الربيع وألوانه
ليس هناك ما هو أجمل من الزهور للتزين بها والاستلهام من ألوانها وأشكالها، فالزهور بأشكالها وألوانها كافة هي مصدر وحي لا ينضب لاسيما عندما يأتي الربيع، فبألوانها وأشكالها تغنى الشعراء، وعزف لها الموسيقيون أروع الألحان، وتزينت بها النساء على مر العصور، ولاتزال جمالياتها تسحرنا وتجذبنا، لتجعلنا نردد دائماً عبارة سبحان الخالق.
الطبيعة بزهورها وألوانها تملأ حياتنا، ففي الربيع نرى الملابس الزاهية بألوانها المستوحاه من ألوان الزهور، مثل البرتقالي والأصفر والأزرق، فالبرتقالي يعبر عن حب الحياة والروح المتفائلة، فهو إلى جانب حيويته وإشراقته، يمنح دفئاً حميماً يضفي على من تغلف به جسدها سحراً جذاباً لا يقاوم، فهو من أكثر الألوان زهواً وحباً للفت الانتباه، فالمرأة التي ترتدي هذا اللون تترك بصمة متوهجة يصعب نسيانها.
أما الأصفر الذي يبرُز من بين كل الألوان بوصفه لوناً نقياً مفعماً بالحيوية، قد تبدو الإطلالة الصفراء بالكامل صارخة وصادمة، لكنها تبقى في جميع الأحوال متألقة ولافته تستحق التجربة، فجريئة من تختار الأصفر ليعانق جسدها، ومبدعة من تدرك سر مزجه وتنسيقه مع ألوان أخرى، فالمرأة الجامحة تجمع بين الأصفر والأزرق و”الفوشيا”، أما المرأة الهادئه فإنها تتألق بالأصفر المطعم بالبني، أما الشقية والمشاغبة المرحة ترتدي الأصفر مع البنفسجي، أما الأزرق فهو اللون الملكي الذي يضفي هالة من الأناقة والاشراقة الهادئة على من تختاره ليكسي جسدها، فهو قادر بتدرجات لونه من الأزرق السماوي إلى الليلكي، على أن يمنح صاحبته سلطة جمالية وقوة جاذبية لا يمكن الإفلات منهما، والمعروف عن اللون الأزرق احتواءه على ذبذبات كهربائية قوية تشكل حصناً منيعاً أمام العين الحاسدة، وما الخرزة الزرقاء سوى دليل على ذلك.
والكل يضع روائح استقت من البراعم والزهور الربيعية، ونكاد نستنشق عبقها ورائحتها فيها، زهور بتلاتها وسيقانها ودرناتها وزيوتها تعد علاجاً رائعاً للعديد من الاضطرابات التي تصيب الإنسان وبشرته، مثل الورد الذي يحارب التجاعيد ويكسب البشرة نعومة الحرير، والفل والياسمين الذي يمكن غليهم مع الشاي، حيث يساعدان على الاسترخاء، والنرجس الذي يستخدم في الكريمات حيث يقاوم الجفاف، والإيكيناسيا التي تقضي على حب الشباب، والأقحوان التي تحد من احمرار البشرة، والكورن فلاور أو القنطريون العنبري الذي يزيل انتفاخ العين، وزهرة الربيع المسائية التي تمحو الأكزيما والصدفية، والسحلبية أو الأوركيد كما يسميها الغرب، فالأوركيد أجمل وأقدم زهور العالم، عرفها الصينيون قبل الميلاد بسبعمائة عام، وأطلق عليها فيلسوفهم الشهير”كونفو شيوس” لقب زهرة عطر الملوك، ثم عرفها البريطانيون باسم زهرة شراب الحب، وهي اليوم لا تكتفي بحضورها القوي في العطور، وشكلها الظاهر حيث تتسم بجمالها الراقي وألوانها الآسرة، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو ما لمستخلصها من مفعول مذهل في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، عن طريق حفز جينات البشرة المسؤولة عن إطالة العمر، ومقاومة تأثيرات جهاز المناعة لدى البشرة، وتعزيز تجديد خلاياها، حيث ادخلت في مستحضرات العناية بالبشرة والشعر ومستحضرات التجميل، بعدما أكدت الأبحاث أن خلاصتها تقاوم ظهور التجاعيد وتحارب الشوارد الحرة وترطب الأنسجة الجافة وتعزز مناعة البشرة وتجدد خلاياها.
الربيع يزهر من حولنا ويغلف عالمنا بأحلى الأشكال والألوان، ففي الربيع الجميع يمني النفس بقضاء أسعد الأوقات ويخرج للتنزه، ومنها الرحلات البحرية أو النيلية التي أجدها أفضل وأجمل نزهة في عيد الربيع، حيث يكون طوال الرحلة الأزرق والأخضر لونان يتجاوران فيها، الأول يتجلى في انعكاس زرقة السماء على الماء، والثاني تمثل في اخضرار ألوان الأشجار الراسمة مع زرقة السماء لوحة رائعة، احتضنت بدورها شبان ورجال ونساء وأطفال ارتدوا أحلى ثياب بأجمل الألوان وأكثرها حياة، للقاء الأحباب من الأهل والأصدقاء، حيث اعتقد المصريون القدماء أن نسمات فصل الربيع تختلف عن غيرها من نسمات السنة كلها فأطلقوا عليه “شم النسيم” الذي أخذ مظاهر متعددة، ومن مظاهره تناول أنواع معينة من الأسماك تحضر قبل حلول شم النسيم بفترة طويلة وهي “الفسيخ” وترجع هذه التسمية إلى الكلمة العربية القديمة “التفسيخ” أي ترحيل الأنسجة بفعل تعرضها للتمليح، وهو ما كان يقوم به المصريون القدماء، وهي عادة غذائية مازالت موجودة بهذه التسمية وهذه المواصفات حتى اليوم، ويؤكل إلى جانب الفسيخ الخس والخيار والترمس، ويعتقد البعض أنها من باب العادات والتقاليد، ولكن لها أصل علمي لجأ إليه قدماءنا المصريون، وهو أن الأنزيمات والألياف الموجودة في تلك الخضروات وعند تناولها مع الفسيخ، تبطل إلى حد كبير امتصاص الجسم نسبة الملح الهائلة التي يحتوي عليها الفسيخ، وبالتالي تجنب الإنسان العديد من الأمراض الناجمة عن تناول الأملاح، مثل ارتفاع ضغط الدم واحتباس الماء في الجسم.
أيضاً البيض الملون من مظاهر عيد شم النسيم، ويمكن تلوينه بطرق متعددة تستخدم فيها مواد طبيعية كبديل الألوان الصناعية، حيث يمكن سلق البيض في ماء مع ورق البصل الأحمر، فنحصل على بيض أصفر باهت جميل، أو نسلقه مع البنجر”الشمندر السكري” للحصول على بيض أحمر، ويمكن تثبيت أوراق البقدونس أو الكزبرة الخضراء على قشر البيض، وتغليف البيض بورق الألمنيوم ثم سلقه، فنحصل على بيض مرسوم عليه ظلال تلك الأوراق.
وكل ربيع والجميع بخير.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين