وذلك لأنها منبع المياه الحرارية، كما يمكن الحصول على فرصة رائعة بين الكهوف للاستمتاع بالحمامات البخارية، ولاتزال بحيرة بلو لاغون تشكل أفضل الأماكن الممتعة للزوار، من أجل العلاج بوساطة المياه المعدنية الحارة والتي تفيد بالاستشفاء من بعض الأمراض المزمنة.
أنابيب الحمم البركانية: آيسلندا مغطاة بالبراكين القديمة منها والجديدة، والكثير منها لديه أنابيب حمم بركانية تحت الأرض وقد تشكلت نتيجة لتدفقات الحمم المنصهرة أسفل القنوات وقد بردت عند الحواف، وفي نهاية المطاف خلقت أنبوب من الصخور البركانية الصلبة أو كهوف على شكل أنابيب، ويمكن المشي لمسافات طويلة من خلال تلك الأنابيب ومشاهدة التشكيلات المختلفة والألوان الكثيرة، ففي التاسع و العشرين من أغسطس عام 2014 حدث ثوران بركاني من خلال السطح في حقل حمم في المرتفعات الشمالية من آيسلندا، حيث قام بقذف أنهار من الحمم الساخنة أكثر من أي وقت مضى، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن الثوران، ولذلك لا يُسمح التوجه إلى مكان الانفجار لأسباب تتعلق بالسلامة ولكن هناك الكثيرين ممن يذهبون إلى هناك بطائرات الهليكوبتر لأنها أكثر أماناً و لكنها غالية الثمن قليلاً.
كهوف الجليد الكريستالية: أقل ما يمكن وصف هذه الكهوف الجليدية الزرقاء به هو أنها رائعة لدرجة لا تصدق، حيث يذهب المصورن خصيصاً إلى آيسلندا لتصوير هذه الكهوف الرائعة فهي مكان لا يمكن تفويته، المياه الذائبة المتدفقة هي التي خلقت هذه الكهوف الطبيعية الرائعة، وضوء الشمس عندما يمر من خلال الجليد يمنحها لون أزرق فريد من نوعه، كما أن هذه الكهوف الكريستالية تنهار أو تتحرك في كل موسم وأحياناً يكون من الصعب الوصول إلى بعضها وهي آمنة للزيارة فقط في فصل الشتاء.
قمة جبل كتالا: في قمة جبل كتالا يقع البركان وفي نفس الوقت يمر من فوق فوهته نهر جليدي صغير يهبط كالشلال في منخفض، وعلى طول الطريق تعرفنا على السكان المحليين ونحن نسير بين أجمل المشاهد الطبيعية التي أوصلتنا لشلالات آيسلندا الرائعة التي تذهل بجمالها، في منطقة الدائرة الذهبية لاحظنا الأبخرة التي تتصاعد من الأرض ونوافير الماء التي تثور كل خمس أوعشر دقائق، قد تتخيلو جمال رؤية نهر جليدي يدعى “ميردالسجوكول” يقطع الطريق بين سلسلة جبال شاهقة ليهبط كالشلال، وقد تتخيلو روعة فوهة بركانية خامدة لبركان “كتالا” من أعلى ومتقدة من جوفها وتقبع منتظرة لحظة الانفجار فوق قمم الجبال الجليدية، سبحان الله كيف نهر جليدي يجري فوق بركان نصف خامد.
شاطئ الجن أو الرمال السوداء: يقع الشاطئ في قرية “فيك أي ميردال” في جنوب أيسلندا، وهو معروف باسم شاطئ “فيك” ويقع على الطريق الدائري الرئيسي المحيط بالقرية، وعلى الرغم من أن فكرة الرمال السوداء قد توحي بالرعب أو الانقباض، ولكن العكس هو الصحيح، ففي عام 1991 فاز الشاطئ بلقب أحد أجمل 10 شواطئ في العالم بأكمله، حيث رماله السوداء المتلألئة عند تلاقيها مع السماء الزرقاء والمياه الفيروزية، تعطي لوحة من أجمل لوحات الخالق عز وجل، والأساطير في القرية والقرى المحيطة تقول أن الشاطئ كان في قديم الأزل شاطئ عادي، ولكن الجن غضبوا من السكان المحليين في المنطقة فقاموا بسحر الشاطئ لتكون رماله سوداء، لذا أطلقوا عليه شاطئ الجن، ولكن الحقيقة التي يؤكدها علماء الجيولوجيا هي أن هذه الرمال تكونت نتيجة ثورة بركان كتالا فوق الجبل، والذي قذف بالحمم على طول الشاطئ إلا أن المياه قد بردته وفتته مع الزمن لتصنع من الحمم رمال سوداء بركانية.
بحيرة تجورنين: بقعة شعبية مليئة بالأسر الشابة وكبار السن الذين يأتون إلى هناك للاسترخاء والاستمتاع بالبحيرة وإطعام الطيور، ويمكنكم عند الذهاب الاحتفاظ ببعض الخبز للاستمتاع بتجمع الطيور.
بيرلان: عليكم الذهاب إلى منصة المراقبة الواقعة في مبنى بيرلان التاريخي بجنوب العاصمة الآيسلندية ريكيافيك، للاستمتاع بمنظر بانورامي كامل للمنطقة، هذا إلى جانب الاستمتاع أيضا بالهندسة المعمارية للمبنى الأصلي المثيرة للاهتمام.
متحف ريكيافيك للفن: هو أكبر مؤسسة للفنون البصرية في أيسلندا، وسكان ريكيافيك يفتخرون به دوماً، وعلى الرغم من أن الدخول مجاني فقط للأطفال دون سن 18 عاما، يمكن للبالغين زيارة جميع المتاحف الثلاثة التي تنتمي إلى متحف فن ريكيافيك بتذكرة واحدة ذات سعر مخفض.
المكتبة الوطنية: على الرغم من عدم اهتمام الكثير من المسافرين بالأمر، إلا أن زيارة المكتبة الوطنية في ريكيافيك أمر لا بد منه لكل مهتم بالثقافة الأيسلندية، فبالإضافة إلى الكتب تقدم المكتبة غالباً المعارض المجانية في الطابق الأول، وكما هو الحال في أي مكتبة.
سوق كولابورتيو: هو سوق محلي ولعل أفضل جزء من السوق هو قسم الأغذية حيث يمكنكم أن تجدوا بعض الأطباق المميزة، مثل سمك القرش أو لحم الحيتان، علاوة على أن المكان جيد لمشاهدة الناس والاستمتاع عموما بتقاليد وعادات السكان المحليين.
معظم الرحلات الدولية تتم عبر مطار كيفلافيك الواقع على بعد 50 كيلومتراً خارج المدينة، والمؤهل من الناحية العملية لإستيعاب جميع أنواع الطائرات، وعندما تسوء الأحوال الجوية المحيطة بمطار كيفلافيك وتؤدي إلى منع الطائرات من الهبوط فيه، فإنه يتم تحويلها إلى مطار ريكيافيك لتهبط فيه، وهو مطار محلي يقع على بعد 2 كيلومتر من وسط العاصمة ريكيافيك، يحتوي على ثلاثة مدارج قصيرة، وعادةً لا يخدم سوى رحلات جوية داخل آيسلندا وجرين لاند وجزر فارو، وكذلك يخدم الرحلات الدولية القصيرة، ورحلات جوية عبر المحيط الأطلسي، والرحلات الخاصة.
زيارة بلد مثل آيسلندا هي بالتأكيد حلم مؤجل للكثير منا، خصوصاً أنها من أهم دول اوروبا، زيارتها دائماً مؤجلة لأنها من أغلى البلاد الاوروبية، ونظراً لغلاء الأسعار لجميع الخدمات في آيسلندا، من الأفضل الاقامة في شقق ومنازل فندقية تستأجر، وأيضاً الأكل والشرب من الأفضل أن يكون من السوبر ماركت وليس المطاعم لأنها غالية جداً.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين