رحلتي إلى بلاد الخمر والجبن في الجانب الآخر .. غينيا كوناكري
تقرير: أسامة حراكي
من مطار كوناكري إلى الفندق كانت لا شيء سوى مساحات شاسعة من تضاريس منبسطة وأرض ملونة خصبة، تظهر فيها بعضا من ملامح مدينة متواضعة، غابت فيها المباني العالية والشوارع العريضة، وحلت محلها شوارع ذات خطين تسير فيها سيارات متواضعة، سكانها يتبادلون تحية السلام عليكم، وصوت الاذان يصدح في كل مكان، في مؤشر إلى حجم التسامح والتعايش بين الأديان.
جمهورية غينيا من الدول التي توجد في غرب القارة الإفريقية، قديماً كانت تُعرف باسم “غينيا الفرنسية” وحالياً تُسمى “غينيا كوناكري” وذلك للتفريق بينها وبين جارتها “غينيا بيساو”، قديماً كانت تتبع إمبراطوريّة غانا، وفي عام 1849م أصبحت مستعمرة ومحمية تتبع فرنسا، واستقلت عن فرنسا عام 1958.
يَبلغ عدد سكان جمهورية غينيا كوناكري 12 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2016 وينقسمون إلى 24 مجموعة عرقية، ومن أشهرها وأكبرها “الفولا” بنسبة 43% وكذلك “الماندينكا” بنسبة 35% و”السوسو” بنسبة 20% و 2% باقي المجموعات العرقية، أغلب السكان يدينون بالديانة الإسلامية بنسبة 85% وبالمسيحيّة بنسبة 10% والباقي يدينون بديانات محلية مختلفة بنسبة 5% ويتحدث سكان غينيا بعدة لغات نذكر منها: “الفولانيّة، النكو، السوسو أو الصوصو، التوما، الكيسي، الجيريسي، السونينكو”.
غينيا منذ أقدم العصور، وفي أوائل القرن الخامس عشر تعرضت لهجمات تجار الرقيق البرتغاليين وأصبحت هدفاً للأطماع الاستعمارية، وضعت تحت الحماية الفرنسية عام 1849 وما لبثت فرنسا أن أعلنتها جزءاً من مستعمرات غربي إفريقيا عام 1904 وكانت فرنسا تعد هذه المستعمرة جزءاً منها، فسعت إلى إنشاء طبقة غينية تتبنى الثقافة الفرنسية وتخدم مصالحها، وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت هذه المستعمرة جزءاً من الكيان السياسي الذي حمل في البداية اسم “فرنسا ما وراء البحار” ثم اسم “مجموعة الشعوب الفرنسية” التي ضعفت فيها الروابط وبدأ قسم منها يتحول إلى دول مستقلة، وكان لغينيا السبق في ذلك، إذ كانت أول مستعمرة فرنسية على الساحل الغربي لإفريقيا تعلن استقلالها كاملاً، بزعامة “أحمد سيكوتوري” صاحب الكلمة الشهيرة: “لو تخلّى كل العرب عن القضية الفلسطينية ما تخلينا عنها”.
عاصمة غينيا هي مدينة كوناكري، وهي مركزها الاقتصادي، وتعدّ أكبر مدن الجمهورية، بالإضافة إلى مدن كانكان، وغيكيدو، ولابي، ونزيريكوري، وكينديا.
طبقاً للأسطورة السائدة فإن اسم المدينة نتج عن اندماج اسم: كوناcona منتج الخمر والجبن عند قبائل الباجا، وكلمة ناكري nakiri التي تعنى الضفة الأخرى أو الجانب الآخر، وكانت إحدى مدن غينيا المرفئية، ومجرد جزيرة صغيرة فيما مضى، لكنها امتدت حتى وصلت إلى الشاطىء البري للبلاد وأصبحت عاصمتها وتأوي الآن حوالي ربع سكان غينيا.
تضم هذه المدينة الصاخبة استاد 28 سبتمبر الوطني، الذي سمي بهذا الإسم نسبة إلى اليوم الذي صوت فيه الغينيون على استقلال بلادهم عام 1958 والمتحف الوطني وقصر الشعب وحديقة نباتية مزدهرة، والعديد من الأسواق المفتوحة وأماكن الترفيه الليلية، وبعيدا عن اليابسة توجد مجموعة جزر “دي لوس” التي يهرب إليها السكان المحليون للاستمتاع بالسباحة والاسترخاء.
وقضيت في كوناكري يومان من شهر مايو عام 2018 وكان شهر رمضان المبارك، وكانت درجة الحرارة 35 درجة نهارا و 20 ليلا، فكان الجو مقبولا نهارا لطيف ليلا، ومن الأماكن التي زرتها:
مسجد كوناكري الكبير
بنى المسجد “أحمد سيكو توري” بتمويل من ملك المملكة العربية السعودية الرحال فهد بن عبد العزيز، وافتتح في 1982 وهو رابع اكبر مسجد في إفريقيا ويتسع لـ 2,500 مصلٍ، في المستوى العلوي للنساء و10,000 مصلٍ في المستوى الأرضي للرجال، وبذلك يكون المجموع 12,500 مصلٍ يمكن أن يصلوا في ساحة المسجد الكبيرة، وفي حديقة المسجد ضريح (Camayanne)، وقبور الأبطال الوطنيين مثل ساموري توري، وأحمد سيكو توري، وألفا يايا.
كهوف كاكيمبون
تقع في ضاحية راتوما في العاصمة كوناكري، وهي منطقة دينية عريقة ذات أهمية ثقافية كبيرة، من يزورها يتعرف على الأساطير المحلية والشعائر الدينية الخاصة بالشعب الغيني.
المتحف الوطني
يضم مجموعة كبيرة من الماسكات والتماثيل والآلات الموسيقية، هناك أيضاً الكثير من الأعمال الخشبية والطبول التي تباع على أرضية المتحف، برغم أنه متحف متواضع إلا أن زيارته مثيرة وممتعة.
تتصف جمهورية غينيا بغزارة المياه الجارية السطحي، وارض خددتها السيول وشكلت فوقها شلالات كثيرة، تستغل في توليد الكهرباء اللازمة، كما يتم استخلاص الألمنيوم من خامات البوكسيت المتوافرة بكثرة في أراضيها.
وهناك الكثير من الأكلات الشعبية التي تشتهر بها غينيا مثل طبق “أرز جولف” الشهير وهو عبارة عن أرز مطبوخ مع الفلفل الحار وقطع السمك أو اللحم، وأيضاً الدجاج المحشو بالفول السوداني.
تعرضت الجمهورية إلى حرب أهليّة في عام 2009 وقمع الجيش المتظاهرين بمذبحة في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر، وقتل فيها أكثر من مئة وخمسين مواطناً، وخرجت غينيا مؤخرا من آفة إيبولا التي كان لها وقع سيء على الاقتصاد الغيني، وبدء اقتصاد البلد يعرف انتعاشاً ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه ما زال بحاجة إلى رؤس أموال خارجية للاستثمار في مختلف القطاعات، وفي هذا الاتجاه توفر الحكومة الغينية تسهيلات لتحفيز الشركات على الاستثمار بالبلاد فالمستقبل في القارة السمراء، وعملة غينيا كوناكري هي فرانك غيني.
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين