تقرير: أسامة حراكي
هبطت بنا طائرة الملكية الأردنية “عالية” في مطار الملكة عالية الدولي، بعد رحلة استغرقة ساعة من القاهرة إلى عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، بدعوة من الحزب الشيوعي الأردني ومؤسسة نساء عربيات، لإلقاء محاضرات حول التحولات الديمقراطية في العالم العربي،”الثورة المصرية نموذجا” وحضور عدة فعاليات في المحافظات الأردنية “عمان ـ الكرك ـ مادبا ـ الزرقاء” وذلك ضمن احتفالات تلك المحفظات بنجاح الثورة المصرية.
وكان في استقبالنا مندوب من الحزب الشيوعي الأردني ومندوبة من مؤسسة نساء عربيات، الذين رافقونا إلى مقر إقامتنا “فندق جنيفا” وهناك كان في استقبالنا الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني منير حمارنة والسيدة ليلى نفاع ووفد من الشباب الأردني ( سعد ـ عمر ـ صهيب ـ نهاد ـ والزوجين عبد العزيز وفاتن ـ وعلى رأسهم الرفيق عبد الرحمن عطار الذي كان لا يتركنا إلا عند النوم).
وانتهى اليوم الأول لنا بعد أن سهرنا مع الشباب في أحد مطاعم عمان.
في اليوم الثاني خرجنا صباحاً بجولة في العاصمة عمان، وهي أكبر مدن المملكة من حيث المساحة والسكان فعدد سكانها 2 مليون نسمة، وتقع في وسط المملكة في منطقة تكثر فيها الجبال وتمتد فوق 20 جبلاً، والتي تُعتبر المركز التجاري والإداري للأردن وقلبه الاقتصادي والتعليمي، وعمان مدينة قديمة أقيمت على أنقاض مدينة عرفت باسم “ربة عمون” ثم “فيلادلفيا” ثم “عمان” اشتقاقاً من “ربة عمون” واتخذها العمونيون عاصمة لهم وقد أنشئت المدينة على سبعة تلال، وكانت مركزاً للمنطقة، يعود تاريخ المدينة إلى أكثر من 7000 سنة قبل الميلاد، ومرت عليها حضارات عديدة دلت عليها الآثار المنتشرة بأرجاء المدينة فالمدرج الروماني هو أحد الآثار المتبقية من عهد الرومان وجبل القلعة بآثاره المختلفة يدل على الحضارات الإغريقية والرومانية والعمونية والأموية.
وعمان إحدى عواصم بلاد الشام الأربع، والتي أصبحت عاصمة لإمارة شرق الأردن ومن ثم المملكة الأردنية الهاشمية بعد استقلالها في العام 1946عن بريطانيا.
يسكن عمان الحديثة مجموعة متنوعة من السكان من أصول مختلفة، منهم من أتى من فلسطين والقوقاز وسوريا والعراق ومن مختلف أنحاء الأردن، وشهدت عمان الكبرى مؤخراً تطوراً كبيراً، حيث توسعت بشكل مدروس لم تشهده المدينة من قبل، ونالت خطة مدينة عمان الشمولية جوائز عالمية منها جائزة القيادة العالمية في تخطيط المدن وجائزة المدينة عن قارة آسيا لعام 2007
وانتهت جولتنا وذهبنا في الساعة السادسة لمجمع نقابات عمان حيث عقدنا أولى لقاءتنا في أكبر قاعات المجمع والذي حضره عدد غفير من المواطنين الأردنين إلى جانب عدد كبير من الجالية المصرية بالأردن.
الكرك
وفي اليوم الثالث اتجهنا لمدينة الكرك وكان في استقبالنا في مطعم قلعة الكرك وفد من أهالي الكرك الكرام والذين دعونا على الغداء لتناول المنسف وهو الطعام التي تشتهر به الأردن، ثم رافقنا مندوب عنهم بجولة في أرجاء القلعة وهو يروي لنا تاريخها، وكلمة كرخا في اللغة الآرامية لها علاقة لفظية لكلمة الكرك، وكرخا تعني المدينة المحصنة وهي صفة من أهم صفات هذه المدينة التاريخية، ومن أهم معالمها قلعة الكرك التي في الأصل معبداً للإله كموش وبناه الملك المؤابي ميشع لهذا الغرض، والكرك التي بناها المؤابين فتحها صلاح الدين وضمها إلى دولته، وتضم الكرك مقامات كل من الانبياء نوح والخضر ويوشع بن نون عليهم السلام، وموقع معركه مؤته واضرحة بعض الصحابه, ومدين أرض النبي شعيب.
والكرك هي المدينة التي قادة أحداث نيسان”ابريل”عام 1989 والتي ساهمت في أحداث التحول الديمقراطي في الأردن وتفعيل دور الأحزاب الأردنية وتفعيل دور النقابات المهنية، كما أنها كانت منطلق للأحداث في أعقاب ارتفاع الخبز عام 1996، كما ان الكرك كانت قائداً لحراك المعلمين عام 2010 ثم انتهت جولتنا التاريخية واتجهنا لمجمع النقابات لنعقد لقاءنا الثاني وكان حشد كبير جداً من الحضور.
البحر الميت
وفي اليوم الرابع خرجنا صباحاً إلى البحر الميت والذي كان يسمى قديماً “ببحيرة لوط”وهو بحيرة يعتبر سطحها أعمق نقطة في العالم على اليابسة حيث يقع على عمق 417 متر تحت سطح البحر ويقع ما بين الأردن وفلسطين، وقد أطلق عليه اسم “البحر الميت” بسبب عدم قدرة الكائنات الحية أو الاسماك على العيش فيه لكون مياهه شديدة الملوحة، فهي تقارب عشرة أضعاف ملوحة المحيطات، ويتغير هذا اعتماداً على العمق، كما لا تعيش فيه الكائنات الحيه بالرغم من وجود بعض أنواع البكتيريا والفطريات الدقيقة فيه، يبلغ طول البحر الميت 37 كيلومتراً وعرضه خمسة عشر كيلومتر، ويعتبر من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطاً في المنطقة حيث يقال أن الأملاح الموجودة به تشفي كثيراً من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة، وأيضاً يعتبر من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية وقد أقيمت الكثير من المنتجعات على شاطئه، وقد رشح ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات، ويهدد البحر الميت بالزوال بسبب انخفاض كميات الماء التي تصب فيه، حيث أن سحب المياه من نهر اليرموك ونهر الأردن من قبل إسرائيل والأردن، قلل بشكل حاد كميات المياه التي تصل إلى البحر الميت مما يهدده بالجفاف، ومن المشاريع المقترحة لإنقاذه مشروع شق قناة من البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط لتسييل المياه المالحة إلى البحر الميت، ولكن هذا المشروع مختلف عليه بسبب خشية الخبراء من تداعيات غير متوقعة قد تكون له على البيئة وعلى تركيبة مياه البحر الميت، وبسبب تكاليفه الهائلة، في غضون الخمسين سنة الماضية تقلص البحر بنسبة 30% ومن المتوقع اختفائه خلال قرن، وتحيط بالبحر جبال عالية صعدنا أحدها بالسيارة وكان في أعلى قمته مطعم يطل على مناظر من أجمل المناظر الطبيعية حيث تناولنا فيه غداءنا قبل أن تنجه لمدينة مادبا.
مادبا
تقع إلى الجنوب من العاصمة عمان على بعد 30 كيلو متر تقريباً، وكلمة مادبا كلمة سريانية معناها “المكان الطيب” أو المياه الهادئة، مدينة جميلة جداً بأهلها و كنائسها و جوامعها و شوارعها، وفيها آثار عديدة، سياحية ودينية، وتشتهر بالقطع الفسيفسائية الجميلة، وتضم خارطةَ فسيفسائية تعود إلى القرن السادس تشمل القدس والأراضي المقدسة، تغطي خارطة الفسيفساء أرض كنيسة القديس جورج للروم الأورثوذكس، بنيت على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة جداً من القرن السادس، وعقدنا لقاءنا الثالث بقاعة إحدى الكنائس الكبيرة وحضره عدد كبير من أهالي مادبا، ثم دعونا للعشاء في مطعم اودينوس، ثم تناول زميلي مكبر الصوت وبدأ يشدو بأغاني الفنان العظيم الراحل الشيخ إمام وأخذوا يرددونها معه حيث اكتشفنا أنهم يحفظون معظمها، وبعد انتهاء العشاء دعانا الرفيق ماجد حدادين لإكمال السهرة في بيته، ولبينا الدعوة التي سعدنا بها كثيراً حيث منزله التاريخي الجميل وأفراد أسرته أصحاب الذوق والأخلاق الكريمة.
جرش
وفي اليوم الخامس خرجنا صباحاً في جولة سياحية إلى جرش التي تبعد عن العاصمة عمان حوالي 48 كم وترتفع عن سطح البحر قرابة 600 م. يحدها من الجنوب عمان، ومن الغرب مدينة عجلون، ومن الشمال مدينة اربد ثاني اكبر المدن الأردنية، مرت فيها عصور اليونان والرومان ثم عصر الفتوحات الإسلامية، وغالبية سكانها من الشركس والأرمن.
ويعود تاريخ تأسيس المدينة إلى عهد الاسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد أو ما يعرف بالعصر اليوناني وكانت تسمى آنذاك”جراسا” في تحريف لاسمها السامي أو الكنعاني “جرشو”ومعناه مكان كثيف الاشجار، وتعتبر الآن من أفضل المدن الرومانية المحافظ عليها في العالم، ولقد بقيت المدينة مدفونة في التراب لقرون عديدة قبل أن يتم التنقيب عنها وإعادة إكتشافها منذ سبعين عام، وتكشف جرش عن مثال رائع للتطور المدني عند الرومان في الشرق الأوسط، وهي تتألف من شوارع معبدة ومعمدة، ومعابد عالية على رؤوس التلال ومسارح أنيقة وميادين وقصور، وحمامات وأسوار وأبراج وبوابات، بالإضافة إلى طابعها الخارجي اليوناني-الروماني.
البتراء
مدينة تاريخية تقع على بعد 225 كم جنوب العاصمة عمان إلى الغرب من الطريق الرئيسي الذي يصل بين عمان ومدينة العقبة، وتعتبر من أهم المواقع الأثرية في الأردن وفي العالم لعدم وجود مثيل لها في العالم، فازت مؤخراً بالمركز الثاني في المسابقة العالمية لعجائب الدنيا السبع، وهي عبارة عن مدينة كاملة منحوته في الصخر الوردي اللون ومن هنا جاء اسم بترا وتعني باللغه اليونانية الصخر، بناها الأنباط في عام 400 قبل الميلاد وجعلوها عاصمة لهم، وكانت أهم مدن مملكتهم التي دامت ما بين 400 ق م وحتى 106 م، وقد امتدت حدودها من ساحل عسقلان في فلسطين غرباً وحتى صحراء بلاد الشام شرقاً و من شمال دمشق وحتى البحر الاحمر جنوباً، وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون، الذي يضم قبر النبي هارون عليه السلام والينابيع السبعة التي ضرب موسى بعصاه الصخر فتفجرت.
أكتشف البتراء عام 1812 م المستشرق السويسري “يوهان لودفيج” وقد احتوى كتاب رحلات في سوريا والديار المقدسة الذي نشر عام 1828 على صور للبتراء، واختيرت البتراء بتاريخ7/7/2007 كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.
