صداقة زائفة
الخلّ الوفي مقولة ورثناها من أجدادنا في الماضي، و رددناها كثيراً عندما يصدمنا صديق مقرب بأمر منه لم نكن نتوقعه وبفعل منه لم نكن ننتظره، وهكذا تظل معضلة وجود الخل الوفيِّ تؤرق علاقاتنا مع بعضنا البعض وخصوصاً في أيام الأزمات وليالي المصاعب التي قد تمر بنا.
ومن البديهي أنه ليس كل من نعرفه من محيطنا الإجتماعي قد يكون صديقنا، وليس كل صديق لنا قد ننتقيه خليلاً لأنفسنا، فالحياة ملأة بأصناف البشر الذين يختلفون في مدى التزامهم بأخلاقهم وإنسانيتهم.
ويبقى السؤال هنا: لماذا تبخل علينا الحياة بصديق صادق الود والعشيرة؟!
ولماذا لا نجد خليلاً أقرب إلينا من نفوسنا يربطنا به الوفاء والمعروف؟!
ولكي نجيب على هذا السؤال بواقعية وحياد، فلنحاول أولاً أن نبحث في ذاكرتنا عن صديق له أثر إيجابي في حياتنا، قد أثرانا بالوفاء وصدق المعاملة وأثّر فينا بالنبل والإخلاص، وأغلب الظن أننا سنعثر على شخص واحد أو اثنين من معارفنا الكثيرين قد كان نادراً في صداقته، وكان بكل معنى الكلمة أخاً لنا لم تلده أمنا.
ومن هنا يمكن القول إن ندرة العثور على الخل الوفي لها عدة أسباب: منها أننا قد نكون مخطئين منذ البداية في اختيار الأشخاص المناسبين لنا، وقد نكون قد منحناهم الكثير من التقدير والمزايا دون أن نقف على حقيقتهم، وأضعنا عليهم الكثير من وقتنا في صداقة خادعة، وبالتالي فإن الملام الوحيد هو نحن، لأننا أسسنا علاقة على أساس غير واضح وخادع، سرعان ما انكشف لنا زيفه مع مرور الأيام عند أول ضيق نمر به، وأصبحنا بعدها نتحسر على صداقة زائفة.
أضيفوا فوق هذا أن القيم الإنسانية الأصيلة قد خَبَت في نفوس الكثيرين منا، فأصبحت معظم علاقات البشر باهتة لا تقوم إلا على أساس المصلحة والمنفعة، والقيمة المادية هي الحاكمة على قوة العلاقة وارتباط الشخص بالآخر، وأصبح كل واحد منا يعيش لذاته وشأن صالحه الخاص فقط.
كما أن بعض الأشخاص قد يظن الصداقة هي رافعة لكل همومه النفسية والمالية، فتراه يثقل على أصدقائه من حوله بالشكوى والأنين والطلبات المادية بدعوى التعاضد والتساند بين الأصدقاء، حتى يصبح مع مرور الأيام ثقيل الظل صخري الحضور لا يعرف أصدقاءه إلا وقت الشدائد والأزمات، يستجدي منهم دعماً أو يطلب منهم عطفاً، وحينها يبدأ بخسارة أصدقاءه واحداً تلو الآخر كونه أرهقهم بصداقته تلك.
فلنحاول أن نفهم أنفسنا وأن نحسن اختيار أصدقائنا بعناية بالغة، فالحياة مليئة بأشخاص رائعين يكملون لنا السعادة في حياتنا، ولنحاول دائماً أن نكون سهلين معهم ولا نثقلهم بهمومنا، حينها يمكن أن يكون لنا أصدقاء أوفياء يكنّون لنا المحبة والاحترام، وسيحرصون على استمرار صداقتنا بهم، وسيكونون لنا سنداً ودعماً وقت أيامنا الصعبة، وحينها لن نردد مكتئبين أين الخل الوفي؟
المزيد من الموضوعات
أسامة حراكي يكتب: التراث
وزارة الثقافة تحتفي بمبدعي ومثقفي مصر في إحتفالية “يوم الثقافة ” 8 يناير القادم…
عمر الشريف يكتب: فلا يؤذين