الزرقاء
وبعد انتهاء جولتنا اتجهنا إلى الزرقاء وهي ثالث أكبر مدن الأردن وأهمها وهي تعتبر عاصمة الأردن الصناعية فتقع في شمال المملكة، بين محافظتي المفرق من الشمال والعاصمة عمان من الجنوب، وتتميز بقربها من محافظات عمان والبلقاء وجرش والمفرق، وتتميز بموقعها الجغرافي المتوسط بين مدن المملكة وعلى شبكة مواصلات دولية تربط الأردن بالدول المجاورة، وتمر من خلالها سكة حديد الحجاز التي تأسست عام 1900 م، وتتكون كلمة الزرقاء في اللغة الأكادية من مقطعين هما “زار”وتعني مياه و”كي” وتعني منطقة، وقد أطلقوها على النهر الكبير الذي كان يطلق عليه اسم “النهر العظيم”أو”نهر التماسيح”، فأخذت الزرقاء هذا الاسم من كلمتي “زار ـ كي” من اللغة الأكادية، والتي تعني “منطقة مياه”، ثم دخلت الكلمة في تطورات لفظية وكتابية من خلال تعرض منطقتنا إلى هجرات الأمم والشعوب كالأكاديين والأشوريين والفرس واليونايين والرومان والعرب والشركس، فتحولت الكلمة من “زار ــ كي” إلى “زارقي” إلى “زارقا” ثم إلى الزرقاء، والتي عقدنا أخر لقاءتنا فيها بمقر الحزب الشيوعي الأردني.
وطيلت مدة زيارتنا كنا نرى شبان مصريين في كل مكان، شبان تغربوا عن بلدهم وأهلهم، تفصلهم عنهم جبال وسهول، لكنها لا تستطيع مهما امتدت مساحتها أن تقطع بينهم، منهم من تغرب كي يجمع فقط تكاليف بناء دار له في قريته ويتزوج بمن يحب، وبعد ذلك هو على استعداد أن يعمل بأي عمل في مصر، التقينا بالكثير منهم وكنا نسألناهم إن كان الحنين لمصر يراودهم أم أن الغربة أنستهم بلادهم، فوجدناهم أكثر حنين منا، وأدركنا أن الفطرة تشد الإنسان لجذوره ومنبته، وأن من لا ينتابه مثل هذا الحنين لا يكون منتمياً للوطن، ولكن لم يكن منهم واحد غير منتمٍ لبلده، فالكل يقدس مصر ويراها أجمل البلدان، ومن خلال تلك القاءات اكتشفت وحرصنا على الحديث معهم والتخفيف من متاعبهم وحثهم على العودة لمصر في أقرب وقت وعدم تأخير اجازتهم لمدة طويلة، كانوا ذو شوق جارف إلى شوارع مصر وأهلها المتزاحمين المتصارعين على لقمة العيش، شوق تعجز الكلمات عن وصفه، وقد كنا مثلهم فقد كنا نضيق من النظام ونحن للفوضى، ومللنا من الهدوء واشتقنا إلى الزحام والضجيج.
وفي اليوم السادس عدنا للقاهرة، بعد أن ودعنا جميع الرفاق وشكرناهم على كرمهم وحفاوة استقبالهم طالبين منهم زيارتنا بمصر في أقرب وقت، فبعد ستة أيام من الإقامة بين أهل الأردن، لا يسعني القول إلا أنهم “نشامى”أهل كرم، فكل غريب عنهم هو محل ترحيب عند الجميع، ولم يكن حسن الوفادة والضيافة هو الأبرز فقط، فقد كانوا متابعين للثورة المصرية لحظة بالحظة، حيث وجدنا أنفسنا في جميع لقاءتنا أمام جمهور متعطش للثورة ومتطلع لها إلى أبعد الحدود، وما ينقص الأردن حقيقةً هو أن تأخذ مكانتها اللائقة على خارطة السياحة العربية، فهي غائبة رغم ما خصها الله من طبيعة متفردة ومناخ متميز.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين